story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

ربيع الجامعات الأمريكي

ص ص

يتصدر مشهد طلاب الجامعات الأمريكية المرموقة المشهد الإعلامي العالمي وهم يتظاهرون ضد العدوان الإسرائيلي على غزة الذي تتصاعد الأصوات التي تصفه بالإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل. هذا المشهد جعل صانعي القرار الأمريكيين يرتبكون في إيجاد أحسن الحلول لاحتوائه قبل أن يخرج عن السيطرة. لكن في خضم هذا التجييش ضد الطلبة، فإن أمريكا تكاد تفقد هويتها وقيمها وصورتها أمام العالم.
ابتدأت المظاهرات على خلفية تصريحات رئيسة جامعة كولومبيا العريقة في مدينة نيويورك نعمت شفيق أمام أعضاء الكونغرس، وهي بالمناسبة عربية الأصل والمنشأ (ولدت في مصر).
قالت شفيق بأنها ستضرب بيد من حديد ضد المتظاهرين الذين يدعمون معاداة السامية أو الكراهية بشكل عام. جواب طلاب جامعة كولومبيا هي أن نصبوا خيامهم داخل الحرم الجامعي للمطالبة بوقف الإبادة في غزة وحث جامعتهم على سحب استثماراتها من إسرائيل ووقف كل أنواع التعاون مع إسرائيل.
وكجواب على الاعتصام، سمحت شفيق لشرطة نيويورك المعروفة بعنفها المفرط بدخول الحرم الجامعي وتعنيف وتوقيف طلاب وأساتذة في مشهد مفزع ينبئ بتراجع منسوب الحريات العامة في الولايات المتحدة. هذا التدخل العنيف ضد الطلبة والأساتذة دفع طلاب عشرات الجامعات الأمريكية العريقة الأخرى إلى الخروج والاعتصام تضامنا مع طلاب وأساتذة جامعة كولومبيا والمطالبة بنفس مطالبهم.
ما يثير حفيظة صانعي القرار في أمريكا هو المقارنات التاريخية. فمن جامعة كولومبيا انطلقت شرارة الحركة المدنية الطلابية سنة 1968 ضد الحرب الأمريكية على فيتنام. وهم يعرفون الدور المحوري للحركات الطلابية في أمريكا في تسليط الضوء على قضايا عالمية متعددة، في مقدمتها الحرب على فيتنام ونظام الأبارتايد في جنوب إفريقيا.
النقطة الثانية التي ترهب سياسيي أمريكا هي سقوط القناع عن السردية الصهيونية في النقاش العمومي الأمريكي وقدرة الشباب الأمريكي على تكوين سرديته الخاصة عبر الانفتاح على وجهات نظر مختلفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي (التيكتوك ومنصة إكس وتلغرام على الخصوص).
هؤلاء الشباب الذين خرجوا إلى التظاهر في أرقى وأعرق وأغلى الجامعات بأمريكا سيكونون في مراكز القرار غدا وبالتالي سيكون لهم قدرة على التأثير على القرار السياسي، الاقتصادي، والعسكري الأمريكي، وهذا شيء يكل لهم كابوسا حقيقيا. لذلك، فإن الإعلام الأمريكي وسياسيي أمريكا لم يترددوا في شيطنة الطلبة واتهامهم بشتى التهم.
لقد اتهموا المتظاهرين بمعاداة السامية واليهود، رغم أن مكونا مهما من المنظمين للاعتصامات هم أنفسهم يهود. واتهموا المتظاهرين بالشغب رغم أنهم لم يستطيعوا تقديم دليل واحد على شغبهم. واتهموهم بالتمويل الخارجي من طرف الملياردير جورج سوروز رغم أن سوروز نفسه يهودي. لكن كل هاته الاتهامات كان لها تأثير عكسي، إذ أدت إلى اتساع رقعة المظاهرات في أمريكا وعبر العالم وانضمام عدد أكبر من الأساتذة الجامعيين إليها.
لذلك فأي متابع للشأن الأمريكي يعرف مدى خطورة ما تقوم به السلطات الأمريكية تجاه طلبة الجامعات. حيث تضاف هذه المحطة إلى محطات أخرى عبر ستة أشهر الماضية التي قررت فيها أمريكا التضحية بقيمها المؤسسة فقط من أجل حماية إسرائيل ودعمها اللامشروط.
لقد عانت الولايات المتحدة عزلة مذلة داخل أروقة الأمم المتحدة عندما رفضت إدانة العدوان الجلي ضد سكان قطاع غزة وسياسة العقاب الجماعي والأرض المحروقة التي تشنها إسرائيل داخل القطاع، في تخل واضح عن قيم حقوق الإنسان التي تنادي بها في مناطق أخرى عبر العالم، آخرها أوكرانيا. واليوم ها هي أمريكا تتخلى عن إحدى قيمها الأكثر قدسية بالنسبة للشعب الأمريكي: حرية التعبير والتظاهر. لذلك من الطبيعي التساؤل عن المدى الذي يمكن أن تصل إليه الأمور في أمريكا إذا استمر العدوان الإسرائيلي على غزة، وهل من الممكن للولايات المتحدة أن تتعافى من هذا التخريب الذاتي لحزمة القيم الأمريكية التي ما فتئت تعبئ لها دول العالم.