حوالي 20 حالة خلال سنة.. هِمَم توثق تصاعد المتابعات المرتبطة بحرية الرأي

أعلنت الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين رصدها مجموعة من من ضحايا حرية الرأي والتعبير والاعتقال التعسفي، بعد قرار العفو الملكي الذي صدر بشأن عدد من النشطاء في يوليوز من السنة الماضية.
وقالت الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين (هِمَم)، في ندوة صحافية نظمتها يوم الخميس 19 يونيو 2025، إنه في الوقت الذي كانت تتطلع فيه إلى الكف عن المتابعات القضائية ضد من يعبر عن آرائه بشكل سلمي وحضاري في المنابر الإعلامية أو شبكات التواصل الاجتماعي أو بأي وسيلة أخرى، “انطلق سيل آخر قوي وجارف ضد عدد من المواطنين بسبب التعبير عن رأيهم بخصوص القضايا التي تهم السياسات العمومية”.
وفي هذا الصدد، قالت الحقوقية خديجة الرياضي الكاتب العامة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والعضوة في هيئة همم إن هذه الأخيرة وقفت على مجموعة من الحالات موثقة بالأسماء والأحكام، والوضعية القانونية لكل معني.
وأشارت الرياضي، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، إن الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين قدمت عدداً من التوصيات، من بينها “ما يحمل البرلمان المغربي مسؤوليته في هذا الملف، استناداً إلى ما يمنحه له دستور 2011 من صلاحيات”، خصوصاً في ما يتعلق بالعفو الشامل عن المعتقلين السياسيين، مشددة على أن ذلك من المفترض أن يكون بمبادرة من البرلمان.
وطالبت الهيئة، في نداء موجه إلى الفرق والمجموعة النيابية بمجلسي النواب والمستشارين، بالتقدم بمقترحات قوانين من أجل تعديل قانون الصحافة والنشر والقانون الجنائي، ورفض تجريم الآراء المعبر عنها بخصوص انتقاد السلطات العمومية وأصحاب القرار سواء بالمنابر الإعلامية الورقية والإلكترونية أو وسائط التواصل الاجتماعي “صوناً للحق في حرية والتعبير”.
كما دعت إلى التنسيق من أجل مبادرة برلمانية للتقدم بمقترح قانون طبقاً لمقتضيات الفصل 71 من الدستور المغربي الذي ينص على حق البرلمان في التشريع في عدد من الميادين “من بينها إصدار قانون “العفو العام”، من أجل إصدار عفو شامل على كافة معتقلي الرأي والمعتقلين السياسيين، ومعتقلي حراك الريف”.
وتوضح الرياضي أن التشريع ليس الآلية الوحيدة في هذا المسار، إذ هناك آليات أخرى، مشيرة إلى أن “الأساس هو الاستمرار في الضغط، لأن الضغط هو ما يُفضي فعلاً إلى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين”. وذكرت بحراك 20 فبراير “ومساهمته في فرض الإفراج عن عشرات المعتقلين السياسيين”، وبالتالي فإن الضغط الشعبي “يمكن أن يُحدث الفارق في هذا السياق”.
وقال الناشطة الحقوقية إن هيئة همم ليست ائتلافاً حقوقياً، مشيرة إلى أنها عبارة عن مجموعة من الإرادات والمناضلين، تدعو دائماً إلى وحدة الحركة الحقوقية، والعمل المشترك بين كل القوى المناضلة من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان لتوحيد جهودهم وتشكيل ضغط ضروري وكافٍ “يُفضي إلى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين في المغرب”.
وشددت على أن الوضع الحقوقي في المغربي يعرف اليوم “تدهوراً متصاعداً ومقلقًا في القمع، وتصعيداً خطيراً في المتابعات والاعتقالات، حيث ارتفع عدد المعتقلين والمتابَعين، إلى جانب تزايد حالات التخويف والترهيب ضد المواطنين بشكل كبير”.
وضمت الحالات التي رصدتها الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين في تقريرها هذه السنة، عدداً من الصحافيين والمدونيين إذ “عرف منسوب المتابعات والاعتقالات ضدهم منذ 29 ماي من السنة الماضية ارتفاعاً”، ومن بين هذه الحالات حميد المهداوي مدير نشر موقع “بديل”، الذي وصل عدد الشكايات بحقه من طرف وزير العدل إلى خمس شكايات، فضلاً عن تعرضه لعقوبات تأديبية وصلت إلى حد سحب بطاقته المهنية.
كما سجلت الهيئة حالة الصحافية حنان باكور مديرة نشر صحيفة “صوت المغرب” التي كانت متابعة في قضية رفعها ضدها حزب التجمع الوطني للأحرار في شخص رئيسه عزيز أخنوش، بالإضافة إلى حالة هشام العمران مدير نشر موقع “أشكاين” الذي نال حكماً بالبراءة بعد تنازل المشتكي وزير العدل، وياسين زروال مدير موقع “العرائش أنفو” الذي نال البراءة أيضاً بعد تنازل البرلماني عن التجمع الوطني للأحرار محمد السيمو.
هذا بالإضافة إلى الصحافية لبنى الفلاح مديرة نشر جريدة “الحياة اليومية”، التي تمت محاكمتها مع زميل لها بسبب شكايتين قدمتا على التوالي، من طرف الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة وأحد الموظفين العاملين في نفس المؤسسة، فضلاً عن متابعة الصحافية في مدينة العيون محمد اليوسفي.
أما بخصوص حالات المشاركة في الاحتجاجات السلمية، فقالت الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين إنها وثقت عدداً من حالات الاعتقال والمحاكمات المربتطة بالاعتداء على هذا الحق، رغم أن الحق في التظاهر والاحتجاج السلمي مكفول دستورياً من خلال الفصل 29 الذي ينص على “أن ّحريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة…”، ورغم الالتزامات الدولية المغربية بعد المصادقة على العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية باحترام هذا الحق كما ورد في نص المادة 21 من العهد، الذي ينص على أن “الحق في التجمع السلمي معترف به. ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي…”.
ومن بينم الحالات التي توثقها همم، اعتقال الناشط شعيد أيت مهدي رئيس تنسيقية متضرري الزلزال، واستمرار اعتقال معتقلي حراك الريف ناصر الزفزافي ونبيل أحمجيق، وسمير إغيد، ومحمد حاكي، وزكريا أضهشور، ومحمد جلول، إلى جانب الناشط في حراك طاطا مولاي الحسن الجعفري، النشاط سعيد أوفريد.
كما رصدت الهبئة المغربية اعتقال ومتابعة عدد من مناهضي التطبيع، من بينهم حالة 13 ناشطاً في الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع كانوا متابعين في سلا، والناشطين محمد الكشكاش ومصطفى بنتيفور في مدينة اليوسفية، وإسماعيل الغزاوي الذي كان متابعاً في الدار البيضاء، فضلاً عن المعتقل رضوان القسطيط في طنجة، والمعتقل محمد بوستاتي في مدينة خريبكة.
هذا ووقفت الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين على حالات تتعلق بانتقاج السلطات العمومية، ذكرت من بينها النقيب محمد زيان، والناشط السياسي بوبكر الونخاري، والرئيس السابق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان عزيز غالي، والمستشار الجماعي بالرباط فاروق المهداوي، والمنسق الوطني للهيئة فؤاد عبد المومني، إلى جانب المؤرخ المعطي منجب، وعضو الهيئة حسن بناجح، والناشط في مدينة آسفي عبد الفتاح الهوفي.
وتعتبر همم أن تصاعد وتيرة المتابعات والاعتقالات المرتبطة بحرية الرأي والتعبير، والحق في التظاهر والاحتجاج السلمي “مرتبطة بشكل كبير بضيق صدر السلطات عن تقبل الانتقاد للسياسات العمومية المتبعة”، وخاصة منها التي لها ارتباط بقضايا الحريات وحقوق الإنسان.
وتشير همم إلى أنه “يتم توظيف القضاء في تصفية الحسابات مع كل الأصوات الممانعة والمعارضة لهذه السياسات من صحافيين ومدونين ومواطنين احتجوا سلمياً مناصرة للقضايا العادلة، أو دفاعاً عن حقوقهم السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المشروعة”.
ودعت الهيئة المغربية للمعتقلين السياسيين إلى “احترام التزاماتها الدولية، وعلى رأسها العدهان الدوليان الخاصان بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية”. وفي هذا الصدد دعت الحكومة المغربية ضمن توصياتها إلى “التقيد بالالتزامات المعلن عنها سواء خلال مناقشة تقارير الاستعراض الدوري الشامل أو عند افتحاص الآليات الأممية لمدى التزام المغرب بمضامين المعاهدات والصكوك المصادق عليها، والتفاعل الإيجابي مع آراء وتوصيات المساطر الخاصة”.
كما شددت على ضرورة “توقف الوزراء عن تقديم الشكاوى ضد الصحافيين والمواطنين الذين يعبرون عن آراءهم ووجهات نظرهم بخصوص السياسات العمومية المتبعة وخاصة المرتبطة بها بقضايا حقوق الإنسان”، وهو ما ذهبت إليه بحسب الهيئة “اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة الأمم المتحدة في تعليقها العام رقم 34″، والذي يؤكد على أنه “ينبغي للدول الأطراف ألا تحظر انتقاد المؤسسات، مثل الجيش أو الإدارة”.
وطالبت الهيئة بالوقف الفوري لكافة المتابعات ذات الطابع السياسي، والإفراج عن جميع معتقلي الرأي، فضلاً عن مراجعة النصوص القانونية والممارسات العملية، مع الكف عن كل ما من شأنه تجريم التعبير السلمي عن الرأي.
ودعت إلى إطلاق إصلاح شامل للمنظومة القضائية يضمن استقلاليتها، وشفافيتها، واحترامها الكامل للحقوق والحريات الأساسي، موجهة للفاعلين الحقوقيينوالمؤسسات الوطنية والدولية، والمنظمات المهنية وكل الغيورين على مستقبل الحريات في المغرب، “للعمل سوياً من أجل وضع حد لهذا الوضع المتأزم، والانتصار لقيم الكرامة والحرية والعدالة”.