خبير: التفاوت في الدعم بين الفلاحة الكبرى والصغرى يكشف عن اختلالات خطيرة

نبه خبراء إلى المكانة الهامة التي تحتلها الفلاحة الصغرى والمتوسطة في المغرب، ودورها الحيوي في ضمان الأمن الغذائي والاستدامة الاقتصادية للقطاع، مشددين على ضرورة إعادة النظر في السياسات الفلاحية المتبعة بالمغرب، وذلك على ضوء المعطيات الأخيرة التي كشف عنها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والتي أظهرت تفاوتًا كبيرًا في تخصيص الاستثمارات بين الفلاحة الكبرى والصغرى، إذ تم تخصيص 99 مليار درهم للفلاحة الكبرى مقابل 14,5 مليار درهم فقط للفلاحة العائلية الصغيرة والمتوسطة.
في هذا السياق، قال الخبير الدولي في الموارد المائية محمد بازة، إن التفاوت الكبير في توزيع الاستثمارات بين الفلاحة الكبرى والفلاحة العائلية الصغيرة والمتوسطة يُعد أحد أهم الإشكالات التي طُرحت في سياق تنفيذ مخطط الجيل الأخضر، إذ أوضح أن تركيز هذا المخطط على دعم الفلاحين الكبار بدعوى الاستثمار والتصدير “غير مقنع”، لأن الفلاحة ليست مجالا اقتصاديا مفتوحا للاستثمار الحر، “بل هي قطاع استراتيجي مرتبط بالأمن الغذائي، والتوازن الاجتماعي، والحفاظ على الحياة في المجال القروي”.
كما أوضح بازة أن الزراعات الفلاحية الصغيرة والمتوسطة تضطلع بأدوار لا يمكن الاستغناء عنها، خاصة في إنتاج بعض المحاصيل الحيوية التي لا يمكن استيرادها، مؤكدا أن هذه الفئة من المزارعين تساهم بشكل أساسي في الحفاظ على الحياة بالمناطق النائية، والجبال، والواحات، وفي مختلف جهات المغرب.
وأكد بازة أن السياسات التي اعتمدها هذا المخطط كانت لها تأثيرات سلبية على مختلف الأصعدة، “بحيث تسببت في تراجع إنتاج بعض المحاصيل الأساسية مثل الزيت والحليب واللحوم”، مما أدى إلى الاعتماد المتزايد على الاستيراد، مشددا على أن هذا التراجع أضر بالأمن الغذائي الوطني، “أصبحت معه البلاد عاجزة عن تلبية حاجياتها الأساسية بنفسها”.
كما أشار بازة، إلى أن مخطط المغرب الأخضر “كرس كذلك اختلالات قانونية واجتماعية خطيرة”، وعلى رأسها “استيلاء بعض المستثمرين على منابع مائية طبيعية، مثل عين السلطان بإيموزار كندر والعين الزرقاء بأرفود، والتي كانت تستخدمها الاستغلاليات الفلاحية الصغيرة والمتوسطة في سقي محاصيلها”.
وتابع أن هذا الاستحواذ أدى إلى تجفيف تلك العيون وتحويل المياه نحو مشاريع فلاحية كبرى موجهة للتصدير أو الري المكثف، وهو ما تسبب في حرمان الفلاحة العائلية من موارد حيوية كانت تمثل شريان حياتها، الأمر الذي أدى إلى إقصائها من دورة الإنتاج ودفع العديد من الأسر القروية نحو الهجرة.
أما بخصوص التأثير البيئي، فقد أشار المتحدث إلى أن الاستغلال المفرط للمياه الجوفية أدى إلى تجفيف العديد من النظم الإيكولوجية، بما في ذلك الأنهار والوديان التي كانت تعتمد على تسربات المياه الجوفية، حيث تسبب الاستنزاف المستمر للموارد المياه في توقف جريان الأنهار، وأضاف أن هذا التحول في استخدام المياه أثر سلبًا على التنوع البيولوجي في المغرب، حيث تم تدمير بيئات طبيعية كانت تحتضن أنواعا متعددة من الكائنات الحية.
وفي هذا السياق، أشار الخبير إلى أن معطيات “خطيرة”، كشفتها دراسة أجرتها جامعة محمد السادس، أظهرت أن المغرب يحتوي على أكثر من 227 ألف صهريج تُستخدم في ري الأراضي الزراعية، يتبخر منها مليار متر مكعب من المياه سنويا، فيما لا تتجاوز التغذية الطبيعية للفرشات المائية ثلاثة مليارات متر مكعب، “ما يفاقم استنزاف المياه الجوفية بشكل خطير”.
وفيما يتعلق بالحلول المقترحة، أشار بازة إلى أن التعليمات الملكية الأخيرة المتعلقة بالمساعدات التي تقدمها الدولة للفلاحين، والتي تضمن إشراف اللجان المحلية على هذه المساعدات تحت مسؤولية السلطات المحلية، هي خطوة صائبة جدًا، مؤكدا أن هذا التوجه سيكون له تأثير إيجابي كبير على دعم جميع فئات الفلاحين واستغلالياتهم الزراعية.
وأضاف المتحدث، أنه يجب إعادة النظر في السياسة الفلاحية من الصفر، مع التركيز على الاستدامة الحقيقية وليس مجرد الشعارات، إذ أوضح أن الاستدامة يجب أن تكون مبنية على أسس علمية، مع تعزيز الأمن الغذائي والسيادة الغذائية للمغرب.
كما شدد على ضرورة مراعاة الأدوار المتعددة التي تلعبها الفلاحة في مختلف فئات الاستغلاليات الزراعية، وتقديم الدعم اللازم لها بناءً على ما تقدمه من خدمات غير مادية أيضًا.
وإلى جانب ذلك، أكد بازة على ضرورة العمل على تقييم نتائج مخطط الأخضر، وذلك من أجل توفير بيانات ومؤشرات دقيقة حول تأثير المخطط على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك المساعدة على قياس مدى فعالية المخطط في تحقيق أهدافه الأساسية.