اليازغي: تعديلات مالية 2026 تعكس مرونة الحكومة في التعامل مع الأندية الرياضية
اعتبر باحثون في السياسات الرياضية أن “إدراج الحكومة لتعديلات مالية خاصة بالقطاع الرياضي ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2026 يعكس تحولا نوعيا في تعامل الدولة مع الرياضة، ليس فقط كمجال ترفيهي، بل كقطاع اقتصادي له خصوصياته وتحدياته، كما يعتبر خطوة جديدة نحو مقاربة أكثر واقعية تهدف إلى مواكبة التحول نحو الاحترافية في تدبير الأندية الرياضية”.
وتضمن مشروع قانون المالية لسنة 2026 مجموعة من التعديلات الموجهة للقطاع الرياضي، أبرزها تسهيل عملية تحول الجمعيات الرياضية إلى شركات دون أداء ضريبة فورية على نقل الأصول، مع احتساب الضريبة فقط عند بيع الأصول لاحقا، كما نص على تعديل مدة الإعفاء من الضريبة على الشركات، لتُحتسب من السنة التي يبدأ فيها النشاط الاقتصادي الفعلي بدلا من تاريخ التأسيس.
وتضمن المشروع أيضا إجراءات تحفيزية للقطاع الخاص، من خلال السماح للشركات بخصم مساهماتها في تمويل الأندية الرياضية من أرباحها الخاضعة للضريبة، في حدود 10% أو سقف 5 ملايين درهم، كما شمل امتيازا ضريبيا للأجور التي تؤديها الشركات الرياضية للرياضيين والمدربين، حيث ستكون 90% من الأجور غير خاضعة للضريبة سنة 2026، لتنخفض تدريجيا إلى 60% بحلول 2029، إضافة إلى إعفاء الشركات الرياضية من الضريبة على القيمة المضافة في أنشطتها.
في هذا الصدد، يرى الباحث والمتخصص في السياسات الرياضية، منصف اليازغي، أن “إدراج الحكومة لموضوع الشركات الرياضية ليس الأول من نوعه، إذ سبق قبل حوالي ثماني سنوات أن تم إدراجه في قوانين مالية سابقة، غير أن تلك التجارب، لم تكن مجدية لأنها تعاملت مع الشركات الرياضية كغيرها من الشركات دون مراعاة خصوصية القطاع وصعوباته المالية”.
وأوضح اليازغي في حديثه لصحيفة “صوت المغرب”، أن “القوانين السابقة منحت إعفاءات ضريبية محددة بخمس سنوات مع نسب اقتطاع تصاعدية، غير أن هذه الصيغة خلقت عدة إشكالات للأندية، ما دفعها إلى مطالبة وزير الشباب والرياضة حينها بتأجيل التطبيق، وهو ما تحقق لاحقا عبر تعديلات جديدة في قانون المالية اللاحق”.
وأشار إلى أن “تلك التجربة أظهرت محدوديتها بسبب الطريقة التي تعاملت بها إدارة الضرائب مع الأندية، خصوصا في ما يتعلق باحتساب الأرباح الناتجة عن الفارق بين القيمة السوقية والحسابية للأصول، وهو ما جعل المشرع، بحسبه، هذه المرة “يدخل في مرحلة أكبر من المرونة لمعالجة هذا الوضع”.
وأضاف اليازغي أن “مشروع قانون المالية لسنة 2026 يعكس، من بين المرات القليلة، تفاعلا حكوميا إيجابيا مع وضع قائم ومع مطالب ميدانية صادرة عن الأندية الرياضية، التي كانت تعتبر المعاملات الجبائية من أكبر العوائق أمام تسييرها المالي السليم”.
كما اعتبر أن “الشركات الرياضية في المغرب مرت بمخاض طويل منذ التنصيص عليها في المادة 15 من قانون التربية البدنية رقم 09-30 سنة 2010، ومع ذلك لم تتشجع الأندية على التحول الفوري، بسبب التخوف من عدم تكافؤ الشروط بين الأندية المحولة إلى شركات وتلك التي ظلت جمعيات”.
وبيّن أن “التحول الفعلي لم يبدأ إلا بعد سنة 2019، عندما فرضت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم عبر رئيسها فوزي لقجع شرط التحول الإجباري للمشاركة في البطولة، وهو ما جعل الأندية تستجيب تدريجيا رغم الصعوبات المالية والتنظيمية التي واجهتها”.
ويرى الباحث ذاته، أن “التفاعل الحكومي الحالي سيمنح الأندية فسحة مالية ويساعدها على التقاط أنفاسها، خصوصا في ظل الأعباء المتزايدة لتدبيرها اليومي”، معتبرا أن “الإعفاءات الجديدة ليست منحة بل تصحيح لوضع معقد كانت الأندية تعانيه منذ سنوات”.
وأشار إلى أن “هذه الخطوة ستسهم في تخفيف الضغط عن الأندية التي تصعد من الهواة إلى الاحتراف، كما ستساعد في خلق مرونة أكبر في عملية الانتقال نحو نموذج احترافي أكثر استقرارا، باعتبار أن التحول إلى شركات رياضية ما يزال في مراحله الأولى”.
وأكد اليازغي أن “هذه التعديلات مهمة جدا، لأنها تمثل تفاعلا مع وضع واقعي يعيشه القطاع الرياضي، وتهدف إلى تثبيت مفهوم الاحتراف بالمغرب أكثر من خلق ثورة احترافية فورية، لأن التحول الحقيقي يتطلب وقتا وتجارب متراكمة.
وشدد على أن الاحتراف في الرياضة المغربية ما يزال في مرحلة انتقالية قد تمتد لعشر سنوات، وأن ما يحدث اليوم يُعدّ محاولة مهمة لتثبيت أسسه عبر الجانبين المالي والتنظيمي، غير أنه أكد في الوقت ذاته أن هذا المسار ما يزال يتطلب مجهودات أكبر، من بينها مراجعة قانون التربية البدنية ليواكب التطورات التي عرفها القطاع بعد مرور أكثر من 15 سنة على صدوره.