ابراهيم دياز.. المغربي الذي خرج من جلباب الإسبان
عندما وصل الفتى سفيان عبد القادر محند، ذو 16 سنة، إلى مدينة مالقا بجنوب إسبانيا قادما من مسقط رأسه مليلية، لم يكن يدري وهو المراهق الذي كان يريد فقط الاستقلال عن أسرته المهاجرة من ضواحي الناظور بالريف المغربي، ويبحث عن إعالة نفسه بالعمل في مطاعم كوستا ديل صول، أن يلتقي بعد أيام قليلة بباتريسيا دياز الفتاة الإسبانية التي تكبره بسنتين، لتكون زوجته ورفيقة عمره وأُمّا لأولاده.
كان على سفيان أن يتحمل مبكرا مسؤوليته كأب، وهو في السابعة عشر من عمره، بعد ولادة ابنه البكر إبراهيم في الثالث من غشت من عام 1999. الفتى الريفي تعلم الكفاح من والدته التي ناضلت من أجله ومن أجل إخوته في مليلية، وحاربت في كل جبهات الحياة لتضمن لعيالها قوت يومهم حتى يبلغوا أشدهم ويصنعوا مستقبلهم بأيديهم.
في البداية كان إبراهيم، ثم تلته أربع بنات: زايرا، وإيدايرا، ودنيا، وإيرينا.. تفرغت أمهم باتريسيا في البيت لتربيتهم فيما واصل سفيان الأب عمله في مهن مختلفة لكي تعيش أسرته حدا أدنى من الظروف المريحة.
سفيان الأب الصغير، أو “سوفي” كما لقبه أصدقاؤه ومعارفه، كانت له اهتمامات وأنشطة أخرى غير العمل، لقد كان لاعب كرة قدم موهوب في صفوف فريق موتاديلو أحد روافد تكوين اللاعبين التابع لنادي مالقا الشهير، لكن إكراهات الحياة دفعت “سوفي” لإيقاف نشاطه الكروي كلاعب، والاتجاه إلى التأطير. يقول لموقع “ميديا باسي سبور”: “بعد تعليق حذائي، بقيت مرتبطا بكرة القدم، وفي عام 2008 قمت بتأسيس مدرسة صغيرة لكرة القدم داخل القاعة، لكن مع مرور الوقت فزنا بالعديد من البطولات على صعيد منطقة أندلوسيا وفي جميع أنحاء العالم”.
عندما بلغ ابنه إبراهيم السادسة من عمره، كانت قد بدأت تظهر عليه موهبة كرة القدم، لتميزه عن أقرانه في المدرسة من حيث مداعبة الكرة بيسراه ومراوغاته وتسديداته. كان أبوه سفيان أول من لاحظ ذلك بحكم عمله التأطيري في الميدان فألحقه مباشرة بالفئات الصغيرة لناديه السابق، مورتاديلو، وبعدها بمدة قصيرة إلى نادي “تيرو بيشون” القريب، ولم يكمل العام حتى كان كشافو نادي مالقا قد وضعوا أيديهم عليهم وضموه إلى أكاديمية الفريق الأندلسي.
مع أكاديمية نادي مالقا، كانت مناسبة التألق في دوري “ناسيونال ألڤين” للناشئين سنة 2010 بمدينة إستيبونا القريبة، هناك لفت أنظار كشافي أندية كبيرة مثل ريال مدريد وبرشلونة، وكان قريبا من الانضمام لأكاديمية النادي الكطالوني عندما اتفق مديرها ألبير بوتج مع والدي إبراهيم على ضمه لـ”لاماسيا”، لكن رئيس نادي مالقا تدخل وحال دون إتمام الانتقال وفضل إبقائه في ناديه مع تحسين شروط عقده.
في الأول من دجنبر من عام 2013، عندما كان عمره بالكاد يصل 14 سنة، جاءه العرض الأهم في حياته الكروية.. الانتقال إلى أكاديمية مانشستر سيتي الإنجليزي العريق مقابل 350 ألف أورو مع بعض البنود في العقد تضمن لمالقا نسبة من صفقة بيعه مستقبلا، انتقال كان تحت رعاية “المهندس” الشيلي مانويل بيليغريني، مدرب السيتي آنذاك، والذي يحتفظ بعلاقات جيدة في مالقا إثر مروره مدربا هناك لفريقها الأول في فترة زاهية.
يتذكر إبراهيم تلك الفترة في حوار مع صحيفة إلموندو: “كنت طفلا عندما وقعت مع نادي مانشستر يونايتد.. كان علي اصطحاب أبي وأمي وإخوتي زايرا وإيدايرا ودنيا إلى إنجلترا، وإيرينا ستولد هناك بعد أشهر.. لا أحد في الأسرة كان يتقن الحديث باللغة الإنجليزية، لكن كرة القدم لا تُفهم باللغات”..
هناك اشتهر الولد باسمه الثنائي “إبراهيم دياز” فقط، عوض “إبراهيم عبد القادر دياز” الذي جاء به من إسبانيا.. يقول إبراهيم عن ذلك: “استشرت مع أبي وأمي في اختياره.. اسم عائلي قصير أفضل، لكن أفضل أن يوضع على قميصي اسم إبراهيم فقط”. شعر المقربون من الطفل أنه كان يريد تكريم أمه أيضا التي ساهمت فيما وصل إليه، وأيضا تكريما لجده من أمه الذي يحبه كثيرا.
في سن 16 كان ابراهيم دياز قد وقع عقده الاحترافي الأول مع مانشستر سيتي.. لعب في فئة الشباب وتألق في دوريات مختلفة، ولعب مع الفريق الأول مباراته الأولى في سن 17 بمناسبة كأس الاتحاد الإنجليزي، ثم كأس رابطة الأبطال الأوربية أمام فاينورد الهولندي، وسجل أول أهدافه ضد نادي فولهام برسم مباريات كأس الإتحاد أيضا.
سنة 2019 لم تكن عيون العجوز فلورينتينو وبيريز ومعاونوه في ريال مدريد ليمر عليهما تألق الولد إبراهيم في إنجلترا وصغر سنه، فكان أن وضعوا في خزينة مانشستر سيتي 17 مليون أورو لضمه، مع 7 ملايين أخرى لصالح الشاب الأندلسي الموهوب.
عاد دياز إلى إسبانيا ولكن هذه المرة إلى الكبير الملكي الذي ليس من السهل أن تجد مكانا بين نجومه في الفريق الأول.. اجتهد ابراهيم كثيرا وتم إشراكه في بعض المباريات خصوصا في كأس الملك، لكن في الأخير تقرر إعارته إلى العملاق الإيطالي الآخر ميلان أس سنة 2020، ليبصم معها على موسم رائع تألق فيها كثيرا وسجل أهدافا حاسمة دفعت إدارة الميلان لطلب تجديد إعارته سنتين إضافيتين مع إمكانية الشراء في نهاية العقد.
لكن إدارة ريال مدريد هذا الموسم، وأمام حاجة المدرب كارلو أنشيلوتي لتعزيز تشكيلته بعناصر جديدة، لم تر أفضل من استعادة لاعبها المتألق، فعاد إبراهيم إلى قلعة الميرنغي بنفس جديد وبشخصية جديدة مكنته مع توالي المباريات من انتزاع مكانته الرسمية في تشكيلة تضم مجموعة من ألمع نجوم العالم حاليا.
خلال مساره الكروي، لم يكن إبراهيم دياز يشعر بانتماء لوطن آخر غير إسبانيا.. هو وطن أمه والوطن الذي ازداد فيه، فكان طبيعيا أن يلبي كل الاستدعاءات التي وجهت إليه للانضمام إلى معسكرات المنتخبات السنية الإسبانية.
لكن نقطة التحول هي عندما استدعاه الناخب الوطني الإسباني لويس ديلافوينتي قبل أشهر إلى معسكر لاروخا فرفض الإلتحاق.. برر ذلك بكونه في مرحلة تفكير لتحديد مستقبله الدولي.. فهم الجميع أن أصولا أخرى لإبراهيم تحركت داخل نفسه وأصبح يفكر فيها جديا.. وتأكد ذلك من خلال اتصال الجامعة الملكية المغربية به للعب في منتخب وليد الرݣراݣي، وزيارته رفقة والديه وإخوته للمغرب ولقائه بمسؤوليه..
أقيمت بعد ذلك الكثير من الإجراءات لتغيير الجنسية الرياضية لابراهيم دياز على مستوى الفيفا.
كثير من المؤشرات تدل على أن ابراهيم دياز تم تأهيله للعب مع المنتخب الوطني المغربي وأنه حسم اختياره المستقبلي.. قبل أسبوعين سألته وسائل الإعلام الإسبانية عن ذلك، فأجاب مبتسما: “أنا الآن في ريال مدريد”.. لقد تهرب بطريقة ظريفة من السؤال الذي يتداوله المغاربة أيضا: ” متى سيلتحق إبراهيم دياز بالمنتخب الوطني؟”.