story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

“أسد” تميمة كأس إفريقيا والكرة «إيتري»: البحث عن متغيبين.

ص ص

لابد أن جل المتابعين لكأس إفريقيا للأمم، التي تحتضنها المملكة منذ 21 دجنبر الماضي، لاحظوا غياب غريب وغير مفهوم لتميمة البطولة، تلك التي كان من المفترض أن تشكل أحد أبرز الوجوه الرمزية والوجدانية للتظاهرة. فـ«أسد»، تميمة الدورة لا نكاد نراه لا في وصلاتنا التلفزية، ولا في الاستديوهات المصنوعة بالذكاء الاصطناعي.

ربما قد يكون اكتفى بالاختباء قرب دكة الاحتياط في الملاعب خوفا من نزلة برد. فقد توارى عن الأنظار في لحظات كان يُنتظر أن يكون فيها حاضرًا بقوة، خلال حفل الافتتاح الرسمي مثلا، حيث اختفى بشكل لافت ومثير للتساؤل دون الحديث عن غياب أي أثر له في الفضاءات العامة والأنشطة الموازية.

الأمر ذاته ينسحب على الكرة الرسمية للبطولة، التي صُممت خصيصًا لهذه المناسبة، وحملت إسمًا ذا حمولة رمزية وثقافية عميقة هو «إيتري» بالأمازيغية، أي «النجم». غير أن هذه الكرة، ومنذ ضربة البداية، تحولت إلى مجرد كرة عادية، مبتذلة بصريًا وإعلاميًا، رغم الجهد الإبداعي الذي بُذل في تصميمها. فلا المعلقون توقفوا عندها، ولا المحللون تناولوها في بلاطوهات الإذاعات والقنوات التلفزية، وكأنها بلا إسم ولا قصة.

فهل نحن أمام سهو فرضته الظروف المناخية الاستثنائية، التي ربما دفعت المنظمين إلى التركيز على تدبير الأولويات اللوجستية والأمنية، على حساب الجوانب الرمزية والتواصلية؟ أم أن الأمر يعكس خللًا أعمق في تنزيل المخطط التواصلي الخاص بالدورة، ربما بسبب تداخل الصلاحيات أو تجاذبات بين المتدخلين المتعددين في تنظيم هذا الحدث القاري وغياب من يملك التفويض للقيام بالمطلوب في اللحظة المناسبة؟

بالعودة إلى أساسيات التسويق والتواصل، يتضح أن تميمة البطولة (Mascotte) ليست عنصرًا تجميليًا لتأثيث الفضاء، بل أداة استراتيجية في التواصل الرياضي. فهي تسهم في تعزيز روح الانتماء، وإثارة انتباه الجماهير نحو هوية رمزية يختارها البلد المنظم ليجسد بها تاريخه وثقافته وقيمه الرياضية. وفي هذا السياق، كان اختيار المغرب لرمز الأسد، أسد الأطلس، اختيارًا ذكيًا لما يحمله من قوة في الذاكرة الجماعية، داخليًا وخارجيًا، ولما يمثله من قيمة رياضية يتشبث بها الجمهور كهوية راسخة.

كما أن التميمة تؤدي دورًا محوريًا في التقرب من الجماهير، خاصة الأطفال والشباب والعائلات، إذ تخلق ألفة بين الطابع الرسمي التنافسي للتظاهرة، وبين بعدها الإنساني والاحتفالي. فضلًا عن ذلك، تشكل التميمة منتجًا تجاريًا بامتياز، قادرًا على تحقيق عائدات مالية مهمة للجنة المنظمة عبر التسويق التجاري (Merchandising)، من دمى وملابس وتذكارات متنوعة.

أما الكرة الرسمية «إيتري»، فلم يكن حظها الترويجي أفضل حالًا من تميمة «الأسد». فإذا كانت أسماء بعض الكرات قد دخلت التاريخ الكروي، مثل «جابولاني» في مونديال جنوب إفريقيا أو «الرحلة» في مونديال قطر، فإن «إيتري» ظل نجمًا لم يسطع إلا لحظة تقديمه، قبل أن يأفل دون أن يلتفت إليه أحد. لم نرَ صحفيًا يوجه سؤالًا للاعب أو مدرب حول رأيه فيها، ولم توضع الكرة في قلب بلاطوهات التحليل، رغم كثرتها، ولم تُنسج حولها أي قصة إعلامية ترافق المباريات.

هنا يطرح السؤال نفسه بإلحاح: أين الخلل؟ من أوكل إليه هذا الدور؟ أم أن لا أحد داخل فريق التواصل تحمل مسؤولية الترويج لهذه الرموز؟ وهل وُضعت أصلًا ورقة تأطيرية اتصالية رهن إشارة الإعلاميين لتعريفهم بالتميمة والكرة؟ وهل كانت هناك خلية يقظة ترصد ما يُقال ويُنشر ويُبث حولهما، وتُقترح تدخلات تصحيحية في الوقت المناسب؟

في كل الأحوال، لا يمكن إلا تسجيل ضعف واضح في استثمار فرص الترويج لرموز رياضية وثقافية كان بإمكانها أن تؤثث أيام «الكان» بشكل أكثر غنى وفاعلية، وأن تمنح الجمهور ذاكرة رياضية مشحونة بدلالات إنسانية وثقافية عميقة. ذاكرة تتجاوز المواضيع المستهلكة، من قبيل البنيات التحتية، والأطباق المغربية، وكرم الضيافة، التي تحولت، مع التكرار، إلى صور نمطية تحاصر أي مجهود إبداعي حقيقي.

فالرهان اليوم لم يعد فقط في تنظيم تظاهرة ناجحة على المستوى اللوجستي، بل في بناء سردية متكاملة، تجعل من كل رمز، مهما بدا بسيطًا، حاملًا لمعنى، وقادرًا على البقاء في الذاكرة الجماعية طويلًا بعد صافرة النهاية.