story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
مجتمع |

بين الفضاء الرقمي والشارع.. باحثون يناقشون هوية “الجيل الجديد” بالمغرب

ص ص

ناقش باحثون وخبراء وصحافيون، في جلسة حوارية، التحولات العميقة التي يعرفها المجتمع المغربي خاصة على مستوى فئة الشباب، في سياق رقمي متسارع، يتقاطع فيه سؤال الهوية مع أزمة الخطاب والثقة والمؤسسات.

كما توقف اللقاء، الذي نظمه منتدى الإعلام والمواطنة، يوم الإثنين 22 دجنبر بالرباط، عند صعوبة فهم شباب “جيل زد”، على خلفغية احتجاجاته الأخيرة، ليس فقط باعتباره فئة عمرية، بل كظاهرة اجتماعية وقيمية جديدة، تُعبّر عن نفسها خارج القنوات التقليدية، وتعيد تعريف الفضاء العمومي، وأشكال الاحتجاج، وأنماط العلاقة مع الدولة.

جيل فقد الثقة

في هذا الصدد، ركز الإعلامي حمزة فضيل على البعد الميداني للاحتجاجات، محذرًا من خطورة المؤشرات التي أفرزتها. وأشار إلى أن أزيد من ألف معتقل ومعتقلة تم توقيفهم على خلفية احتجاجات مرتبطة بجيل زد، فيما يتابَع نظير هذا الرقم في حالة سراح، مستنكراً توقيف حوالي خمسة آلاف شخص في ظرف أربعة أيام، وهو ما اعتبره مؤشرًا مقلقًا.

وأشار فضيل أن إلى وجود تراجع حاد في ثقة شباب “جيل زد” بالمؤسسات، بما فيها البرلمان، داعيًا إلى “دق ناقوس الخطر”. واعتبر أن “جيل زد” ليس كتلة متجانسة، بل يضم فئات متعددة، أغلبها شباب من دون “انتماء أو وعي سياسي”، إضافة شباب مسيّس، وآخرون يحملون قيم هذا الجيل دون أن ينتموا بالضرورة إلى فئته العمرية.

وأكد أن جزءًا مهمًا من الشباب المحتج لا يتحرك بدافع مطالب شخصية، بل بدافع الإحساس بحالة مجتمعية عامة، مشيرًا إلى أنهم “يناضلون من أجل الآخرين”، ويقارنون أوضاعهم بما يشاهدونه في الضفة الأخرى من المتوسط.

وسجل فضيل أن هذا الجيل يتميز بخطاب حاد، وبفقدان شبه تام للثقة في المؤسسات. كما نبه إلى أن مفهوم الفضاء العمومي تغيّر جذريًا، إذ لم تعد الساحات والشوارع وحدها مجال التعبير، بل أصبحت منصات رقمية مثل “ديسكورد” فضاءات مركزية للنقاش والتعبئة.

وأكد على أن الإشكال لا يكمن في عدم فهم الجيل الجديد، بل في عدم فهم السلطة، لافتًا إلى أن هذه الأخيرة تعتمد مقاربة أمنية “تشبه حملات التطهير”، في وقت فاتها قطار التحول الرقمي، على حد تعبيره.

فجوة متنامية

وفي معرض حديثها عن هوية الجيل الرقمي، أشارت كريمة غانم، وهي صحافية وباحثة في التواصل التنموي، إلى أن مقاربة الهوية في العصر الرقمي لم تعد ممكنة بالمرجعيات الكلاسيكية. وأوضحت أن الهوية، التي كانت قبل العصر الرقمي أكثر استقرارًا وارتباطًا بالدين والثقافة والأسرة.

وأبرزت أن المجتمعات الرقمية هي مجتمعات مجزأة، تُنتج هويات رقمية متعددة حسب المنصات والسياقات، إذ يصوغ الأفراد صورًا مختلفة عن ذواتهم. هذا التعدد، بحسب غانم، يخلق فجوة متنامية بين الهوية الرقمية والهوية الواقعية، ويؤدي إلى نوع من الازدواجية أو “الشرخ” في تمثل الذات.

وشددت على أن فهم الجيل الرقمي لا يمكن أن يكون تقنيًا فقط، بل يجب أن ينطلق من مقاربة سوسيولوجية ونفسية، تأخذ بعين الاعتبار تأثير الخوارزميات، وسرعة التعبير، وتغير أنماط التواصل، وما يرافق ذلك من أزمة خطاب بين الأجيال والمؤسسات.

أزمة وساطة

أما إدريس الكراوي، الخبير الاقتصادي والمتخصص في قضايا الحكامة والشباب، فتناول إشكالية الجيل الرقمي من زاوية بنيوية، مرتبطة بإنتاج القيم وعلاقة الشباب بالدولة.

وسجل الكراوي اتساع الهوة بين الدولة والمجتمع، وبين الأجيال داخل المجتمع نفسه، إضافة إلى قطيعة متزايدة بين الشباب والمؤسسات الوسيطة، كالأحزاب، والنقابات، والمدرسة، والأسرة. واعتبر أن هذه الأزمة في الوساطة تفاقمت بفعل الولوج السريع للمغرب إلى المجتمع الرقمي، دون مواكبة مؤسساتية كافية.

وفي عرضه للمعطيات الرقمية، أشار إدريس الكراوي إلى أن المغرب يحتل مراتب متقدمة إفريقيًا في الولوج إلى الإنترنت، بنسبة استعمال تفوق 90%، ومتقدمًا على عدد من الدول الأوروبية. كما يبلغ عدد مستعملي فيسبوك حوالي 27 مليون مستخدم، ما يضع المغرب في المرتبة 33 عالميًا.

وأضاف أن نسبة امتلاك الهاتف المحمول تفوق 137%، وأن حوالي 74% من الأسر المغربية متصلة بالإنترنت، مع تفاوت بين الوسطين الحضري والقروي. هذه المؤشرات، بحسبه، تجعل الشباب المغربي منخرطًا بشكل شبه كلي في العالم الرقمي، وقريبًا في سلوكياته من شباب الدول المتقدمة.

الحاجة للحوار

ومن جانبها، قدمت الإعلامية فاطمة الإفريقي، مداخلة تفاعلية ركزت على البعد القيمي والثقافي للتحول الرقمي، معتبرة أن النقاش حول الجيل الرقمي لا يمكن فصله عن أزمة أعمق تتعلق بإنتاج القيم وبالعلاقة بين الأجيال.

وأعربت الإفريقي عن تضامنها مع الشباب المعتقلين على خلفية الاحتجاجات، معتبرة أن ما يعيشه “جيل زد” اليوم امتداد لتاريخ طويل من الاحتجاجات الشبابية في المغرب، حيث “كل جيل دفع ثمن مطالبته بالحرية والعدالة الاجتماعية”.

وأكدت أن الإشكال لا يتعلق بجيل بعينه أو بأداة تعبير محددة، بل بطبيعة المقاربة التي تواجه بها السلطة أي تعبير يمس مصالح قائمة، سواء كان ذلك في الشارع أو عبر الفضاءات الرقمية. ودعت إلى تجاوز منطق المقارنة بين الأجيال، وبناء تعاقد اجتماعي جديد قوامه الحوار، والاحترام، والإنصات المتبادل.

وفي حديثها عن الرقمنة، اعتبرت الإفريقي أن المجتمع المغربي لم “يدخل” العصر الرقمي فحسب، بل “تورّط” فيه، في ما وصفته بـ”الورطة الرقمية”، إذ أصبحت التكنولوجيا تمسّ جوهر الإنسانية، وأنماط التفكير، والعلاقات الاجتماعية.

وخلصت إلى أن الجيل الرقمي اليوم يفرض قواعد جديدة للخطاب والتواصل، وعلى المؤسسات، خصوصًا التعليمية والإعلامية، أن تتغير لفهم لغته وشفراته، بدل مطالبته هو بالتكيف وحده.