حقوق البث التلفزيوني لـ” كان المغرب 2025″.. كواليس حرب احتكارية خفية
أنظار القارة الإفريقية تتجه خلال هذه الأيام إلى المغرب، حيث سيشهد انطلاق النسخة 35 لكأس إفريقيا للأمم في الحادي والعشرين من دجنبر الجاري، والحديث عن لوائح المنتخبات والمرشحين للقب وعن المباريات المرتقبة هو السائد لدى وسائل الإعلام والجمهور والمتخصصين التقنيين، لكن خلف هذا المشهد الكروي الإفريقي المتحرك حاليا، هناك أبواب موصدة متعلقة بالدورة، تدور خلفها حرب كبيرة منذ أشهر حول حقوق النقل التلفزيوني وعائداته وصفقاته وعقوده، وصراعاته الإحتكارية للمناطق في القارة، وأيضا احتجاجات بعض البلدان الإفريقية التي ترى ظلما واضحا في توزيع كعكة المنافع من النقل التلفزيوني لأهم منافسة كروية في القارة السمراء.
بداية افتضاح الملف
بدأت أزمة حقوق النقل التلفزيوني للمنافسات الكروية في إفريقيا، مع الوضع الملتبس لشركة New World TV الطوغولية، التي كانت قد وقعت عقدًا حصريًا مع “الكاف” في نونبر 2023 لتغطية 13 بطولة، بما فيها كأس الأمم لدورتي 2023 في الكوت ديفوار و2025 بالمغرب، بقيمة إجمالية تقارب 70 مليون دولار. الشركة كان من المفترض أن تكون الوكيل الحصري لحقوق البث المدفوع والمجاني.
مع مرور الوقت، ظهرت لدى الشركة مشاكل مالية كبيرة، وتراكمت ديونها إلى نحو 34 مليون دولار، إضافة إلى فشلها في بث مباريات رئيسية في تصفيات كأس الأمم 2025. هذا الوضع تسبب لها في عدم الإيفاء بكثير من الإلتزامات، وأظهرت أشكالا كثيرة لخروقات واضحة في عقدها مع الإتحاد الإفريقي لكرة القدم، مما منح الأخير مبررا قانونيا لفسخ العقد من جهة واحدة.
“الكاف” يجد البديل
في السابع من شهر نونبر الأخير، أعلن الإتحاد الإفريقي عن توقيع شراكة مع شبكة “SuperSport” من أجل بث كأس الأمم الإفريقية المغرب 2025 الإعلان تم في جوهانسبرغ بحضور رئيس “الكاف” وبعض المسؤولين الإعلاميين. الخطوة تشير إلى إعادة توزيع حقوق البث بعد إخفاقات الشريك السابق.
الاتفاق يسمح للشركة الفائزة بالصفقة بنقل المباريات عبر منصاتها المختلفة، مع تعليقات بلغات محلية مثل Pidgin وSwahili وisiZulu وSetswana، وتغطية تحليلية مباشرة. الهدف المعلن كان هو ضمان استمرار بث المسابقة ومتابعة المباريات بالكامل، وهو شرط لم يكن متحققًا مع الشركة الطوغولية.
وفي بيان صحفي صدر يوم توقيع العقد، أكد الطرفان أنه “يكتسي أهمية خاصة، كونه يضمن بث المنافسة في مختلف أنحاء إفريقيا جنوب الصحراء، وبعدة لغات، بما يعزز الإشعاع الدولي للبطولة”.
عقد مثير للشكوك
في بداية دجنبر 2025، أعلن الاتحاد الإفريقي لكرة القدم توقيع اتفاق مع القناة البريطانية “Channel 4” يمنحها الحقوق الحصرية لبث جميع مباريات كأس إفريقيا 2025 مجانًا في المملكة المتحدة، وهو أول اتفاق من نوعه يسمح ببث جميع المباريات (52 مباراة) عبر القناة والمنصات الرقمية التابعة لها دون أي اشتراك.
وصف الاتحاد الاتفاق بأنه “تاريخي”، مؤكدًا أن البطولة ستكون متاحة بالكامل للجماهير البريطانية لأول مرة، في خطوة توحي بتوسيع نطاق البطولة على المستوى الدولي. ومع ذلك، لم تُكشف أي تفاصيل مالية عن الصفقة. لا توجد أرقام عن القيمة التي دفعتها القناة مقابل الحقوق، ولا عن المقابل الذي سيحصل عليه الاتحاد الإفريقي، ما يفتح المجال للتساؤلات حول شفافية العملية ومدى ملاءمة التقييم الاقتصادي لهذه الحقوق مقارنة بالصفقات الأخرى في السوق المرتبطة بحقوق النقل التلفزيوني.
غياب المعلومات المالية يثير أسئلة حول هل كانت قيمة العقد متناسبة مع القيمة السوقية لحقوق البطولة في سوق مربح مثل بريطانيا؟ وهل تضمن الاتفاق بنودًا سرية لنقل الحقوق عبر منصات أخرى مستقبلًا؟ وما إذا كان هناك تضارب محتمل في المصالح بين هذه الصفقة وصفقات أخرى لم يتم الإفصاح عنها مع شركاء بث إقليميين أو عالميين؟ كل هذه الشكوك تشير إلى أن الاتفاق ليس مجرد توسعة للبث الدولي للمسابقات الكروية في إفريقيا، بل توجها “فاسدا” جديدا للهيأة الإفريقية، هدفه كالعادة تكريس أوجه الغموض و عدم الشفافية في كل المنظومة المالية المرتبطة بالنشاط الكروي في إفريقيا.
البلدان الفرنكفونية تحتج
يوم 12 من دجنبر الجاري،وجهت المحطات التلفزيونية الوطنية الناطقة بالفرنسية في إفريقيا جنوب الصحراء رسالة رسمية إلى رئيس الاتحاد الإفريقي، باتريس موتسيبي، للاعتراض على شروط منح حقوق بث كأس الأمم الإفريقية 2025. ووصفت القنوات في رسالتها التوزيع الحالي بأنه “غير عادل” و”تمييزي”، مشيرة إلى أنها لم تحصل سوى على حق بث 33 مباراة من أصل 52 مباراة ستقام في البطولة، بينما تستفيد القنوات العامة الناطقة بالإنجليزية ومشغل تلفزيوني مدفوع غير إفريقي من كامل المباريات.
وأكدت المحطات أن هذا التفاوت يضعها في موقف صعب أمام جمهورها وسلطاتها الوطنية، خصوصًا أن كأس الأمم الإفريقية “تُعتبر أكثر من مجرد بطولة رياضية؛ فهي مهرجان قاري ولحظة فخر ووحدة إفريقية، وتمويل المنتخبات والبنى التحتية يأتي من الدول، أي من دافعي الضرائب، ما يجعل متابعة البطولة كاملة على القنوات العامة حقًا شعبيًا مبررًا”.
وأشار التجمع إلى أن الدول الناطقة بالإنجليزية والبرتغالية تحصل على شروط أكثر تفضيلًا، ما يثير تساؤلات حول الهدف من هذه السياسة التي قد تهدف وفقا للتجمع، إلى “خدمة مصالح شريك تلفزيوني محتكر للسوق الإفريقية الناطقة بالفرنسية. وحذر القائمون على هذه القنوات من أن هذا الوضع قد يحرم ملايين المشاهدين، خاصة الفئات الأكثر ضعفًا، من متابعة حدث يعتبرونه جزءًا من تراثهم الرياضي والثقافي.
وطالبت القنوات الاتحاد الإفريقي لكرة القدم بتطبيق معايير أكثر إنصافًا وضمان وصول شعبي متكافئ للبطولة، لتظل كأس الأمم الإفريقية حدثًا “حقًا إفريقيًا، شعبيًا، ومتاحة بالكامل للجميع”. وتسعى هذه المبادرة إلى فتح حوار مع الاتحاد لإيجاد حل عادل ومتوازن يتيح لجميع سكان القارة متابعة المنافسة الأبرز في كرة القدم الإفريقية دون تمييز أو استثناء.
خريطة احتكار “الحيتان الكبيرة”
على بعد أيام قليلة على انطلاق “كان المغرب 2025” توضحت اللائحة النهائية للقنوات التي استطاعت أن تأخذ حصتها من احتكار البث التلفزيوني للمسابقة، حيث يظهر أنه في أيدي عدد محدود من الشبكات العالمية والإقليمية الكبرى، وتشمل SuperSport في أغلب دول إفريقيا جنوب الصحراء، وbeIN Sports لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وChannel 4 في المملكة المتحدة، إلى جانب قنوات أوروبية مثل Ziggo Sport، Max Sport، Sportdigital، وSportitalia، التي تبث البطولة في أسواقها المحلية.
ويشمل هذا الإحتكار ليس فقط بث المباريات، بل يمتد ليشمل اللقطات التحليلية للمباريات والمواد التكميلية والاستوديوهات التحضيرية، الشيء الذي يضع القنوات الوطنيةالعمومية في القارة في موقف محرج أمام مشاهديها، بسبب عجزها عن مجاراة “الحيتان الكبيرة” التي تستثمر أموالا ضخمة للفوز بصفقات الإحتكار، وتضمن لنفسها بثًا واسعًا وتقنيات إنتاج متطورة.