ضيوف “من الرباط”: قطاع الإعلام يمر بمنعطف يستدعي مراجعة علاقته بالدولة
يرى ضيوف برنامج “من الرباط”، الذي يُبث على منصات صحيفة “صوت المغرب”، أن قطاع الصحافة والإعلام في المغرب يمر بـ”منعطف حساس”، يستدعي وقفة جادة لمراجعة دوره، ومستقبله، وعلاقته بالدولة، مع التأكيد على أن الإعلام لم يعد مجرد أداة نقل أخبار، و إنما أصبح فضاء صراعيا حول الهوية، والانتماء، والمعنى.
وأكد المتحدثون أن تدخل الدولة في الصحافة يحتاج إلى” إعادة تحديد استراتيجية واضحة”، بما يضمن قدرة الإعلام على ممارسة دوره بحرية، وفي نفس الوقت الحفاظ على دوره في الفضاء العام كمصدر للتأثير والمراقبة والمساءلة.
و في هذا الصدد، قال الإعلامي والكاتب عبد الله الترابي، إن الدولة يجب أن تقرر في يوم من الأيام “ماذا تريد من الإعلام وماذا تريد أن تفعل به”، مشيرا إلى أن قطاع الصحافة أصبح يُنظر إليه غالبا كـ”أداة هامشية و يتم تفعيله فقط في وقت الأزمات”.
وأضاف الترابي أن الأحداث الأخيرة، مثل احتجاجات” جيل زد”، كشفت أهمية الصحافة ودورها في “إبراز النقاش والحوار”، مؤكدا أن الدولة بحاجة اليوم إلى تحديد موقع الإعلام ضمن استراتيجيتها الكبرى، خصوصا في سياق “حرب عالمية حول المعنى”، حيث تصنع القوى الكبرى المضمون الذي يوجّه العقول والقلوب.
وأوضح الترابي أن هناك تيارات متصارعة داخل الدولة حول مستقبل الصحافة، ولا يوجد حتى الآن عقل مهيمن يوجّه القطاع نحو رؤية استراتيجية واضحة، وهو ما يظهر جليا في التسريبات الأخيرة التي أضعفت التوجه نحو شفافية أكبر وانفتاح أكثر.
من جانبه، ركّز الصحافي مصطفى ابن الراضي على التحديات العملية التي تواجه الصحافة، من محاولات “التدجين” عبر آليات العقاب والمكافأة، إلى محاولة “تطهير القطاع من الصحفيين الذين يلتزمون بأخلاقيات المهنة”، مشيرا إلى أن “هناك من يعاقب ويكافأ في نفس الوقت، وتوجد جهة مهيمنة تفرض نمطا معينا على المهنة”.
وأشار ابن الراضي إلى أن هذه العقلية تحاول وضع جميع الصحفيين في “طابور واحد”، مع تعبير موحد وزوايا معالجة متشابهة، ما يقلل من استقلالية التحليل والتغطية.
كما تطرق ابن الراضي إلى “سلسلة الاعتقالات التي طالت صحافيين”، مشيرا إلى أن هذا خلق “جوا غير مريح، وطرح تساؤلات حول ما تريده الدولة من الصحافة وكيف تريدها”.
وأضاف أن هناك “عقلية تفكر في التنميط تحت دعاوى الوطنية والوقوف خلف القضايا الكبرى”، وهو ما يكرس “هيمنة تيار واحد على المؤسسات الصحافية، بما في ذلك المجلس الوطني للصحافة”.
وأشار ابن الراضي إلى أن تجربة “التنظيم الذاتي” تعد “من أرقى التجارب في تنظيم قطاع الصحافة”، مؤكدا أن “أي إخفاقات يجب أن تُعزى إلى الأشخاص الذين تولوا المسؤولية خلال الولايات التأسيسية، وليس إلى الجميع”، ومشددا على أن “التنظيم الذاتي مكسب صحافي يجب الحفاظ عليه، كونه السبيل لضمان استقلالية المهنة وحمايتها من التدخلات الإدارية أو السياسية”.
وأكد المتحدث أن “الصحافة المغربية، لكي تبقى مستقلة، يجب أن تعتمد على التنظيم الذاتي الذي يقوم أساسا على الصحفيين والناشرين وممثلي المجتمع، لتكون ملكا للمجتمع، ومحمية من السلطة، وقادرة على ممارسة مهامها بحرية، حتى مع احتمالية الخطأ والتصحيح”.
أما خالد البكاري، الأستاذ الجامعي والناشط الحقوقي فقد أوضح أن الصحافة المغربية مرت بفترات متفاوتة من الحرية والدعم، بدءا من سنوات الجمر والرصاص، حيث كانت الأحزاب والنقابات تدعم الصحفيين وتقوي معارضة قوية، وصولا إلى نهاية التسعينات وبداية الألفية، عندما لعبت الدولة دورا في دعم مساحة معينة من الحريات و انفتاح الصحافة.
وأضاف البكاري أن هذه المرحلة انتهت تدريجيا مع تصاعد خطاب السلطوية، والتبرير القوي للأنظمة غير الديمقراطية في العالم، ما أدى إلى قمع بعض وسائل الإعلام وحقوق الصحافيين.
وأشار إلى أن الدولة اليوم تتحكم في الإشهار والدعم المالي للإعلام، مع وجود “صناديق سوداء” لدعم توجهات معينة، مضيفا أنه “إذا قمنا بتحقيق استقصائي لأرباح المقاولات الإعلامية، سنكتشف أن بعضها يعيش فقط بدعم جهات معينة، وأن هناك تدخلات تحت الطاولة لترسيخ توجهات محددة”.
وحذر البكاري من مشروع إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، مشيرا إلى أن الجمعية المغربية للناشرين قد تصبح المسيطرة على المجلس، “ما يعني أن المواطن سيكون أمام خصم وحكم واحد عند تقديم شكاواه، وأن استقلالية الإعلام ستتضرر بشدة”.
وخلص البكاري بالتأكيد على أن هذا التوجه سيؤدي إلى تعزيز الهيمنة على المشهد الإعلامي، حتى في المجالات المتخصصة مثل الصحافة الرياضية، ما يعكس استراتيجيات السيطرة والتمويل الموجه من السلطة السياسية والاقتصادية.
لمشاهدة الحلقة المرجو الضغط على الرابط هنا