ابن بلا نسب وأم ضحية بلا حماية وسط صمت “المغرب المنسي”
حياة.. معاقة ذهنيا تتعرض لاغتصاب جماعي منذ سبع سنوات
بينما يحتفل العالم بالأيام الأممية لمحاربة العنف ضد النساء، التي تمتد من 25 نونبر إلى 10 دجنبر 2025، تعيش الشابة حياة ذات الـ 24 ربيعا عنفا مضاعفا، عنوانه الاغتصاب الجماعي المتكرر نتج عنه حمل في مناسبتين وابن مجهول النسب يبلغ من العمر حاليا ست سنوات، في مقابل غياب عدالة قضائية تعيد الحق لفتاة معاقة ذهنيا تتعرض للاغتصاب بشكل متواصل من طرف ذئاب بشرية تعيش بيننا حرة طليقة، منذ أكثر من سبع سنوات.
لم تنل حياة من نصيب اسمها، سوى الألم المضاعف والمعاناة التي لا حدود لها، تقضيها بمدشر “بويدمومة” في قرية تسمى أغبالة، تبعد بحوالي 80 كيلومترا عن مدينة بني ملال، حيث يتحالف الفقر مع التهميش والإقصاء مع الهشاشة.
تعاني حياة من إعاقة ذهنية رافقتها منذ نعومة أظافرها، تعيش بين أب وأم قضايا حياتهما بين جبال الأطلس المتوسط وعزلتها القاتلة، لم يعرفا من الدنيا سوى صراع مرير مع الفقر والقسوة، لإعالة حياة وأخيها الأصغر الذي لا يقل حاله شقاء وسط تضاريس “المغرب المنسي”.
هذه الظروف الأليمة، جعلت من حياة لقمة سائغة لذئاب بشرية، تفننت في نهش لحمها لسبع سنوات متواصلة، اغتصاب تلو الآخر، والنتيجة حمل في مناسبتين، كانت الأولى سنة 2018، نتج عنه ابن يبلغ عمره حاليا ست سنوات، مجهول النسب، والثانية كانت قبل سبعة أشهر، حيث تقترب حياة من وضع مولودها الثاني الذي لايزال هو الآخر مجهول النسب.
بدأت قصة حياة مع جريمة الاغتصاب سنة 2018، حينما تفاجأت أسرتها بكونها حامل في شهره الخامس، عقب فحص طبي أجرته بأحد مستشفيات المنطقة. “طرقت الأسرة أبواب القضاء الذي أمر بإجراء فحص الحمض النووي بعد وضع المولود لإثبات نسبه وتحديد هوية الجاني، وذلك بعدما اتهمت حياة أحد أبناء القرية الذي نفى الاتهام المنسوب إليه”، يقول ابن عمها لحسن في حديثه مع صحيفة “صوت المغرب”.
غير أن نتائج الفحص جاءت سلبية، كون المتهم ليس هو الأب الحقيقي للمولود، “لأن حياة لم تدلي باسم المجرم الحقيقي خوفا منه، لأن هذا الأخير كان يهددها ويتوعدها بالقتل إن هي أفصحت عن اسمه”، يؤكد الحسن، الذي يعاني هو الآخر من مرض عضال ألمّ به منذ فترة، موضحا أن “حملها الثاني جعلها تتهم أربعة أشخاص تناوبوا على اغتصابها أكثر من مرة، ومن بينهم الشخص الذي لم تكشف عن اسمه في حملها الأول، والذي يفترض أنه الأب الحقيقي لابنها ذي الست سنوات”.
حينما جاءت نتائج الخبرة الطبية سلبية، لم تستطع الأسرة مواصلة المسار القضائي لإنصاف ابنتها، “بسبب الفقر وبعد المسافة من جهة، وتعقد المساطر القضائية من جهة ثانية”، قبل أن يتم طي الملف، دون تحددي هوية الجاني.
يقول ابن عمها الحسن في حديثه لصحيفة “صوت المغرب”، “في ظل هذا الوضع، باشرت الإجراءات الإدارية المطلوبة، من أجل تسجيل اسم الطفل باسم أمه، مادامت الأسرة لم تتوصل إلى هوية والده الحقيقي، كي لا تضيع حقوق الطفل، كما ضاعت حقوق أمه”.
وأضاف، “حينما أشرفت على الانتهاء من المسطرة القانونية لتسجيل الطفل، تفاجأت بكون حياة حامل للمرة الثانية، بنفس الطريقة، دون تحديد هوية الجاني”.
“هذا المستجد المؤلم عمّق من معاناة والديها ومعاناة العائلة ككل، أوقفت على إثر ذلك الإجراءات الإدارية المتعلقة بنسب الطفل الأول، حتى نعرف ماذا سنفعل أمام هذا الوضع الصعب” يوضح المتحدث.
وتابع، “بعد ذلك، تقدمنا بشكاية أمام مصالح الدرك الملكي، لحظتها كشفت حياة عن أسماء أربعة أشخاص من المنطقة تناوبوا على اغتصابها أكثر من مرة، من بينهم المجرم المفترض الذي قد يكون الأب الحقيقي للابن الأول، حسبما أكدته هي (حياة) في أقوالها”.
بعد أخذ أقوال حياة، والاستماع للمتهمين الأربعة، طالبت الأسرة مرة أخرى بإجراء فحص الحمض النووي للمتهمين، قبل أن يتم تقديمهم جميعا أمام أنظار قاضي التحقيق بغرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف في مدينة بني ملال، الذي حدد يوم 28 أكتوبر 2025، تاريخ أول جلسة للنظر في تفاصيل القضية.
تأجلت هذه الجلسة، “بسبب عدم حضور المتهمين”، ليتم تحديد يوم 02 دجنبر 2025، موعدا جديدا لبدء محاكمة المتهمين في هذه القضية.
وعلى إثر ذلك، دخلت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عبر فرعها بمنطقة القصيبة نواحي بني ملال، على الخط، مستنكرة هذا السيناريو المأساوي في غياب ما وصفته بـ “أي مسطرة جدية للبحث والتحقيق لتحديد هوية المعتدين ومتابعتهم قضائياً”.
وعبرت الجمعية، في بيان لها يوم 19 شتنبر 2025، عن إدانتها الشديدة لهذه الجريمة التي تُعتبر شكلاً من أشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي والاستغلال الجنسي للأشخاص في وضعية إعاقة.
وفي هذا الإطار، طالبت الهيئة الحقوقية، السلطات القضائية والأمنية المختصة بفتح تحقيق عاجل، جدي ونزيه، قصد تحديد المسؤولين عن هذا الاعتداء الجنسي الخطير، وضمان متابعتهم قضائياً، بما يكفل عدم إفلاتهم من العقاب.
وحملت (الجمعية)، السلطات مسؤولية “التراخي والإهمال الذي سمح بتكرار نفس الجريمة ضد نفس الضحية”، مبرزة أن هذا الأمر يُشكل انتهاكاً صارخاً لحقوقها الدستورية، وخاصة ما نص عليه الفصل 22 من الدستور المغربي بشأن حماية السلامة الجسدية والمعنوية لكل شخص، والفصل 31 المتعلق بحماية الفئات الهشة وضمان أمنها الاجتماعي.
وقالت الجمعية إنها استندت في ذلك إلى المرجعيات الكونية لحقوق الإنسان، وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 5 والمادة 25)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المادة 10)، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي صادق عليها المغرب سنة 2009، والتي تُلزم الدولة بضمان حماية الأشخاص ذوي الإعاقة من جميع أشكال الاستغلال والعنف والاعتداء.
وعلى هذا الأساس، دعت السلطات العمومية لتحمل كامل مسؤوليتها في حماية النساء والفتيات في وضعية إعاقة من كل أشكال العنف الجنسي، والعمل على اتخاذ تدابير زجرية ووقائية ناجعة للحد من هذه الظاهرة المقلقة، مؤكدة أن الإفلات من العقاب في مثل هذه القضايا يشجع على تكرارها، ويُسهم في تكريس ثقافة العنف والتمييز ضد الفتيات والنساء.
وفي غضون ذلك، عبر فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالقصيبة، عن استعداده لتقديم كل أشكال الدعم والمرافقة والمؤازرة القانونية والحقوقية، من أجل كشف الحقيقة وضمان العدالة للضحية، وحماية حقها في الإنصاف وجبر الضرر.