مطلب حل “مجلس الصحافة”.. صحافيون: صرخة مهنية ودعوة لتصحيح تجربة مشوَّهة
يتواصل النقاش داخل الوسط الإعلامي حول مستقبل المجلس الوطني للصحافة المنتهية ولايته، على خلفية تسريب لقطات مصوّرة من اجتماع للجنة الأخلاقيات التابعة للجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، والتي أثارت غضباً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية والشعبية.
ويرفع صحافيون، على إثر ذلك، مطلب حلّ المجلس الوطني للصحافة، وهو مطلب عبّر عنه أكثر من 230 صحافياً وصحافية بتوقيعهم على عريضة واسعة، قبل التأكيد عليه خلال وقفة احتجاجية أمام وزارة الاتصال، التي وصف مسؤولها المهدي بنسعيد مطلب الصحافيين بأنه “غير واقعي”.
في هذا الصدد، يعتبر فاعلون إعلاميون أن مطالب حل المجلس الوطني للصحافة “ليست صعبة وعدمية كما وصفها الوزير”، بل تعبيراً عن حاجة مُلحّة لإعادة بناء تنظيم مهني ديمقراطي. إذ يشدد محمد المساوي على أن مطلب الصحافيين بحل المجلس “ليس نزوة ولا تهوراً”، فيما يرى إسماعيل عزام أن تجربة المجلس الوطني للصحافة في المغرب “وُلِدت مشوّهة” منذ بدايتها.
دعوة لتصحيح تجربة
وقال الصحافي المغربي المقيم في ألمانيا، إسماعيل عزام: “إن كان الوزير يعتقد أن المطالبة بحل المجلس الوطني للصحافة أمر عدمي، فهو مخطئ في هذا السياق، خصوصاً عندما يساوي بين المجلس وبين الأحزاب ومؤسسات البرلمان وغيرها من المؤسسات التي تحتاجها الدولة للمضي في العمليات الديمقراطية”.
ويعتبر عزام، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، أن وصف الوزير المهدي بنسعيد للمحتجين بالعدميين هو “كلام غير مسؤول”، مؤكداً أن الصحافيين عندما يحتجون “لا يكون الأمر بدوافع سياسية”، كما أنهم “لا يمثلون طيفاً سياسياً راديكالياً من هذا الجانب أو ذاك”.
ونبّه المتحدث ذاته إلى أن نموذج المجلس الوطني للصحافة “ليس موحداً عالمياً بالشكل نفسه”، موضحاً أن غالبية مجالس الصحافة أو الهيئات المماثلة في أوروبا لا تمنح البطاقات المهنية كما هو الحال في المغرب، “وإنما تكون مقتصرة غالباً على إدارة الشكاوى المتعلقة بالعمل الصحفي وتقديم توصيات خاصة بأخلاقيات المهنة”.
واستشهد عزام بالنموذج المطبق في ألمانيا، حيث يقيم، وبالنماذج المعمول بها في عدد من دول شمال أوروبا، حيث تُمنح بطاقات الصحافة من طرف النقابات وفق شروط واضحة وشفافة ونزيهة، دون تدخل أي قرار سياسي في ذلك.
وعندما يتحدث وزير الشباب والثقافة والاتصال عن كون المجلس الوطني للصحافة قد تمكن من تطوير النقاش المهني في المغرب، فإنه “يمرر مغالطة يحاول من خلالها إيهام الرأي العام”، كما يرى عزام معتبراً أن الواقع هو “أنه منذ إنشاء هذا المجلس وحرية الصحافة في المغرب في تراجع كبير، لدرجة أن الوضع الصحافي حالياً أسوأ مما كان عليه عندما كانت وزارة الاتصال هي التي تمنح بطاقات الصحافة”.
ولا يختلف عزام مع القول بأن وجود مجلس وطني للصحافة يمارس نوعاً من التنظيم الذاتي للمهنة “يبقى مكسباً محموداً”، مبرزاً أن الجسم الصحافي في حاجة إلى تنظيم ذاتي بعيداً عن الفاعل السياسي. ومع ذلك، فإن التجربة في المغرب – بحسب رأيه – “وُلِدت مشوّهة، وسيطر عليها عدد ممن حوّلوا الإعلام إلى مصدر للريع، كما أضحت الحسابات والإقصاء يطولان عدداً من الصحافيين بمبررات غير مهنية”.
ويؤكد عزام أن الصحافيين الذين يطالبون بحل المجلس حالياً “لا يهدفون إلى العودة إلى وزارة الاتصال ولا إلى أي جهة حكومية أخرى”، بل يطالبون بفتح نقاش جديد على أسس ديمقراطية ونزيهة من أجل “خلق مؤسسة فاعلة تنظّم المهنة بشكل واضح، بعيداً عمّا برز خلال السنوات السبع الأخيرة”.
صرخة مهنية
ويدوره، استنكر الصحافي المستقل والإذاعي محمد المساوي بقاء المجلس الوطني للصحافة، معتبراً أن المطلب الذي وصفه الوزير المهدي بنسعيد بأنه “غير واقعي” هو في الحقيقة “الحل الوحيد الممكن”.
وقال المساوي، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب” إن “غير الواقعي هو أن يستمر وضع شاذّ لا مثال له في أي تجربة ديمقراطية محترمة”، مؤكداً أن الصحافيين “لا يطالبون بالمستحيل، بل بما كان يجب أن يكون بديهياً: مجلس شرعي، منتخب، خاضع للمحاسبة، ومعبّر عن الجسم المهني”.
وذكر المساوي أن وصف مطلب أكثر من 230 صحافياً بحل المجلس بأنه “عدمي وغير واقعي” ينطوي على مغالطة، مشيراً إلى أن “العدمية الحقيقية هي في الإصرار على الإبقاء على مجلس منتهية ولايته، لا يستند إلى شرعية انتخابية، ولا يعكس الإرادة المهنية الحقيقية للجسم الصحافي، ويقف خارج أي منطق ديمقراطي في التمثيل”.
وأضاف أن هذا المطلب “ليس نزوة ولا اندفاعاً ولا تهوراً”، بل “صرخة وعي مهني جاءت بعد سلسلة من الاختلالات البنيوية” أبرزها التمديد خارج القانون، وتسريب وثائق من لجنة الأخلاقيات تُظهر “سقوط الحد الأدنى من الحياد”، وتحول بعض الأجهزة إلى “ذراع رقابية بدل أن تكون أداة لتنظيم المهنة ورفع شروطها”.
وتساءل المتحدث: “إذا كان الوزير يعتبر أن الدعوة إلى حل هذا المجلس عدمية، فهل الديمقراطية عدمية؟ هل احترام آجال الولايات عدمية؟ هل الاحتكام إلى صناديق الاقتراع عدمية؟”، معتبراً أن العدمية الحقيقية هي التشبّث بمؤسسة “مترهّلة فقدت شرعيتها ووظيفتها”.
وقال المساوي إلى أن “الواقع هو يصرخ اليوم في وجه الجميع”، من خلال استمرار “مجلس بلا شرعية أو انتخابات أو مصداقية، وبلا ثقة المهنيين”، مشدداً على أن المطلوب هو “إعادة السلطة إلى من يستحقها: الصحافيون أنفسهم”، عبر العودة إلى صناديق الاقتراع وبناء مؤسسات تمثيلية حقيقية “تحرر العمل الصحافي من الوصاية والبيروقراطية العقيمة”.
إصلاح ديمقراطي
وتظاهر العشرات من الصحافيين، مساء الجمعة 28 نونبر 2025، أمام وزارة الشباب والثقافة والتواصل بالرباط، مطالبين بحل المجلس الوطني للصحافة، وسحب مشروع القانون 26.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، ووقف ما وصفوها بالممارسات الخطيرة والمنهجية التي تستهدف الممارسة الصحافية.
ورفع المتطاهرون الذين وضعوا على أفواههم أشرطة حمراء للتعبير عن التضييق الذي يطال الصحافة بالمغرب، لافتات كٌتب على بعضها: “حل المجلس الآن اسحبوا 25.26″، و”لا لتكميم الأفواه. نعم لصحافة حرة مستقلة”.
وشهدت الوقفة الاحتجاجية الصامتة، التي دعت إليها لجنة “بيان من أجل حل المجلس الوطني للصحافة”، حضوراً صحافياً كبيراً، إلى جانب ممثلين عن هيئات مهنية مثل الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، والنقابة الوطنية للصحافة المغربية، ومجموعة من هيئات المحامين بينها هيئة الرباط.
وقد جاءت الوقفة في سياق حراك مهني تصاعد بعد تسريب لقطات مصورة من اجتماع للجنة الأخلاقيات، تظهر رئيس اللجنة وعضوين فيها أثناء جلسة تأديبية للصحافي حميد المهداوي، وهم يتحدثون بألفاظ “غير أخلاقية” ضده وعدد من المحامين الذين ينوبون عنه، فضلاً عن عبارات اعتبرت سعياً للتدخّل في القضاء والإجهاز على الصحافي موضوع جلسة التأديب بعيداً عن الحياد والموضوعية في معالجة مثل هذه القضايا.
وطالب المتظاهرون، في البيان الختامي للوقفة، بإنهاء ما وصفوه بـ”الوضع الشاذ” للمجلس الوطني للصحافة، عبر حلّه فوراً ووقف “كل محاولات إحياء ولاية منتهية أو تنصيب هيئات بلا شرعية مهنية”، وإطلاق مسار وطني ديمقراطي لإصلاح قطاع الصحافة، يقوم على التشاور المباشر مع الصحافيين، “وليس مع مُنتدَبين أو مُعيَّنين بقرارات إدارية أو حسابات سياسية”.
كما دعا الصحافيون إلى وضع حدّ لتدخل الجهاز التنفيذي في تنظيم المهنة، ووقف سياسة التعيين المباشر داخل مؤسسات “يُفترض أن تكون مستقلة عن السلطة التنفيذية”، إلى جانب حماية حرية الصحافة من آليات الضغط والترهيب، ووقف توظيف المساطر التأديبية والمالية والقضائية لتطويع الصحافيين أو معاقبتهم على آرائهم وخياراتهم المهنية.
وشددوا على ضرورة ضمان تمثيل مهني حرّ ومستقل للصحافيين داخل أي هيئة تنظّم القطاع، عبر انتخابات ديمقراطية تحترم استقلال المهنة وتقطع مع التعيين وتدخلات الأجهزة التنفيذية، مطالبين بسحب مشروع القانون 26.25.