“بسبب تحرش مهني”.. القضاء الإسباني يدين القنصلية المغربية بلاس بالماس
قضت محكمة إسبانية في لاس بالماس بإلزام القنصلية المغربية بدفع 20 ألف يورو (حوالي 200 ألف درم) لموظف إداري “تعرّض للتحرش المعنوي”، وذلك بعد اتهامه لها بممارسة معاملة مهينة وضغط نفسي متواصل من القنصل فتيحة الكموري، وفق ما نقلته وسائل إعلام إسبانية.
وأصدرت المحكمة الاجتماعية رقم 9 في لاس بالماس بجزر الكناري حكماً يأمر القنصلية المغربية بـ“وقف التحرش المهني” ضد الموظف، ودفع تعويض قدره 20 ألف يورو، معتبرة أنه ثبت تعرّضه لـ“معاملة مهينة” من طرف المسؤولة الدبلوماسية، تمثّلت في “صراخ مستمر”، و“تهديدات بالفصل” عند كل شكوى، ضمن مناخ يسوده “الاستهداف والخوف والقلق”، وبـ“نية واضحة لا لبس فيها لترهيبه”، تقول ذلت المصادر.
وكان الموظف قد رفض في أبريل من العام الماضي مبلغ 55 ألف يورو، عرضته عليه القنصلية المغربية في جزر الكناري كتعويض مقابل إنهاء عقده، وتفادي الجلسة القضائية المتعلقة بالدعوى التي رفعها بسبب التحرش المهني.
وذكرت المصادر ذاتها أن “المال لم يكن هدفه الأساسي”، بل إثبات الضرر المعنوي الذي “تسببت فيه القنصل الحالية فتيحة الكموري”، التي تشغل منصبها منذ شتنبر 2022. وبعد عام ونصف على رفض العرض، تمكن الموظف من حسم القضية لصالحه.
“احتقار وتحرش”
عمل الموظف كإداري في القنصلية المغربية بجزر الكناري منذ عام 2008. وحتى وصول فتيحة الكموري، كان يتولى مهام الصندوق، وصيانة وتحديث الأرشيفات، واستقبال المواطنين المغاربة. كما كان يلعب دوراً مهماً في القسم الاجتماعي، متعاوناً في تحديد هوية القاصرين غير المصحوبين من الجنسية المغربية، وممثّلاً حلقة وصل مع مراكز الإيواء.
لكن الوضع تغيّر ابتداء من شتنبر 2022، إذ قامت القنصل الجديدة، “بشكل أحادي ومن دون إخطار رسمي أو سبب يبرر ذلك”، بتحويل سائق القنصلية إلى حارس للبوابة، وتكليف الموظف بقيادة سيارتها بشكل متفرغ. “كما منعته من التواصل مع زملائه داخل القنصلية، وأجبرته على البقاء داخل السيارة إلى حين طلبها له”، حسب الوقائع المثبتة في الحكم.
ويورد الحكم أنه “بعد شكاوى الموظف، وافقت القنصل في النهاية على أن ينتظر داخل مقر القنصلية، وقت فراغه، لكن حصراً في الطابق الخامس، حيث لا يوجد زملاؤه، وتحت أوامر صارمة بعدم التواصل معهم”.
كما اعتبرت القاضية أن القنصل كانت تتصل به في “أوقات غير مناسبة” وتطلب منه إحضار طعام من متجر أو مطعم، أو نقل بناتها من أنشطتهن المدرسية أو الترفيهية، وبشكل عام “تنفيذ أي مهمة تراها مناسبة”. وفي المهام التي تتطلب دفعاً، “لم تكن تزوده بأي مال”، ما جعل التكاليف تقع على عاتقه.
وجاء في الحكم أيضاً: “كان الاحتقار كبيراً لدرجة أنه، رغم إبلاغه إياها بأنه يتناول أدوية لا تمكّنه من القيادة، كانت تطلب منه أن يطلب من طبيبه كتابة ’ورقة‘ تثبت قدرته على القيادة أو تغيير الدواء، دون أي احترام لصحته أو الحد الأدنى من شروط العمل بكرامة”.
صدمة نفسية
وفي دجنبر 2024 صدر حكم قضائي ألغى التعديل الذي فرضته القنصل على شروط عمل الموظف، وألزم بإعادته إلى وظيفته الأصلية في استقبال القنصلية بشارع ليون إي كاستيو في العاصمة.
ومع ذلك، عندما عاد إلى العمل في فبراير من هذا العام بعد إجازة مرضية طويلة، تم نقله إلى الطابق الخامس معزولاً ومن دون أي مهام، “مواصلة بذلك التحرش النفسي الذي مارسته القنصل، والذي أدى في النهاية إلى الإجازة الطبية الطويلة”، تقول ذات المصادر.
وقد قدّم الموظف سبعة مقاطع فيديو تُثبت هذا “الفراغ التام من العمل الفعلي”.
وخلص الحكم إلى أن هذا “المناخ العدائي” كان السبب في إصابة الموظف بـ“اضطراب ما بعد الصدمة المركّب”، الذي يتلقى له علاجاً دوائياً ونفسياً. وأكد تقرير نفسي قدمه المدعي أن أعراضه –ومن بينها “استرجاع أحداث صادمة”، و“تجنّب أماكن وأشخاص يذكرونه بالصدمة”، واضطرابات في المزاج– تتوافق مع تجارب حدثت داخل بيئة العمل.
ويوضح التقرير وجود “صلة واضحة” بين الضرر النفسي والتحرش المهني باعتباره “السبب الرئيسي”، مشيراً إلى أن التحرش “تفاقم بشكل كبير” بعد عودة الموظف في فبراير الماضي، مع “مظاهر جديدة” مثل “الرقابة المفرطة (العزل الجسدي والمراقبة)”، و“قطع التواصل مع القنصل وزملائه”، و“غياب شبه تام للمهام”. وقد ساهم ذلك “بشكل حاسم في تعميق واستمرار الضرر”.
وجاء في الحكم: “إن السلوكيات المذكورة بالغة الخطورة لدرجة تجعل من المعقول اعتبار المناخ العدائي سبباً مباشراً للإجازة المرضية، وبالتالي تُعتبر انتهاكاً للحقوق الأساسية، مما يستوجب قبول الدعوى”.
ومن جانب آخر، أفاد المصدر ذاته بأن القنصلية المغربية بلاس بالماس امتنعت عن التعليق على القضية رغم طلبات الاستفسار التي وجهتها الصحافة الإسبانية.
وكان الموظف يطالب بتعويض قدره 30 ألف يورو عن الضرر المعنوي، غير أن المحكمة خفّضته إلى 20 ألف يورو، لأن الدعوى لم تُبيّن بالتفصيل طبيعة الأضرار المحددة.
واعتبرت القاضية أن المبلغ مناسب، نظراً لعدة عوامل، منها الإجازة المرضية الطويلة، واستمرار تعرضه للتحرش بعد عودته، و“العمل الخالي من أي مضمون”.
وما يزال بالإمكان الطعن في هذا الحكم غير النهائي عبر استئناف أمام الغرفة الاجتماعية في المحكمة العليا لجزر الكناري (TSJC).
ليست القضية الأولى
وتجدر الإشارة إلى أن هذه القضية ليست هي الأولى، وفق الوقائع المثبتة في حكم قضائي آخر بات نهائياً منذ أواخر دجنبر من العام الماضي، والذي ألغى أيضاً التغيير الجوهري في شروط العمل الذي فرضته القنصل على موظفة منذ وصولها قبل ثلاث سنوات.
وكانت هذه الموظفة تعمل أيضاً في مهام إدارية داخل القنصلية، من السجل المدني وحتى الاستقبال، قبل أن تنقلها القنصل فتيحة الكموري إلى الطابق الثالث من المبنى، حيث وُضعت “على طاولة فارغة، دون حاسوب، والهاتف مفصول، ومن دون أي لوازم مكتبية، ودون أي مهام”.
وبحسب صحيفة محلية، ما تزال هذه الموظفة “في الظروف نفسها من العزل الجسدي والمراقبة وقطع التواصل مع بقية الزملاء وغياب العمل الفعلي”، رغم أن المحكمة أمرت القنصلية المغربية في مارس الماضي بتنفيذ الحكم (إعادة شروط العمل السابقة) في أجل غير قابل للتمديد مدته عشرة أيام، مع التهديد بفرض غرامة. كما استدعت المحكمة ممثلي المكتب القنصلي في نهاية شتنبر الماضي لتوقيع الغرامة، لكنهم لم يحضروا.