Berrada-Gate
تابعنا منذ تشكيل حكومة-هولدينغ عزيز أخنوش عقب انتخابات 8 شتنبر 2021، العديد من الفضائح والوقائع التي تؤكد خطيئة النشأة، أبرزها استمرار الوضع الاحتكاري والافتراسي في سوق المحروقات الذي تقوده شركة أخنوش، وصفقة تحلية مياه البحر في الدار البيضاء التي فازت بها إحدى شركاته، ثم واقعة “الفراقشية” الشهيرة لكائنات تبتلع الدعم دون أن توصله إلى المواطن… لكننا اليوم أمام أول حالة تنازع للمصالح بصريح النصوص والوثائق القانونية، كما تضمّنها تحقيق “لسان المغرب” لهذا الأسبوع.
الوزير الماسك بمقاليد التربية والتعليم والرياضة، محمد سعد برادة، يخرق بشكل سافر المادة 33 من القانون التنظيمي المتعلّق بأشغال الحكومة، والذي يفرض على الوزراء الانسحاب داخل أجل 60 يوما من أي موقع تدبيري داخل الشركات الخاصة.
والخطير في هذه الحالة، أننا لسنا أمام خرق “صامت” للقانون، أي مجرد وضعية تتنافى مع القانون دون أن تؤدي بالضرورة إلى “تنشيط” هذا التنازع في شكل ممارسة عملية، بل نحن أمام استمرار حضور الوزير ضمن الجهاز المسيّر لشركة خاصة، تملك حصة في رأسمال شركة “فارمابروم” التي تتنافس بانتظام حول الصفقات العمومية، وتحصل على بعضها.
والأنكى من ذلك، أن هذه الصفقات تتم مع قطاع حكومي يشرف عليه عضو آخر في الهيئة القيادية نفسها للحزب السياسي نفسه الذي ينتمي إليه برادة، أي قطاع الصحة الذي يشرف عليه أمين التهراوي.
وأزيدكم من الشعر بيتا: الوزيران معا “تأهلا” لهذه المناصب السياسية بعد مرورهما بشركات رئيس الحكومة الخاصة، أي شركة “أفريقيا غاز” التي اشتغل بها برادة، ومجموعة “أكسال” التي أتى منها التهراوي.
الحكاية التي بدأت بنفي أنصار الحكومة تهمة تنازع المصالح عن برادة على اعتبار أن من يظهر ضمن الأجهزة المسيّرة للشركة التي تحدث عنها النائب البرلماني المعارض عبد الله بوانو، هو شقيق له وليس هو شخصيا؛ انتهت اليوم مع تحقيق “لسان المغرب” بظهور اسم الوزير شخصيا ضمن مسيّري الشركة التي تظهر كشخص معنوي ضمن وثائق “فارمابروم”، وبصفته متصرّفا (administrateur) وكشخص ذاتي.
ظهور اسم الوزير في مستخرج السجل التجاري الذي حصلنا عليه بتاريخ 19 نونبر 2025، بصفة عضو في مجلس إدارة شركة عائلية تساهم في رأسمال شركة تنال صفقات مع الدولة يعني مشاركة في الحكامة والتسيير الإستراتيجي. وهذا يندرج ضمن أجهزة التسيير والإدارة التي تحظرها المادة 33 من القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة (كما ورد في التحقيق).
حالة تضع الدولة كلّها أمام اختبار حقيقي لمدى احترامها لنصوصها ومؤسساتها الدستورية، لكون القوانين التنظيمية تعتبر في الفقه جزءا من الكتلة الدستورية ومكمّلة للوثيقة الأسمى، ولكون التعيين في منصب وزير هو عملية مشتركة بين رئيس الحكومة والملك، وكل إخلال بضوابط هذه المسؤولية السياسية ينعكس بالضرورة على هاتين المؤسستين الحيويتين.
عضوية مجلس إدارة شركة تمنح حقا في التوجيه والرقابة وتلقي المعلومات الجوهرية، والمشاركة في القرارات الإستراتيجية، وهي عناصر تؤسس للتعارض حتى إن كان التنفيذ اليومي لدى مدير عام.
ووجود وزير في مجلس إدارة كيان مساهم في شركة تُبرم صفقات مع قطاع حكومي داخل الحكومة نفسها، ومن الحزب نفسه، يُنشئ مخاطر جدية على مبدأ تكافؤ الفرص وحياد القرار، ويستدعي فصل المصالح فورا، أو وضع الأصول في صندوق أعمى، أو الاستقالة من كل أجهزة التسيير.
ودون أن نلجأ مباشرة إلى النصوص والمواثيق الدولية المرجعية في هذا المجال، ورغم غياب قوانين لزجر تنازع المصالح والاغتناء غير المشروع، وهذا نفسه ذنب ثابت في سجّل الحكومة الحالية؛ فإن بين يدينا نص مشروع قانون حول الوقاية من تنازع المصالح، كانت وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة قد تبنّته بتنسيق مع الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها في عهد رئيسها السابق محمد بشير الراشدي، قبل أن تتمكّن الحكومة من الإطاحة به وإخراجه من المشهد.
هذا النص الذي تم إنتاجه داخل البيئة الدستورية والقانونية والمؤسساتية المغربية، يضع أعضاء الحكومة في صدارة الفئات التي اعتبرها معنية بقانون الوقاية من تنازع المصالح.
وعرّف هذا المشروع الذي أوهمتنا الحكومة الحالية لبعض الوقت بأنها ستسمح بتمريره، قبل أن تشهر أنيابها في وجه الهيئة؛ (عرّف) تضارب المصالح بكونه “كل وضعية تتعارض فيها المصلحة العامة مع مصالح الشخص الخاضع (الوزير)، والتي قد تؤثر على تجرّده وحياده وموضوعيته واستقلاليته، وذلك بمناسبة قيامه بالمسؤوليات والمهام المسندة إليه، والتي قد يحقق منها منفعة أو فائدة له وللغير، أو قد تمكّنه من إلحاق الضرر بالغير”.
بالله عليكم هل هناك كلمة واحدة من هذا التعريف لا تنطبق على حالة وزير يشارك في تدبير شركة تتقدّم “من الباطن” للتنافس على صفقات عمومية يدبّرها موظفون خاضعون لسلطة زميل في الحزب والحكومة وشركات “الباطرون”؟
إن أول ما ينبغي القيام به بعد ظهور وثيقة “النموذج 7” الخاصة بإحدى شركات الوزير برادة، والتي يظهر ضمن لائحة المتصرفين في مجلس إدارتها، هو خطوات واضحة منصوص عليها في التجارب والنصوص المقارنة.
ونكتفي هنا بأولى العقوبات التي نصّ عليه مشروع قانون هذه الحكومة نفسها في حالة وقوع أحد أعضائها في حالة تنازع للمصالح. ونقرأ في المادة 32 من هذا المشروع:
“يعاقب الشخص الخاضع بالإعفاء من المهام والعزل أو فقدان الصفة وفق الشروط المحددة في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، مع المنع من تحمّل أية مسؤولية لمدة 10 سنوات…”.
فهل يبادر أخنوش إلى تقديم طلب للملك بإعفاء برادة؟