مشروع سكني يتحول إلى كابوس قضائي وأسرة السجين تكشف تفاصيل القصة
لم يكن مصطفى بوسنينة، الأستاذ المتقاعد، يتخيّل أن يجد نفسه يوما في قلب واحدة من أعقد قضايا النصب العقاري في الجهة الشرقية للمغرب، وهي القضية التي سلبته سنوات طويلة من حريته وحياته، وذلك بعدما ارتأى تأسيس جمعيتين سكنيتين، “قصد تمكين موظفي التعليم والمنخرطين من امتلاك شقق لائقة وبأسعار مناسبة”، حسبما تقول أسرته.
تروي ابنته إيمان بوسنينة لصحيفة “صوت المغرب” تفاصيل القصة غير المتوقعة التي بدأت فصولها حينما أسس والدها، رفقة معارفه، جمعيتين سكنيتين، الأولى تحت اسم “الجمعية السكنية لموظفي التعليم”، للإشراف على مشروعي السعيدية ورأس الماء، والثانية “الجمعية السكنية الشرق” للإشراف على مشروعي وجدة غار البارود والسعيدية مرزقان.
كانت الفكرة الأساسية لهاتين الجمعيتين، وفقًا لما تقول إيمان بوسنينة، “هي تمكين الأساتذة والمنخرطين من تملك شقق ومنازل بأسعار معقولة وبجودة ممتازة”، موضحة أن والدها أشرف على ثلاثة مشاريع عقارية، الأول منها يوجد في مدينة وجدة، والثاني بمدينة السعيدية، فيما يوجد المشروع الثالث على مستوى مدينة رأس الماء.
بعد تأسيس “الجمعية السكنية لموظفي التعليم”، اشتغل مصطفى بوسنينة مع أحد المقاولين الذي يدعى صلاح الدين المومني على عدد من المشاريع السكنية منذ سنة 2010، دون مشاكل تذكر لمدة سبع سنوات. غير أن مسار الشراكة بين الطرفين سينحو منحى مغايرا، مع إطلاق مشروع السعيدية سنة 2017، حينها بدأت خيوط “النصب المُدبر تنكشف تدريجياً”، تقول إيمان بوسنينة.
وأضافت المتحدثة أن والدها اكتشف أن العقار الذي شيد فوقه المشروع السكني، “سبق للمقاول صلاح الدين المومني أن رهنه لفائدة إحدى المؤسسات البنكية، على خلفية قرض تناهز قيمته 3 ملايير سنتم”، مردفة أن المقاول المذكور “قام ببيع أكثر من 70 شقة سكنية من هذا المشروع، لأشخاص غير منتمين للجمعية السكنية لموظفي التعليم”.
وهكذا تحوّل مصطفى بوسنينة، خلال فترة قصيرة، “من شخص تم النصب عليه وعلى حقوق المنخرطين بالجمعية السالفة الذكر، إلى متهم أدين بالسجن النافذ لمدة 4 سنوات، بينما بقي المقاول المشتكى به طليقًا، دون أي متابعة قضائية”، تؤكد ذات المتحدثة.
هذا الوضع جعل والد إيمان بوسنينة أمام مواجهة مباشرة مع المنخرطين، الذين كانوا ينتظرون استلام منازلهم سنة 2023، وسط استياء شديد بسبب تأخر التسليم، ولا سيما بعد أن رفع المقاول أسعار الشقق من 25 مليون سنتيم قبل البيع إلى 32 مليونًا بطريقة وصفتها العائلة بأنها ” خطة محكمة ومدروسة”.
داخل هذا المشهد المعقد ستطالب أسرة مصطفى بوسنينة بـ”تعميق البحث مع المقاول، وتطبيق القانون بشكل عادل على جميع الأطراف بما يضمن مصالح المنخرطين، مع الإفراج عن رئيس الجمعية (مصطفى بوسنينة)”، مشيرة إلى “أنه الوحيد المخوّل قانونًا لاتخاذ الإجراءات الإدارية والقضائية ضد المقاول ومن معه، وإلزامهم بتنفيذ التزاماتهم تجاه الجمعية والمنخرطين”.
وتشرح المتحدثة في هذا السياق، أن الجمعية التي يرأسها والدها كانت قد أبرمت ثلاثة عقود مع المقاول بخصوص مشروع السعيدية، موضحة أن “العقد الأول تم سنة 2017 همّ 100شقة، والعقد الثاني كان سنة 2018 همّ هو الآخر 100 شقة أخرى، ثم العقد الثالث سنة 2019 ويخص 450 شقة.
وبناءً على هذه الاتفاقيات، تضيف إيمان بوسنينة :”حوَّلت الجمعية حوالي 13 مليار سنتيم إلى الحسابات التي حدّدها المقاول، تماماً كما ينص البند الخامس من العقود، والذي يلزم الجمعية بجمع أموال المستفيدين وتحويلها لصالحه”.
لكن المقاول، كما تقول، “لم يلتزم بأي من هذه الترتيبات”، لافتة إلى أنه بدلاً من بناء المشروع وتسليم الشقق، “قرّر، بسوء نية إعادة بيع 74 شقة لأشخاص من خارج الجمعية، وبأثمان تتراوح بين 35 و45 مليون سنتيم، بينما السعر الأصلي للمنخرطين لم يكن يتجاوز 25 مليوناً”.
وتحكي إيمان أن هذه العمليات تمت عبر “عقود حجز عرفية بدون أي توثيق قانوني”، مضيفة: “لدينا تسجيل صوتي يعترف فيه المقاول صلاح الدين المومني بهذه العمليات ويتحمل كامل المسؤولية”، مشددة على أنه “أقر أمام قاضي التحقيق بأن الصوت صوته، وأن مضمون التسجيل صحيح، لكن الغريب أنه لم يتم عرض هذا التفريغ خلال الجلسة ولم يُقرأ أمام المحكمة”.
وبعد اكتشاف عملية إعادة البيع، قامت الجمعية بحجز تحفظي على حوالي 100 شقة، باعتبار أن توزيع الشقق يدخل ضمن صلاحياتها الحصرية وفق العقود، غير أن الصدمة الكبرى، كما تقول إيمان، “كانت عندما تبين أن الأرض التي أقيم عليها المشروع كان المقاول قد قدمها كضمانة لإحدى المؤسسات البنكية مقابل قرض بقيمة ثلاثة مليارات سنتيم، قبل أن يبيعها للجمعية أصلاً”.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد وفق المتحدثة، “فقد ادّعى المقاول أن المشروع يدخل ضمن برامج السكن الاجتماعي المدعّم، وأنه يتوفر على اتفاقيات رسمية مع وزارة الاقتصاد والمالية ووزارة الإسكان”، لكن الوثيقة التي قدمها للجمعية، تتابع إيمان، “ليست سوى اتفاقية إطار عامة لا علاقة لها بالدعم”.
وبناء على هذه “الحيلة”، طالب المقاول كل منخرط بإضافة سبعة ملايين سنتيم بدعوى عدم إمكانية الحصول على شهادة المطابقة دون تلك الزيادة، وهكذا، تروي إيمان، “استدرج المقاول المنخرطين بسعر 25 مليون سنتيم، قبل أن يجبرهم على أداء زيادات لا أثر لها في العقود المبرمة”.
وهنا تقول إيمان إن والدها تقدّم، عبر دفاعه، بشكاية ضد المقاول صلاح الدين المومني قبل اعتقاله بعشرة أشهر، أي قبل 4 دجنبر 2024، تتضمن اتهامات صريحة بالنصب والاحتيال وخيانة الأمانة وعدم تنفيذ العقد، غير أنّ هذه الشكاية رغم وضوحها وخطورتها تضيف المتحدثة، “ظلت جامدة بلا أي تقدّم، تاركة المنخرطين في انتظار طويل وحيرة أشهُرًا كاملة دون جواب”.
وتتحدث أيضاً عن أحد شركاء المقاول صلاح الدين المومني، يدعى عبد الله الرابحي، موردة أن الجمعية كانت قد حجزت لديه ما بين 35 و57 شقة ضمن عقد عرفي، وأدّت له حوالي مليار وستمائة وسبعة وسبعين مليون سنتيم، في إطار بروتوكول لتقاسم الأرباح بينه وبين المومني.
غير أن المقاول، تقول إيمان، “طالب لاحقاً بتحويل مبلغ ملياري سنتيم إلى حساب الرابحي، مدعياً أنها تعني مشروع رأس الماء، بينما الحقيقة أن تلك الأموال مرتبطة بمشروع السعيدية، قبل أن يتفق الرجلان على إنكار الجمعية وتزوير حقيقة التحويلات بغرض إبعاد الشبهات عنهما ورمي المسؤولية على مكتب الجمعية”.
ومع مرور الوقت، نفد صبر المنخرطين الذين لم يروا أي تقدم في الشكاية الأصلية، وبدأ الشك يتسلل إليهم تجاه الجمعية نفسها، إذ أنهم لم يعرفوا المقاول عن قرب، ولم يتعاملوا إلا مع مكتب الجمعية، والأسوأ أنهم لم يتسلموا شققهم التي كان من المفترض أن تُسلّم سنة 2023، ليدخلوا في نفق من الانتظار، والوعود، والاحتقان.
وفي خضمّ هذه الأجواء المشحونة بالقلق والغضب، تقدمت محامية، كان ابنها قد اقتنى شقة عبر الجمعية بشكاية جنحية ضد والد إيمان وضد المقاول معاً، غير أنّ المفاجأة، كما تقول، هي أن “الشكاية وُجّهت عملياً ضد الأب فقط، بينما جرى التغاضي كلياً عن الطرف الثاني في الملف”.
وفي اليوم نفسه، أي بتاريخ 4 دجنبر 2024، جرى اعتقال والد إيمان، مصطفى بوسنينة، في حين بقي المقاول، “حراً طليقاً بعدما أعاد للمشتكية ثمن الشقة، وهو الثمن نفسه الذي كان قد استخلصه من أموال الجمعية”، وبمجرد أن استرجعت المشتكية مالها، تنازلت عن الشكاية في حقه، “فخرج من الملف كما لو أنه لم يكن طرفاً فيه أصلاً” تروي إيمان بوسنينة.
وبعد ذلك، قررت النيابة العامة ضمّ الشكايات المدنية إلى الشكاية الجنحية، وأضافت إليها شكاية عشرين من المنخرطين، رغم أن الشكاية الجنحية الأصلية كانت تتضمن تنازلاً، وبعد عشرة أشهر كاملة من إيداع الأب شكاياته الأولى ضد المقاول، صدر الحكم الابتدائي ضده.
وهكذا، أصدرت المحكمة الابتدائية بوجدة، يوم 3 مارس 2025، في جلسة علنية، حكماً في حق الأب الذي كان آنذاك في حالة اعتقال، بتهم النصب وخيانة الأمانة والحصول من الجمهور على مبالغ مالية على سبيل الوديعة أو الوكالة بصفته مسيراً، إضافة إلى عدم تنفيذ عقد، طبقا للفصول 540 و547 و551 من القانون الجنائي.
ومع أن المحكمة صرّحت ببراءته من تهمة عدم تنفيذ العقد، فقد أدانته بباقي التهم، وقضت في حقه بأربع سنوات حبسا نافذاً وغرامة قدرها 500 درهم، مع تحميله الصائر و تعويض المطالبين بالحق المدني.
وفي مرحلة الاستئناف، خفضت المحكمة الحكم الصادر في حق مصطفى بوسنينة إلى ثلاث سنوات حبسا نافذا عوض 4 سنوات، وذلك بعد إجراء الخبرة المالية التي كشفت وجود فائض مالي بقيمة ملياري سنتيم بين حسابات المقاول وشريكه، وهو ما يؤكد كما تقول إيمان “وجود تلاعب مالي خطير وواضح”، لافتة إلى أنه “وعلى الرغم من هذه المعطيات، لم تتم تبرئة الأب، بل اقتصر الأمر على تخفيض العقوبة سنة واحدة فقط”.
وتضيف المتحدثة أن المفارقة الصادمة، هي أن والدها حُكم عليه بأربع سنوات أخرى إبتدائيا في شكاية كان هو نفسه من وضعها ضد المقاول، بينما تمت تبرئة المقاول كلياً، والحكم على شريكه عبد الله الرابحي بسنة ونصف حبسا نافذا.
والأسوأ، تقول إيمان بوسنينة، أن “الحكم الصادر في حق والدي لم يُحرر لغاية اليوم رغم مرور سنوات، بينما تروج معلومات تفيد بأن سبب التأخير يعود إلى كون المقاول لديه حكم آخر بسنة موقوفة التنفيذ في ملف لا علاقة له بالجمعية”، مبرزة أن “هذا التأجيل يهدف إلى مرور مدة وقف التنفيذ حتى لا يتحول إلى حكم نافذ إذا صدر حكم جديد في هذا الملف”.
وتخلص إيمان بوسنينة في سرد قصة والدها إلى أن، “كل هذه المعطيات تجعلنا نتساءل: كيف يتحول المشتكي إلى متهم، بينما يغادر المشتكى به الملف دون أية متابعة؟ وكيف يُدان الأب في قضايا تتعلق بتلاعبات مالية ثبتت مسؤولية المقاول وشريكه فيها؟”.
وفي هذا الإطار، تلتمس أسرة بوسنينة بتعميق البحث مع المقاول وشريكه، وتطبيق القانون بشكل عادل ومتساوٍ على جميع الأطراف، بما يضمن حماية حقوق المنخرطين واسترجاع أموالهم أو شققهم باعتبارهم الممولين الفعليين للمشروع.
وقد أثبتت الخبرة المالية القضائية، حسب المصدر ذاته، أن الأموال التي دفعها المنخرطون ما تزال مودعة فعلياً في حسابات المقاول وشريكه، “وهو ما يفرض قانوناً، إما إرجاع الشقق لأصحابها الشرعيين أو إرجاع أموالهم كاملة في حال تعذر التسليم”.
وفي غضون ذلك، تطالب الأسرة ب”تصحيح مسار العدالة في هذا الملف”، ملتمسة الإفراج عن رئيس الجمعية، مصطفى بوسنينة، باعتباره الوحيد المخول له قانوناً اتخاذ الإجراءات الإدارية والقضائية ضد المقاول ومن معه، لإجبارهم على تنفيذ التزاماتهم تجاه الجمعية والمنخرطين، وإنصاف مئات الأسر التي ما تزال تنتظر حقها منذ سنوات.