“تضارب” مصالح ومطالب بلجنة تقصي.. تفاصيل اتهامات صفقة دواء “كلوريد”
فجر رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية في مجلس النواب، عبد الله بووانو، يوم الخميس 13 نونبر 2025 “فضيحة تضارب مصالح” جديدة داخل حكومة عزيز أخنوش، مرتبطة بصفقة في قطاع الأدوية، يقال إن وزير الصحة والحماية الاجتماعية، محمد أمين التهراوي، مررها لوزير آخر داخل الحكومة، وفق ما كشفه النائب البرلماني في مجلس النواب، متهما وزارة الصحة بالتحول إلى “وزارة للصفقات”.
وفي تفاصيل هذه القضية، كشف بووانو خلال المناقشة العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2026، أن وزير الصحة والحماية الاجتماعية، محمد أمين التهراوي، مرر صفقة دواء “كلوريد البوتاسيوم” (KCL)، “عبر وزير آخر يمتلك شركة في مجال المواد الصيدلانية، وذلك بعدما قررت الشركة المنتجة رفع ثمن الدواء بسبب استثماراتها”.
وأضاف أن “الدواء تم استيراده من الصين ووصل إلى المستشفيات، لكن هذه الأخيرة لم تستطع قراءة التعليمات الخاصة بالدواء، كونها مكتوبة باللغة الصينية، لذلك تم سحبه وإعادته”، مشيرا إلى أنه “رغم كل هذه المشاكل، لا يزال الوزير يخطط لمنح الدواء رخصة لطرحه في السوق”.
بلاغ “ليلي”
وفي أول تفاعل لها مع ما ورد على لسان بووانو، سارعت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية في منتصف ليلة الخميس بإصدار بلاغ توضيحي للرأي العام، أكدت فيه أن ما تم تداوله بخصوص منح امتيازات أو احتكارات في استيراد دواء “كلوريد البوتاسيوم” (KCL)، “لا أساس له من الصحة، ويمس بمصداقية المجهودات الوطنية لضمان الأمن الدوائي واستمرارية العلاجات داخل المستشفيات”، لكنها لم تنف بالمقابل استفادة عضو في الحكومة من هذه الصفقة.
وأوضح البلاغ، ردًا على اتهامات بووانو، أن السوق الوطنية عرفت مؤخرا “خصاصًا حادًا”، في إنتاج دواء كلوريد البوتاسيوم الذي يعد من المواد الحيوية والأساسية في أقسام الإنعاش والجراحة والتخذير، وذلك “نتيجة توقف الإنتاج مؤقتًا لدى إحدى الشركات الوطنية التي كانت تُنتج هذه المادة محليًا بسبب أشغال توسيع وتأهيل وحدتها الصناعية”.
ولمواجهة هذه الوضعية، يضيف البلاغ، “تدخلت الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية في إطار مقتضيات القانون 17-04، حيث “تم مواكبة الشركة المعنية لتسريع استئناف إنتاجها الوطني بعد استكمال إجراءات المطابقة والتأهيل ومواكبة شركة مغربية أخرى لتفعيل إنتاجها لنفس المادة من أجل تعزيز العرض المحلي وضمان السيادة الدوائية”.
وفي انتظار عودة الإنتاج الوطني بكامل طاقته، “تم الترخيص مؤقتًا لعدد من الشركات لتوريد هذه المادة الحيوية من الخارج، بصفة استثنائية ووفق شروط صارمة من حيث الجودة والمطابقة، وبشكل مفتوح أمام كل من يستوفي الشروط القانونية والتقنية المطلوبة” يشير المصدر ذاته.
وأكدت الوزارة في بلاغها أن “هذه التراخيص المؤقتة لا تمنح أسبقية في الصفقات العمومية، إذ أن الأولوية في أي طلب عروض تُعطى تلقائيًا للدواء الحاصل على ترخيص، وذلك احترامًا للقانون وتشجيعًا للإنتاج المحلي”.
ومن جانب آخر، شددت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية على أن “اقتناء مادة كلوريد البوتاسيوم من طرف الوزارة لم يتم إلا عبر طلب عروض قانوني وشفاف، فُتح أمام الشركات الوطنية المنتجة، ولم يتم اللجوء إلى أي عملية اقتناء خارج هذا الإطار”.
ولفتت في هذا الإطار، إلى أن “المستشفيات الجامعية، تتمتع باستقلال إداري ومالي، وتُدبّر مشترياتها طبقًا للمساطر القانونية نفسها، بما يضمن النزاهة والشفافية في كل عملية اقتناء”.
وخلصت وزارة الصحة في بلاغها إلى التأكيد على “أن كل قراراتها تُتخذ وفق القانون وبأقصى درجات الشفافية، لضمان استمرار العلاجات وحماية صحة المواطنين، وتُجدد التأكيد على انفتاحها الكامل على كل توضيح يخدم المصلحة العامة ويعزز ثقة المواطن في المنظومة الصحية”.
لجنة لتقصي الحقائق
رئيس المجموعة النيابية العدالة والتنمية، عبد الله بووانو، انتقد بشدة شكل ومضمون هذا البلاغ، معتبرا في تدوينة له الجمعة 14 نونبر، أنه “جاء إنشائيا مليئا بالعموميات التي لا تفيد نفيا ولا توضيحا، بل يستهدف تهريبا للنقاش وتهربا من كشف الحقيقة”، مطالبا في نفس الوقت بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق للكشف عن تفاصيل الموضوع.
وأوضح أن “ما أسمته الوزارة بلاغا صدر في وقت كان فيه البرلمان منهمكًا في دراسة تعديلات مشروع قانون المالية، وأن صدوره ليلا يستبطن تهديدًا وتغليطًا للرأي العام بخصوص فضائح صفقات وزارة الصحة والشبهات التي تحيط بها، في محاولة لإخراس الأصوات والاستدراك الفج على الوظائف والمهام الدستورية للبرلمان وللبرلمانيين”.
وأضاف أن “ما أسمته وزارة الصحة بلاغا واعتبرته ردا على ما أدليت به من معطيات محددة ومضبوطة، لم يبلغ شيئا في الحقيقة، ولم يحمل أي مؤشر ولا معطى حول موضوع تدخلنا، ولم يشرح موضوع التراخيص المؤقتة للاستعمال ATU، التي يلفها الغموض التام”، مشيرا إلى أن “هذه ربما هي المرة الأولى التي يتابع فيها الرأي العام الوطني هذا النوع من التراخيص التي باتت تستعمل بشكل مكثف”.
وأشار المسؤول البرلماني إلى أن “كاتبي بلاغ وزارة الصحة أخطؤوا العنوان بدون شك”، لافتا إلى أنه “من المؤسف أن تتحول الوزارة إلى ناطق باسم لوبيات معروفة، عوض أن تنشغل بتجويد الخدمات العمومية في مجال الصحة والحماية الاجتماعية”، مطالبا من وصفهم بـ “كاتبي البلاغات التي تعمم منسوبة لوزارة الصحة”، بشرح هذا النوع من التراخيص ومساطرها، ونشر لائحة الشركات المستفيدة منها مع أسماء أصحابها لمزيد من الشفافية.
وفي غضون ذلك، شدد عبد الله بووانو على أن “المجموعة النيابية للعدالة والتنمية لن تخيفها بلاغات منتصف الليل، فقط لأننا لا نقوم إلا بواجبنا الرقابي في كشف بعض مظاهر الفساد وبؤره في إطار المقتضيات الدستورية والقانونية”، مطالبا وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بالتأكد “ممن يحاول استغلالها، ومن يدافع عنها في الأغلبية، أو عبر بعض الأصوات والأقلام المأجورة”، ومشددا على أن “الجواب الحقيقي على ما أثرناه بخصوص تراخيص الأدوية واستيرادها، هو لجنة نيابية لتقصي الحقائق”.
برادة في دائرة الاتهام
بعد هذه التصريحات الصادرة عن عبد الله بووانو، وجهت تقارير إعلامية أصابع الاتهام إلى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد سعد برادة، باعتباره الوزير الوحيد في الحكومة الحالية الذي يتوفر على استثمار داخل قطاع الأدوية.
صحيفة “صوت المغرب” حاولت التواصل مع وزارة التربية الوطنية للاستفسار حول طبيعة هذه العلاقة المحتملة للوزير برادة، غير أن الهاتف ظل يرن دون أن يرد، في الوقت الذي أوضح مصدر من وزارة الصحة أن الأخيرة نفت وجود هذه المعطيات أو أي ارتباطات محتملة.
غير أن موقع “لوديسك” الناطق باللغة الفرنسية سبق أن أشار، في تقرير سابق، إلى أن “الوزير برادة كان شريكًا لمحمد بوزوبع، المعروف بصفته رئيس شركة البناء الكبرى TGCC، في الصفقة الجديدة التي صُرّح بها لدى السلطات خلال غشت الماضي، والمرتبطة بشراء شركة “فارماپروم”، وهو مختبر صيدلاني مستقل مملوك لفؤاد بوشتى، صاحب شركة Reacting، اشتراه هو الآخر، من عائلة لعلو سنة 2018”.
ولفت المصدر ذاته إلى أن “الخطوة جاءت في سياق سعي محمد بوزوبع، الذي يحضر بشكل غير مباشر في قطاع الصحة عبر مجموعة “BFO Partners” المتخصصة في تطوير المشاريع العقارية، وشراكاته مع مجموعتي أكديتال وأراداي كابيتال، إلى توسيع نشاطه أكثر والدخول بقوة إلى المجال الصيدلاني”.
كما أوضح أن “هذا الاستثمار يأتي في محاولة لإنقاذ شركة ‘فارماپروم’ التي شهدت تراجعًا حادًا في رقم معاملاتها خلال السنوات الأخيرة، إذ انخفض من 47.6 مليون درهم سنة 2017 إلى 17 مليون درهم فقط سنة 2020”.
وذكر أن “الوزير محمد سعد برادة، أحد مؤسسي شركة الحلويات “ميشوك” (Michoc) وعضو مجلس إدارة (TGCC)، تجمعه بمحمد بوزوبع صداقة قديمة تعود لسنوات الدراسة، واستمرت لاحقًا داخل المجال المهني”.