أحزاب تشرع في عقد اجتماعات لصياغة تصورها حول الحكم الذاتي بالصحراء
شرعت مجموعة من الأحزاب السياسية المغربية في عقد اجتماعات طارئة، بهدف إعداد وصياغة مذكرات تفصيلية تعكس تصوراتها حول تنزيل مقترح الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية للمملكة، وذلك في سياق الحركية السياسية التي أعقبت الاجتماع الذي جمع مستشاري الملك محمد السادس بقادة الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، يوم الاثنين 10 نونبر 2025 بالرباط.
وفي هذا الإطار، قال عبد السلام العزيز، الأمين العام لحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، إن المكتب السياسي للحزب عقد اجتماعًا طارئًا عن بعد مساء الاثنين 10 نونبر 2025، وذلك في إطار التفاعل مع المستجدات الأخيرة المتعلقة بمشروع الحكم الذاتي، عقب اللقاء الذي جمع الأمناء العامين للأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان بالديوان الملكي، لمناقشة تطورات ملف الصحراء المغربية بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 2797، نهاية أكتوبر الماضي.
وأوضح العزيز في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” أن المكتب السياسي ناقش بتفصيل مضامين القرار الأممي وسياقه السياسي، وما يطرحه من رهانات وطنية ودبلوماسية، مشيرًا إلى أن “الحزب يحرص على تقديم مساهمة مسؤولة ومبنية على مرجعيته الفكرية والسياسية، بما يخدم المصلحة الوطنية العليا في إطار حل سياسي دائم ومنصف”.
وكشف الأمين العام أن الاجتماع خلص إلى تشكيل لجنة للتفكير وصياغة مشروع مذكرة تستند إلى مرجعيات الحزب ووثائقه التأسيسية، وعلى رأسها مذكرة تحالف فيدرالية اليسار لسنة 2007، إضافة إلى المواثيق الدولية والتجارب المقارنة، مبرزًا أن “اللجنة ستضم خبراء وأطر الحزب من ذوي الاختصاص لتأطير النقاش وصياغة مقترحات عملية”.
وأضاف المتحدث أن المكتب السياسي سيعقد قريبًا يومًا دراسيًا خاصًا لمناقشة الورقة النهائية التي ستعدها اللجنة، والحسم في المقترحات التي سيتم تضمينها في المذكرة الرسمية.
وفي غضون ذلك، أصدر المكتب السياسي لحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي بلاغًا عقب الاجتماع، جدد فيه تأكيده على موقفه الراسخ القائم على الربط الجدلي بين التحرير والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، باعتبارها ركائز أساسية لأي مشروع وطني ديمقراطي متكامل.
وأكد المكتب السياسي أن تحصين التطور الحاصل في القرار الأممي بشأن قضية الصحراء المغربية، يظل رهينًا بإنجاز الإصلاحات الدستورية والسياسية الضرورية الكفيلة ببناء ديمقراطية حقيقية وتحقيق مصالحة وطنية شاملة.
وشدد الحزب على أن الخطوة الأولى في هذا المسار تتمثل في تحقيق انفراج سياسي شامل، يبدأ بـ “إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ومحاربة الفساد، والتحضير الجيد للاستحقاقات الانتخابية القادمة بما يضمن نزاهتها وشفافيتها”.
كما حدد المكتب السياسي الإطار العام للمذكرة التي يعتزم الحزب تقديمها، استنادًا إلى المرجعيات المعبر عنها في وثائق المؤتمر الاندماجي، وكلمة الأمين العام بالبرلمان، إضافة إلى مقترح الحكم الذاتي لسنة 2007 باعتباره قاعدة قابلة، بعد تطويرها وتجويدها، لأن تشكل حلًا سياسيًا دائمًا لقضية الصحراء، في انسجام مع القوانين والمواثيق الدولية ذات الصلة.
وعلى إثر ذلك، قرر المكتب السياسي تشكيل لجنة للتفكير وصياغة مشروع المذكرة، على أن تقدم نتائج عملها في أقرب الآجال للمكتب السياسي قصد التداول والمصادقة، قبل إحالتها على الجهة المعنية.
وفي هذا السياق، عقد مستشارو الملك محمد السادس، صباح الاثنين 10 نونبر 2025، اجتماعا مع قادة الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، حول قضية الصحراء المغربية وذلك بغرض تقديم مذكرات وبلورة تصور حول تنزيل مقترح الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية للمملكة.
وأفاد بلاغ للديوان الملكي، بأن الاجتماع الذي تم بمقر رئاسة الحكومة، حضره كل من فؤاد عالي الهمة والطيب الفاسي الفهري وعمر عزيمان فضلا عن وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت ووزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، بالإضافة إلى قادة الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان.
وقد أبلغ مستشارو الملك زعماء الأحزاب السياسية الحاضرة حرص الملك على استشارتهم في هذه القضية المصيرية التي تهم جميع المغاربة، مع دعوتهم لتقديم تصورات ومقترحات تنظيماتهم بشأن تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي، “بما يضمن عودة إخواننا بمخيمات تندوف، ولم شملهم بأهلهم وذويهم وبناء مستقبلهم، والمساهمة في تدبير شؤونهم المحلية، في إطار المغرب الموحد، كما أكد على ذلك جلالة الملك في خطابه الأخير”، وذلك حسبما أكده البلاغ.
وأضاف المصدر وقتئذ، أن هذا الاجتماع، يندرج في سياق “الحرص الدائم لجلالة الملك، أعزه الله، على إعمال المقاربة التشاركية والتشاورية الواسعة، كلما تعلق الأمر بالقضايا الكبرى للبلاد”.
وكان الملك محمد السادس قد قال إن المغرب، في سياق القرار الأممي الصادر بشأن الصحراء، “سيقوم بتحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي، وسيقدمها للأمم المتحدة، لتشكل الأساس الوحيد للتفاوض، باعتبارها الحل الواقعي والقابل للتطبيق”.
وأكد الملك في خطاب وجهه للشعب المغربي مساء الجمعة 31 أكتوبر 2025، عقب تصويت مجلس الأمن لصالح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، (أكد) أن “هناك ما قبل 31 أكتوبر وهناك ما بعده”، مبرزا أن “الدينامية التي أطلقناها، في السنوات الأخيرة، بدأت تعطي ثمارها على جميع الأصعدة”، ذلك أن ثلثي الدول بالأمم المتحدة، أصبحت تعتبر مبادرة الحكم الذاتي، هي الإطار الوحيد لحل هذا النزاع”.
وشدد الملك على أن “اليوم ندخل، والحمد لله، مرحلة الحسم على المستوى الأممي، حيث حدد قرار مجلس الأمن المبادئ والمرتكزات، الكفيلة بإيجاد حل سياسي نهائي لهذا النزاع، في إطار حقوق المغرب المشروعة”.
ومن جهته، أكد المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، ستيفان دي ميستورا، أن مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب سنة 2007 سيشكل الأساس للمفاوضات المقبلة بشأن المنطقة المتنازع عليها، مشيرًا إلى أن “الأمم المتحدة تنتظر بشغف الاطلاع على تفاصيل الخطة المغربية الموسعة والمحدّثة التي أعلن عنها الملك محمد السادس في خطابه الأخير”.
وأوضح دي ميستورا، خلال مؤتمر صحافي عقده بمقر الأمم المتحدة يوم الأربعاء 5 نونبر 2025، أن القرار 2797 الذي تبناه مجلس الأمن يوفر إطارًا للمفاوضات دون أن يحدد نتيجة مسبقة، موضحًا أن أي حلٍّ مستدام للنزاع لا يمكن أن يكون إلا ثمرة مفاوضات تُجرى بحسن نية بين الأطراف المعنية، مضيفا في الوقت داته أن “الانخراط في المفاوضات لا يعني قبول نتائجها، لكن الأهم هو المشاركة الفاعلة فيها.”
وأشار دي ميستورا إلى أن المرحلة المقبلة ستعرف دعوة جميع الأطراف لتقديم مقترحات وأفكار تُمكّن الأمم المتحدة من وضع جدول أعمال شامل لمحادثات مباشرة، أو عند الضرورة غير مباشرة، حول القضايا الأكثر أهمية، مؤكدًا أن “الأمم المتحدة ستأخذ بعين الاعتبار أيضًا وثيقة جبهة البوليساريو وغيرها من الأفكار ذات الصلة، كما ورد في القرار الأممي”.
كما أعرب المبعوث الأممي عن ارتياحه لقرار تمديد بعثة المينورسو إلى غاية أكتوبر 2026، معتبرًا أن ذلك “سيساهم في خلق جو من الاستقرار اللازم لمواكبة المفاوضات المستقبلية.”
وفي ختام كلمته، أوضح دي ميستورا أن هناك وضوحًا تامًا حول هوية الأطراف المعنية بالنزاع، وهي: المغرب، جبهة البوليساريو، الجزائر، وموريتانيا، مشيرًا إلى أن القرار الأممي أكد مبدأ تقرير المصير، وتضمّن إشارة صريحة إلى السيادة المغربية، إضافة إلى دعوة إلى حكم ذاتي حقيقي باعتباره “السبيل الواقعي والعملي نحو حل متوافق عليه لهذا النزاع المستمر منذ خمسين عامًا.”