بوريطة: اتصالات مباشرة للملك حسمت تصويت مجلس الأمن بشأن الصحراء المغربية
كشف وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، أن المغرب تمكن من تأمين 11 صوتًا داخل مجلس الأمن دعماً لمبادرة الحكم الذاتي بخصوص قضية الصحراء المغربية، وذلك بفضل تدخلات واتصالات مباشرة أجراها الملك محمد السادس مع عدد من قادة الدول الأعضاء في الأيام الأخيرة التي سبقت عملية التصويت.
وأوضح بوريطة أثناء حلوله ضيفا على برنامج خاص بالقناة الثانية مساء السبت 1 نونبر 2025، أن الملك تدخل “في المائة متر الأخيرة”، كما وصفها الوزير، عبر اتصالات مباشرة مع زعماء دول أعضاء في المجلس، ما مكّن من رفع عدد الأصوات المؤيدة من ستة إلى تسعة، وهو الحد الأدنى اللازم لاعتماد القرار دون “فيتو”، قبل أن يتوسع الدعم لاحقًا ليصل إلى أحد عشر صوتًا مؤيدًا.
وقال المتحدث ذاته، إن المملكة “تجاوزت أحد أصعب تشكيلات مجلس الأمن التي عرفها هذا الملف منذ سنوات طويلة”، موضحًا أن الظروف الحالية كانت معقدة للغاية، إذ تزامنت مع وجود الجزائر كعضو داخل المجلس، وهو أمر وصفه بـ”النادر”، لا يحدث إلا مرة كل عقدين تقريبًا، مما زاد من حساسية النقاش وصعوبة المفاوضات.
وأشار رئيس الديبلوماسية المغربية إلى أن تشكيلة مجلس الأمن تغيّرت مقارنة بالدورة السابقة، ولم تكن في صالح المغرب كما كانت من قبل، “حيث غادرت بعض الدول الداعمة للموقف المغربي، مثل الإمارات العربية المتحدة، لتحل محلها دول جديدة ذات مواقف غير واضحة أو متأثرة باعتبارات إقليمية، مثل باكستان، غيانا، الصومال، سلوفينيا، الدنمارك”.
ورغم هذه الصعوبات، أكد بوريطة أن التحرك الدبلوماسي المكثف الذي قاده الملك محمد السادس شخصيًا، خصوصًا خلال الأيام الستة الأخيرة قبل التصويت، كان حاسمًا في تأمين الأغلبية المطلوبة.
وشدد الوزير على أن المغرب حافظ على دعم القوى الكبرى الثلاث: الولايات المتحدة، فرنسا، وبريطانيا، بفضل التنسيق الدبلوماسي المستمر وتوجيهات الملك محمد السادس، الذي اعتبر هذه الدول “ركائز أساسية في صناعة القرار الأممي” ودعائم للموقف المغربي داخل مجلس الأمن.
وبخصوص الدول الممتنعة عن التصويت، قال وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، إن الدول الثلاث التي امتنعت عن التصويت على قرار مجلس الأمن المتعلق بالصحراء المغربية، وهي روسيا، الصين، وباكستان، لم تُعارض القرار، بل أبدت فقط بعض التحفظات التقنية والسياسية المعتادة في مثل هذه الملفات.
وأوضح بوريطة أن الصين وروسيا، كما جرت العادة، عبّرتا عن تحفظاتهما تجاه ما يُعرف بـ“حامل القلم”، أي الدولة التي تتولى إعداد وصياغة مشروع القرار، وهي في هذه الحالة الولايات المتحدة الأمريكية، مشيرًا إلى أن هذا الموقف ليس موجّهًا ضد المغرب، “بل يرتبط أساسًا بتوازنات القوى والصراعات الجيوسياسية داخل مجلس الأمن”.
وأكد الوزير أن مواقف موسكو وبكين لا تُعدّ معارضة للمضمون، “إذ أن البلدين لم يصوتا ضد القرار”، مبرزًا أن روسيا، على وجه الخصوص، حافظت على موقف متوازن تجاه القضية بفضل العلاقات الاستراتيجية الوثيقة التي تربطها بالمغرب منذ الزيارة التاريخية التي قام بها الملك محمد السادس إلى موسكو سنة 2016، والتي أسفرت عن توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية المعمقة بين البلدين.
وأضاف بوريطة أن تلك الزيارة أرست أسس الثقة والتفاهم المتبادل، وخلقت دينامية جديدة في العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين، ما جعل روسيا تنظر إلى المغرب باعتباره دولة تعتمد مقاربة متوازنة وحكيمة في القضايا الدولية، من بينها الأزمة الأوكرانية، حيث اختار المغرب الحياد الإيجابي ورفض الاصطفاف، وهو ما عزز مكانته لدى موسكو كشريك يتمتع بالمصداقية والاحترام.
وأشار الوزير إلى أن “هذه المقاربة تعكس الرؤية الاستراتيجية بعيدة المدى للملك محمد السادس، الذي عمل طيلة أكثر من ربع قرن على بناء شبكة واسعة من العلاقات الدولية المتينة، سواء في إفريقيا أو أوروبا أو آسيا، وهو ما بدأت نتائجه تتجلى بوضوح في القرارات الأممية الأخيرة”.
وبخصوص باكستان، أوضح بوريطة أن موقفها لم يكن معاديًا، وإنما نابع من حسابات إقليمية خاصة مرتبطة بظروفها الداخلية وتوازناتها الجغرافية، مبرزًا أن باكستان عادة ما تتعامل بحذر مع القرارات المتعلقة بالنزاعات الإقليمية.
وختم وزير الخارجية تصريحه بالتأكيد على أن أهمية القرار الأممي الأخير لا تكمن فقط في دعمه لمبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد واقعي للنزاع، بل أيضًا في غياب أي معارضة داخل مجلس الأمن، موضحًا أن رئيس المجلس أعلن أن نتيجة التصويت أسفرت عن 11 صوتًا مؤيدًا، و3 امتناعات، ودون أي اعتراض أو رفض، وهو ما يجعل القرار حدثًا دبلوماسيًا غير مسبوق في مسار قضية الصحراء المغربية.