التغلغل التركي في محيطنا عبر دول الساحل

أعرف أن الدبلوماسية المغربية منتبهة جيدا لما يحدث على أبواب المملكة، الجنوبية منها أو الشمالية، أو على الأقل أتمنى ذلك، لكنني أستغرب لحد الآن غياب أي تفاعل يستحق الذكر مع مبادرة “اتحاد دول الساحل” المكوّن من مالي، وبوركينا فاسو والنيجر، والمتعلقة بتأسيس بنك يشمل الدول الأعضاء تحت اسم “البنك الكونفدرالي للاستثمار والتنمية “.
هذه مبادرة على درجة قصوى من الأهمية بالنسبة للمغرب وللقارة بشكل عام. وقد تم إطلاقها فعليا خلال السنة الماضية، وتهدف حسب تصريح الحسين سانو، وزير الاقتصاد والمالية المالي، “لتحقيق السيادة المالية للدول الأعضاء وتمويل المشاريع الفلاحية والتربويّة، ومشاريع الطاقة والبنية التحتية والخدمات”. وتم تحديد الرأسمال المرجعي للبنك في خمسمائة مليار فرنك (CFA) ، أو ما يناهز 7,6 مليار يورو .
علينا في المغرب قراءة هذه الخطوة على ضوء مجموعة من المعطيات :
• أولا: المغرب معني بقوة باستراتيجيات الاندماج الاقتصادي لدول غرب إفريقيا. ومبادرة الأطلسي التي أطلقها الملك محمد السادس تعتبر جزءا أساسيا من عملية الاندماج هذه ؛
• ثانيا: هذا البنك قد يصبح جهة مشاركة في تمويل البنيات التحتية التي تهم المغرب وخصوصا أنبوب الغاز نيجيريا المغرب، والطريق السيار الإفريقي، كما أن رؤساء الدول الثلاث أعلنوا عن مشاريع مشتركة مثل شبكة جهوية للسكك الحديدية، وشركة مشتركة للنقل الجوي وتوحيد التعريفات الجمركية.
طبعا، هذا المسار قد يفتح الباب أمام إمكانية التفكير في عملة موحدة، وهو المشروع الذي كانت دول غرب أفريقيا قد تداولت فيه سابقا في إطار سيدياو قبل أن تغادرها الدول الثلاث، وكان المغرب يفكر في الانضمام للعملة الموحدة التي كانت دول سيدياو بصدد تأسيسها؛
• ثالثا: هذه الدينامية الاندماجية تجرنا للكلام عن انبثاق ممكن لسوق جهوية مهمة قوامها أكثر من ثمانين مليون نسمة، وهي فرصة اقتصادية واستثمارية وتجارية مهمة جدا؛
• رابعا: هناك معطيات كثيرة تشير إلى أن تركيا بدأت منذ فترة ” تلعب” على أبواب المغرب الجنوبية، وخصوصا في غرب إفريقيا، سواء باستعمال الأدوات الاقتصادية أو الاستثمارية، من خلال التطور الكبير الذي تعرفه المبادلات بين الطرفين أو التعاون الدفاعي من خلال تصدير الطائرات التركية المسيرة أو الدبابات التركية الصنع أو الدبلوماسية الدينية من خلال بناء العديد من المساجد وإرسال الأئمة أو التعاون الجامعي حيث تستقبل تركيا حاليا ما يتجاوز السبعين ألفا من الطلبة الأفارقة مع منح دراسية للعديد منهم.
كما أن تركيا تتوفر حاليا على 43 سفارة على الأقل في إفريقيا، من بينها سفارة في باماكو منذ 2010، وسفارتين في النيجر وبوركينا فاسو منذ 2012، زيادة على تمتعها بصفة الشريك الاستراتيجي للاتحاد الإفريقي منذ 2008، وعضويتها الفعلية في البنك الأفريقي للتنمية والصندوق الأفريقي للتنمية.
• خامسا: لا يمكن إغفال الدور الروسي الصيني في هذا السياق، والصين تعتبر مشاريع البنية التحتية والقروض المرتبطة بتمويل مشاريع الطاقة أهم ركائز التعاون الصيني الإفريقي. وتعتبر المشاريع التي ذكرناها والتي يعكف قادة الدول الأعضاء على تطويرها، مدخلا ممتازا للرأسمال والتكنولوجيا الصينية، وقد يكون التعاون بين هذا البنك وبنك بريكس مدخلا رئيسيا للتعاون بين الطرفين، والمغرب ليس طرفا لا في بريكس ولا في اتحاد دول الساحل مما قد يجعله خارج المعادلة الجيو-اقتصادية للمنطقة.
لذلك يبدو لي أنه من المهم أن يُسَلط الضوء على هذه المبادرة وأن نستكشف الفرص التي تتيحها وآفاق التعاون الممكن مع التحالف من أجل الدفع بسياسة الاندماج الإفريقي التي يعتبر المغرب أحد أهم المنظرين لها والفاعلين فيها، غير أن عدم اهتمام المحللين والسياسيين بها قد يفقدنا السبق ويفوت علينا هذه الطفرة .