story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
دولي |

هل يتوقف النضال السياسي والشعبي لأجل غزة بعد وقف الحرب عليها؟

ص ص

بعد عامين من القصف والدمار والنزوح، تدخل غزة اليوم مرحلة جديدة مع الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي. هدنةٌ طال انتظارها، تمهّد لوقف حرب إبادة جماعية، لكنها إلى جانب ما حملته من فرحٍ إلى قلوب الغزيين، لا تخفي ما يثقل كاهلهم من واقعٍ إنساني كارثي، جعل من القطاع منطقة منكوبة بكل المقاييس.

لم تنكسر غزة بفضل صمود مقاومتها وحاضنتها الشعبية، لكن آلة القتل الإسرائيلية، التي تغادر اليوم القطاع دون أن تحقّق أياً من أهدافها المعلنة – من القضاء على حركة حماس، إلى تحرير الأسرى وتهجير الفلسطينيين – تخلّف وراءها مأساة إنسانية كبرى: عشرات الآلاف من الشهداء، وآلاف الجرحى والمفقودين، ودماراً واسعاً طال كل شيء، وهو ما يطرح تسائلا حول إمكانية توقف النضال الشعبي والسياسي من أجل غزة بمجرد وقف الحرب عليها.

في هذا الصدد، يرى الكاتب والباحث في الشأن الفلسطيني هشام توفيق أنه “من الخطأ الاعتقاد بأن المعركة انتهت بصفقةٍ تدخلت فيها الولايات المتحدة كوسيطٍ ضاغط”، في حين ما تزال الأنفاس تترقب تنفيذ بنود الاتفاق دون نفاقٍ إسرائيلي أو انقلابٍ ثانٍ عليه، “بفعل الحقد والانتقام المتجذّر في المؤسسة العسكرية للاحتلال”.

ويشير توفيق، في حديثٍ مع صحيفة “صوت المغرب”، إلى أن المعركة تدخل طوراً جديداً يتطلب وعياً أعمق واستمراراً في الدعم بمختلف أشكاله، محذّراً من أن الهدنة قد تُفهم خطأً على أنها نهاية الصراع، “بينما هي في الحقيقة بداية معركة الدعم الاستعجالي والسياسي والفكري”.

وأوضح أن ما سمّاه مرحلة “الدعم الاستعجالي” تتعلق بالإغاثة والطب، وتطهير المياه، وعودة النازحين، ومواجهة المجاعة، ومنع الموت، والتعامل مع الفخاخ التي تركها الجيش الإسرائيلي في غزة. ويضيف أن القطاع يواجه اليوم أزماتٍ حادّةً في السكن والصحة، ونقصاً خطيراً في الكوادر الطبية والإسعافية التي كانت تمثّل عصب الحياة.

ويتابع: “سمّيتُ هذه النصرة بالاستعجالية لأنها الأهم حالياً، فهي التي توقف الموت اليومي الناتج عن آثار الإبادة الجماعية”، مشيراً إلى أن كل المؤسسات والتحركات المناصرة مطالَبة بالتنسيق وتحديد أولويات المرحلة بعد دخول غزة.

كما يوضح الباحث المغربي أن الصفقة لا تعني نهاية النصرة أو توقف الحراك الشعبي، لأن الاحتلال الإسرائيلي نفسه “لن ينهي الحرب، بل سينقلها إلى مجالات أخرى أبرزها حرب السردية، وإعادة ترميم صورته عبر خطاب التطبيع والضغط الإعلامي”.

ويقول: “المعركة المقبلة ستكون خارج أسوار غزة، أي في الشارع العربي والإسلامي والغربي”، معتبراً أن الميدان الشعبي بات عنصراً حاسماً في معركة الوعي والموقف.

ويشير توفيق إلى ما يسميه خاصية “الشهود لا الجمود”، قائلاً: “لن يتوقف الشارع الغربي بعد وقف النار، لأنه تمكن خلال العامين الماضيين من تأسيس آليات البقاء في الساحات العامة وفهم طبيعة العدو والمعركة”.

ويرى أن النخب الفكرية والجامعية، وصنّاع المحتوى، والنشطاء السياسيين، أسهموا في بناء عقلٍ غربيٍ جديد أدرك أن الإبادة الجماعية في غزة “هي نتيجة منظومةٍ دوليةٍ تدعم المشروع الصهيوني، وأن مواجهة هذا المشروع لا تكون إلا بتقويض جذوره في الغرب”.

وشدّد الباحث على أن تحرك الشارع القانوني والإعلامي والسياسي لن يتوقف بعد الصفقة، داعياً إلى استثمار هذا الوعي “من أجل تطويع أذيال الأفعى في الغرب حتى يضعف رأس الأفعى في الكيان الصهيوني”.

ويرى توفيق أن المرحلة المقبلة قد تشهد انتقالاً نوعياً من وعي التضامن إلى وعي التحرير، قائلاً: “القوى الحية في الغرب والعالمين العربي والإسلامي بدأت تدرك أن القضية لم تعد مجرد دعمٍ تضامني مع غزة، بل هي معركة تحرر من منظومةٍ صهيونيةٍ عالميةٍ تغلغلت في الجامعات والأحزاب والمناهج والمؤسسات، وقد احترقت سرديتها بعد السابع من أكتوبر”.

وشدّد على أن المعركة القادمة بعد وقف إطلاق النار تتركّز نحو إضعاف هذه المنظومة في الغرب والعالم العربي معاً، موضحاً أن الأمر يتعلق في العالم العربي بإسقاط التطبيع ومواصلة الاحتجاج، لأن الاحتلال له وجهان – كما قال – “نظام أبارتايد في فلسطين، وآخر ثقافي وسياسي يعشّش في منطقتنا”.