فاعلون: تأخر تحديث قوانين التظاهر يمنح السلطات صلاحيات واسعة لوقف التجمعات والاحتجاجات

أكد فاعلون حقوقيون وسياسيون أن تأخر تحيين القوانين المنظمة للحق في التظاهر والتجمع السلمي يمنح السلطات العمومية صلاحيات واسعة لمنع الوقفات والتجمعات، حتى وإن كانت سلمية، معتبرين في الوقت ذاته أن “الصمت الحكومي إزاء احتجاجات “جيل Z” عمق شعوراً بالتجاهل، والاستعلاء على مطالبه الاجتماعية”.
وذلك خلال كلمته بندوة اليوم الثلاثاء 7 لأكتوبر 2025، لمناقشة احتجاجات الشباب في المغرب: منظور حقوقي وسياسي، من تنظيم قطاع المحاماة لحزب التقدم والاشتراكية.
أكد المحامي والحقوقي نوفل البعمري أن من حق المواطن المغربي ممارسة حقه في التجمع السلمي وتنظيم الوقفات باعتباره من الحقوق الأساسية التي يضمنها الدستور والمواثيق الدولية، غير أن الإشكال الحقيقي، حسب قوله، يكمن في قانون الحريات العامة الذي يعود إلى سنة 1958، والذي “ما زال متخلفاً عن روح دستور 2011”.
وأوضح البعمري أن هذا القانون، “رغم بعض التعديلات الجزئية التي أُدخلت عليه، ما يزال مجمداً لدى الأمانة العامة للحكومة”، مشيراً إلى أن “جزءاً كبيراً من النقاش الذي أثير اليوم حول مشروعية هذه الاحتجاجات من عدمها مرتبط أساساً بتأخر إخراج هذا القانون في صيغته الجديدة”.
وأشار إلى أن عدداً من المنظمات الحقوقية والمدنية طالبت مراراً بإخراج مشروع القانون إلى الوجود، “لأنه في ظل استمرار العمل بالنص الحالي، تظل السلطات العمومية تمتلك صلاحيات واسعة لمنع أي وقفة أو تجمع أو تظاهرة، بغض النظر عن سلميتها”.
وأضاف موضحاً: “يكفي أن يقف عشرة أشخاص حتى يمكن منع وقفتهم استناداً إلى هذا القانون الذي تجاوزه الزمن، وهو ما يشكّل إشكالاً حقيقياً في ضمان ممارسة الحق في الاحتجاج”.
وتساءل البعمري حول مدى التزام الإدارة العمومية بالاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، قائلاً: “هل يُعقل أن تستمر في تطبيق قانون متجاوز ، بينما المغرب صادق على اتفاقيات دولية تضمن حرية التجمع والتعبير؟”.
وأضاف أن “القرارات الإدارية، سواء كانت مكتوبة أو شفهية، التي تمنع الوقفات السلمية، يجب أن تُراجع في ضوء تلك الالتزامات الدولية”.
وفي ما يتعلق بالمتابعات القضائية الجارية في حق شباب “جيل Z” السلمين، أوضح البعمري أن القانون الجنائي المغربي أصبح بدوره يُستعمل كأداة لتقييد الحق في التظاهر، مشيراً إلى أن أغلب المتابعات التي تطال الشباب المحتجين “تستند إلى ثلاث مواد أساسية: إهانة موظف عمومي، والتحريض، والعرقلة”.
وقال إن “العديد من الشباب الذين احتُجزوا لساعات قبل إطلاق سراحهم وجدوا أنفسهم متابعين قضائياً استناداً إلى هذه المواد نفسها، وهو ما يعكس الحاجة الملحّة إلى مراجعة القانون الجنائي في صيغته الحالية، حتى لا يبقى سيفاً مسلطاً على كل من يعبر عن رأيه أو يمارس حقه في الاحتجاج السلمي”.
وشدد البعمري على أن مشروع تعديل القانون الجنائي المعروض قريباً على البرلمان “يجب أن يشكّل فرصة حقيقية للحركة الحقوقية والمجتمع المدني لمراجعة هذه المواد، وإزالة الغموض القانوني الذي يجعل أي نقاش مع موظف عمومي سبباً لمتابعة قضائية”.
واعتبر أن أحد أبرز الإشكالات التي طفت إلى السطح خلال احتجاجات “جيل Z” هو غياب آليات الحوار والوساطة في الأيام الأولى، موضحاً أن “هذه الآليات ظلت غائبة لمدة ستة أو سبعة أيام، وهو ما يعكس ضعفاً في تدبير الحكومة والدولة لعلاقتهما بالفعل الاحتجاجي”.
وختم قائلاً: “نحن لا نلجأ إلى الحوار إلا عندما يتحول الفعل الاحتجاجي إلى أزمة حقيقية، في حين أن المقاربة السليمة تقتضي الإنصات المبكر وتفعيل الحوار قبل أن تتطور الأمور إلى ما لا تُحمد عقباه”.
من جانبها قالت فاطمة الزهراء برصات، عضو منتدى المناصفة والمساواة التابع لحزب التقدم والاشتراكية، إن الصمت الذي رافق الحكومة في مواجهة الاحتجاجات الأخيرة عمّق لدى جيل Z المحتج شعوراً بالتجاهل، واحساسا بالاستعلاء على مطالبه، مما دفع الشباب إلى البحث عن فضاءات أخرى للتعبير عن آرائهم ومواقفهم.
وأوضحت برصات أن غياب التواصل السياسي من طرف الحكومة زاد الوضع تعقيداً وأسهم في تفاقم الأزمة، معتبرة أن ذلك يعكس ضعفاً في الإنصات وفي فهم التحولات الاجتماعية والسياسية التي يعيشها المجتمع المغربي.
وأعربت المتحدثة عن أسفها لما سمّته “انصراف اهتمام الدولة نحو التظاهرات الكروية”، في وقتٍ تحتاج فيه البلاد إلى إشراك الشباب والمواطنين في مسارات التنمية الحقيقية.
وقالت إن “هذه التظاهرات الرياضية يمكن أن تشكل فرصة اقتصادية وسياحية وتنموية، لكن كان الأجدر استثمارها لخلق دينامية اجتماعية حقيقية، تعزز الثقة لدى الشباب بدل أن تزيد من شعورهم بالتهميش”.
وأضافت أن الشباب “قرأوا” هذا التوجه بشكل مختلف، إذ رأوا فيه مفارقة صارخة بين الاستثمارات الضخمة الموجهة للتظاهرات الرياضية وبين الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي يعيشونها، فربطوا ذلك بمطالبهم الأساسية المتعلقة بالماء، والتعليم، والصحة، وفرص الشغل، والكرامة.
وأشارت برصات إلى أن “ما نراه اليوم ليس احتجاجاً شبابياً فئوياً، بل تعبير عن مطالب إنسانية أساسية تشكل جوهر الجيل الأول من حقوق الإنسان”، موضحة أن هؤلاء الشباب يطالبون بحقوقهم في الولوج إلى الخدمات العمومية الأساسية، وفي مقدمتها الصحة والتعليم والعيش الكريم.
وتابعت أن تصريحات وزير الصحة الأخيرة حول الإكراهات والميزانيات لا تعالج جوهر المشكلة، لأن “المشكل الحقيقي ليس في الموارد المالية فقط، بل في الحكامة والكرامة الإنسانية”.
وأكدت أن “المواطن المغربي يجب أن يُعامل بكرامة داخل المرفق العمومي، لا أن يدخل مريضاً ويخرج أكثر إنهاكاً”، وأضافت أن تراجع جودة الخدمات العمومية، مقابل تشجيع الخوصصة في قطاعي الصحة والتعليم، يقوّض شعار الدولة الاجتماعية الذي ترفعه الحكومة، ويُفرغه من مضمونه الحقيقي.