في اليوم العالمي للمدرس.. دعوات لإعادة الاعتبار للتربية وتحسين أوضاع المدرسين

يُصادف الخامس من أكتوبر اليوم العالمي للمدرس، وهي مناسبة لتسليط الضوء على التحديات التي ما تزال تواجه المدرس بالمغرب، سواء على مستوى التكوين أو الوضع الاجتماعي أو البيئة المهنية، ويؤكد الخبراء أن هذا اليوم ليس فقط للاحتفاء، بل لتقييم السياسات التعليمية ومراجعة مكانة المدرس داخل منظومة الإصلاح التربوي.
من التربية إلى التعليم
في هذا السياق، يرى خالد الصمدي، الأكاديمي وكاتب الدولة السابق المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، أن وظيفة المدرس شهدت تحولا عميقا خلال السنوات الأخيرة، سواء في حب المهنة أو في الإخلاص لها أو في مقاصدها التربوية، إذ أصبحت اليوم ترتكز أكثر على التعليم والمعرفة، في حين كانت التربية والقدوة تشكل في الماضي الأساس الذي تبنى عليه العملية التعليمية.
واعتبر الصمدي أن استعادة هذا التكامل بين التربية والتعليم “أمر جوهري” لضمان فعالية المدرسة المغربية، “فالمعلم ليس مجرد ناقل للمعرفة، بل هو أيضا مربٍ يزرع القيم والسلوكيات الإيجابية لدى الناشئة”، ولذلك، يؤكد على ضرورة إعادة الاعتبار لهذه الرسالة التربوية التي تضمن تكوين الإنسان قبل تلقينه المعارف.
ظروف تحتاج التحسين
أما فيما يتعلق بالوضعية الاجتماعية والمادية للمدرسين، يؤكد الصمدي أن “المجهودات المبذولة تظل غير كافية بالنظر إلى الظروف الصعبة التي يعيشها المدرسون في المدن المتوسطة والبوادي وحتى في المدن الكبرى، إذ أن غلاء المعيشة وكلفة السكن والتعليم تمثل عبئا ثقيلا يحد من قدرتهم على أداء رسالتهم في أحسن الظروف”.
وفي هذا الصدد، شدد الخبير على “ضرورة توفير بيئة مهنية واجتماعية تساعد المدرس على أداء مهامه بأريحية، سواء من خلال تحسين الترقيات أو متابعة التكوين المستمر أو ضمان العيش الكريم”، فالمدرس، في نظره، هو “رهان الدولة على التنمية”، ملفتا إلى أن “من يريد أن يعرف تكلفة التعليم فليجرب تكلفة الجهل والأمية التي تنعكس سلبا على كل مجالات الحياة”.
كما دعا إلى “إعادة النظر في الفضاء المدرسي نفسه، من حيث التجهيزات والوسائل التعليمية والمناهج الدراسية”، مبرزا أن “التحدي اليوم هو تمكين المدرس من الربط بين ما يدرّس وبين الحياة الواقعية، حتى لا يكون هدف التعليم هو الامتحان فقط، بل إعداد التلاميذ للحياة العملية”.
وشدد الصمدي على أن “العناية بالمدرسة وبالمدرس يجب أن تظل أولوية وطنية، لأن الاستثمار في التعليم هو استثمار في المستقبل، وأن الدولة إذا كانت ترغب في تحقيق تنمية حقيقية، فلا بد من الجمع بين تكوين الإنسان وبناء العمران”.
نحو توحيد مؤسسات التكوين
من جانب آخر، أكد الصمدي أن “منظومة تكوين المدرسين عرفت تحولا جوهريا منذ اعتماد قانون الإطار 51-17 وإطلاق برنامج مدرس المستقبل سنة 2018، فبعد أن كانت هناك مؤسسات متفرقة لتكوين أساتذة التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي، تم الانتقال إلى نظام جديد يقوم على الإجازة في التربية لمدة ثلاث سنوات، تليها مباراة الالتحاق بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين”.
وأوضح أن “هذا النظام أحدث نوعا من المزاوجة بين التكوين الأكاديمي والتكوين المهني، ما جعل المدرس اليوم يتخرج بعد خمس سنوات من الدراسة، أي بمستوى يعادل تكوين المهندسين والأطباء”، ويرى الصمدي أن “هذا التحول منح قيمة مضافة لمهنة التدريس، ورفع من كفاءة خريجيها العلمية والبيداغوجية”.
لكن بعد مرور حوالي سبع سنوات على إطلاق هذه التجربة، يدعو الصمدي إلى تقييمها “تقييما موضوعيا” للوقوف على مكامن القوة والضعف، كما يقترح دمج المراكز الجهوية للتربية والتكوين مع المدارس العليا للتربية والتكوين في مؤسسة واحدة تابعة للتعليم العالي، لتوحيد التكوين وتحقيق التكامل بين الجانبين المهني والعلمي.
ويرى أيضا أن توحيد مؤسسات التكوين سيشكل تطبيقًا لمقتضيات القانون الإطار 21-17، وسيضمن مسارين متكاملين، مسار مهني لتكوين الأساتذة والإداريين، ومسار أكاديمي للبحث في علوم التربية، وهو ما سيساهم في سد “الخصاص الكبير” في التأطير البيداغوجي بالمدارس العليا للتربية والتكوين.