story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

وزراء “الجانحين”

ص ص

ورد في “صِفر الإنجاز”، عن نبيّ “شعب الحمامة”، أنّ من لم “يَقْبَطْ” 2500 درهم في أفق 2026، يطاردُه و”شعبَه” بالحجارة. تمضي السّنوات، وتحقّق النبوءة. تدفّق الشّباب في الطّرقات، كالوعد الصّادق. فالاحتجاج في النّهاية، هو الابن الشّرعيّ للظّلم. وليس هناك ظلم أشدّ، من أن يصبح التّعليم، أو الصّحّة، سلعة في بلد تنهشه البطالة، وقلّة ذات اليد.

بدأ الشّباب رحلتهم نحو إسقاط الفساد بأشكال سلميّة، لكن كان للحكومة رأي آخر. استراتيجيّة أمنيّة صرفة. تقفز على كلّ ما حقّقه المغاربة خلال السّبعين سنة الماضيّة. تُرك الدّستور والحكمة معا على جنب، وجُنّد الأمن لاعتقال شباب، لا ذنب لهم سوى أنّهم قالوا كفى حيفا، وفسادا. لكن سرعان ما اكتشف أصحاب تلك الاستراتيجيّة، أنّ شعبا لم تسحق إرادته 23 مارس 1965، و20 يونيو 1981، لا يمكن أن التفاهم معه سوى بالحوار.

الشّباب المحتاج للأمل، والمحتجّ من أجل وطن عادل، كانوا هم أوّل من تبرّأ، وأدان أعمال العنف والتّخريب. لقد اصطفّوا بجانب استقرار الوطن، وثوابته بوجه مكشوف. ثمّ قابلوا الاعتقال بالورود، وقالوا بصوت واحد، معركتنا مع الحكومة، وليست معكم. فخلّوا السّبيل بيننا وبينهم، إلى أن “يقضي اللّه أمرا كان مفعولا”.

إنّ أعمال العنف الّتي حدث، قبل أن يسأل عنها القاصرون والجانحون، يجب أن يسأل عنها الوزراء كذلك. لأنّ هاته الصّورة المشوّهة عنّا، صنعت صناعة بسبب سيّاسات عموميّة فاشلة. الّذين أحرقوا ونهبوا وتطاولوا على المؤسّسات الأمنيّة، لم يستوردوا من الخارج، ولم يوجّهوا من الأعداء، بل نتاج خالص لانسداد الأفق، وموت الوطنيّة في قلوبهم. فالوطنيّة ليست نشيدا يعزف قبل الصّافرة، ولا راية ترفرف في الشّوارع بعد الفوز. الوطنيّة هي أن يرتجف القلب خوفا على مآلنا الجماعي. وبالقدر الّذي يجب أن نتساوى في نسبة الخوف على الوطن، يجب أن نتساوى كذلك في توزيع خيراته بيننا. إنّ ما يصرفه البعض على كلبه من أكل وشرب ولباس وتطبيب، قد يعادل ما يصرفه ربّ أسرة على عائلة كاملة.

أستعرض والحكم للقارئ. يذهب الفقراء إلى مدارس عموميّة مكتظّة، لا تتوفّر على مكتبات، ولا حواسيب للبحث، ولا أجهزة لتدريس اللّغات، ولا مختبرات تربط بين النظريّة والتّجربة. وخارج أسوارها يعشعش التّحرّش، والمخدّرات. ملاعب قرب في الأحياء الشّعبيّة، دُشّنت ثمّ أُغلقت، وتُركت لعوامل التّعريّة تنخرها. مستشفيات عموميّة أقرب من أن تكون “اسطبلات بشريّة”، إلى أن تكون أماكن لاستعادة العافيّة. منح دراسيّة سنويّة، تساوي ما قد ينفقه ثريّ على قنّينة في ليلة واحدة. أعياد وطنيّة تمرّ مرور الكرام، لا من يخلّدها، ولا من يستعيد تضحيّات من سطّرها. دور شباب مهجورة. مقرّات أحزاب مغلقة. جمعيّات محظوظة ينفق عليها بسخاء، وأخرى منبوذة معطّلة تعطيلا. صحافة ترى ما لا يراه المهمّشون، وفضاء افتراضي يرى ما لا تراه الصّحافة.

إنّ احتمال أن يصبح المرء جانحا في هذا الوطن، أكبر بكثير من أن يغدو إنسانا سويّا. لذلك وجبت معاقبة من تعاقبوا على المسؤوليّات، ثمّ حزموا أمتعتهم وعاقبونا بأناس اقتحموا مقرّ الدّرك الملكي، ونهبوا المحلّلات، وأضرموا النّيران في الأملاك العامّة والخاصّة.

قلت بالأمس بأنّ المغرب في حاجة إلى محنة ل “برامكة الفساد”، وأقول اليوم إذا كانت الحركة الوطنيّة قد سطّرت مع المغفور له السّلطان محمّد الخامس ملحة “وثيقة المطالبة بالاستقلال” سنة1944، فإنّ الشّباب المغربي سنة 2025، بمقدوره اليوم، أن يسطّر ملحمة جديدة، هي “وثيقة المطالبة بإسقاط الفساد”. لأنّ الفساد أخطر من الاستعمار. فالأوّل يمتصّ خيرات الوطن بالقوّة العسكريّة، أمّا الثّاني فيرهن الدّولة بتضارب المصالح، والوعود الكاذبة.