story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

جيل Z: الشارع المغربي الجديد

ص ص

لم يعد ممكنًا تجاهل ما يجري في الشارع المغربي منذ أيام و طبعا خلال 48 ساعة الماضية تحديدا، احجاجات جيل أو مواليد الألفين، أو ما بات يُسمّى في التداول الإعلامي بـ”جيل زيد”، اختار أن يعبّر عن نفسه بصوت عالٍ، عبر احتجاجات سلمية رفعت مطالب لا يمكن لأي مجتمع أن يتجاهلها: تعليم يليق ، صحة تحفظ كرامة المواطن، ومحاربة فساد يأكل الأخضر واليابس ويُفرغ أي إصلاح من محتواه، هي ليست شعارات فضفاضة ، بل قضايا يومية ملموسة يعرفها كل بيت ويصطدم بها كل مواطن.

ما يميز هذه الاحتجاجات أنها صادرة عن جيل لم يعش وعود الانتقال الديمقراطي ولا زمن “المسار الاستثنائي” الذي أعطى بعض الأمل في التسعينات وبداية الألفية، إنه جيل وُلد وتَشكَّل في زمن الرقمنة والتواصل الفوري، جيل يقارن نفسه كل لحظة بما يجري في الضفة الأخرى من المتوسط أو في أي مكان من العالم، لهذا فإن سقف انتظاراته مختلف، ولغته مختلفة، وحتى أشكال تعبيره ليست امتدادًا ميكانيكيًا لاحتجاجات الأجيال السابقة.

الخطأ الأكبر سيكون في تبخيس هذه الاحتجاجات و الاستهزاء بها بحجة “قلة الخبرة” أو “الاندفاع” اذ ان ذلك سيقود إلا إلى عزلة سياسية أعمق، وفقدان ما تبقى من ثقة في المؤسسات، والخطأ الآخر لا يقل خطورة: الزجّ بهؤلاء الشباب في معارك تفوق طاقتهم. فهم ما زالوا يفتقرون إلى أدوات التنظيم طبعا، ولا يملكون شبكة حماية تصونهم من ارتدادات الصراع السياسي، و هذا واقع و أمر طبيعي و لا ينقص منهم أو من احتجاجاتهم.

بين التبخيس والتوريط يضيع المعنى، وتضيع فرصة تحويل هذه الدينامية إلى رافعة ديمقراطية حقيقية، ولعل ما يضاعف حجم التحدي أن مؤسسات الوساطة السياسية، من أحزاب وجمعيات، انسحبت إلى مكاتبها المغلقة، بينما الشباب يملأ الشوارع والمنصات الرقمية، في الوقت الذي تقع على عاتقها مسؤوليتها فتح فضاءات للتعبير، وأن تدرّب هذا الجيل على أساليب النضال السلمي المنتج، طبعا ليس بالاساليب البالية و الندوات الخشبية، بل بالتكييف مع الجيل، فغياب الوساطة لا يخلق فراغًا فقط، بل يترك المجال مفتوحًا أمام العفوية المفرطة، بما تحمله من مخاطر الانفلات وفقدان البوصلة.

من جانب آخر، أثبتت التجربة أن المقاربة الأمنية لا تجدي، الردّ السريع بالقوة قد يمنح تهدئة آنية، لكنه لا يطفئ جذوة الاحتقان، و التاريخ القريب يعلّمنا أن مثل هذه السياسات تراكم الغضب بدل أن تذوبه.

قد يبدو جيل الألفين جيل متناقض في الظاهر لكنه أكثر وعيًا بحقوقه وأكثر جرأة في التعبير، جيل الالفين لا يستقيم قياسه بمعايير الماضي و ذلك خطأ جسيم، واختزاله في “مراهقة سياسية” جهل بالتحولات العميقة التي يعرفها المجتمع، إن هذا جيل يريد إعادة تعريف العلاقة مع الدولة، على قاعدة الكرامة والعدالة والشفافية.

غير أن هذا الأفق لن يُبنى ما لم تتحمل كل الأطراف مسؤولياتها، فالدولة مدعوة إلى تجنّب منزلقات سياسية خطيرة عبر الاكتفاء بالمقاربة الأمنية أو الاستمرار في تجاهل المطالب الجوهرية، في حين أن المحتجين أنفسهم مطالبون بتفادي التهور القانوني والانجرار وراء استفزازات قد تُفقد حركيتهم سلميتها ومشروعيتها، فالتاريخ يُظهر أن الاحتجاج يفقد قوته لحظة ينزاح عن طابعه السلمي ويصبح عرضة للاستغلال أو الانفلات، وحده التوازن بين وعي الدولة بمسؤولياتها ووعي الشباب بحدود نضالهم قادر على تحويل هذه اللحظة من انفجار غضب إلى رافعة إصلاحية.

إن الرهان اليوم يتجاوز مجرد الإنصات، فالإنصات وحده لم يعد يقنع أحدًا. المطلوب هو تحويل هذا الإنصات إلى فعل مؤسساتي، إلى سياسات عمومية عادلة وملموسة، وإلى مساحات مشاركة حقيقية للشباب في صناعة القرار.

الصحة والتعليم ومحاربة الفساد ليست مطالب تقنية، بل هي جوهر الشرعية السياسية لأي دولة، وتجاهل هذه الرسائل سيقود إلى تكرار خطأ الأجيال السابقة. الفارق هذه المرة أن الزمن تغيّر، فجيل الألفين، الذي وُلد في عصر السرعة والرقمنة، لن يمنح فرصة ثانية بسهولة، وإن لم يجد صوته مسموعًا عبر القنوات الرسمية فسيجد طرقًا أخرى، قد تكون أكثر كلفة على الجميع، لفرض وجوده وصوته.