story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
مجتمع |

أكاديميون يناقشون الروافد الإفريقية والحسانية والعبرية في الهوية المغربية

ص ص

سلط أكاديميون الضوء على أهمية الروافد الإفريقية والحسانية والعبرية في تشكيل الهوية المغربية المتعددة الأبعاد، وكذا دورها في التاريخ، الثقافة، والنهضة الوطنية، وذلك خلال ندوة علمية نظمتها أكاديمية لحسن اليوسي يوم الخميس 25 شتنبر 2025.

وفي هذا السياق أكد المفكر أحمد عصيد أن المكوّن العبري في الهوية المغربية ليس ملكاً لطائفة بعينها، بل هو مكوّن مشترك لجميع المغاربة، مشيراً إلى أن اليهود المغاربة ساهموا عبر التاريخ في مجالات التجارة، والدبلوماسية، والطب، والفكر الفلسفي، ما يجعل حضورهم جزءاً أصيلاً من نهضة المغرب. 

وأضاف عصيد أن “أي استغلال إيديولوجي لموضوع الهوية يمثل خطأ كبيراً”، مستشهداً بما حدث في الماضي من اتهامات مغلوطة تجاه الأمازيغية، والتي وُصفت في السبعينات والثمانينات بأنها مؤامرة لتقسيم البلاد، “واليوم يتم تكرار نفس الخطأ مع المكوّن العبري”.

وفي موضوع آخر، أشار المتحدث إلى أن البعد الإفريقي للمغرب تهمّش على مر الزمن، ما جعل كثيرين لا يدركون أن المغرب إفريقي قبل أي انتماء آخر، موضحا أن “سيطرة الإيديولوجيات الوافدة من المشرق، مثل القومية العربية والإسلام السياسي، ساهمت في تغييبه، بينما الحقيقة الجغرافية والثقافية تؤكد أن المغرب في أقصى الغرب”.

وأضاف أن العودة الإفريقية للمغرب اليوم تأخذ شكلاً جديداً، من خلال برامج استراتيجية اقتصادية، تشمل وجود ثلاثة بنوك مغربية كبرى في ثمانية بلدان بإفريقيا جنوب الصحراء، وتمثّل استثماراتها نحو 55% من المشاريع في منطقة الساحل، إلى جانب 22% من الأسواق والمشاريع الإفريقية المدارة من قبل المؤسسات المغربية.

كما أشار إلى نجاح المغرب في قطاعات السيارات والفلاحة، فضلاً عن تعزيز دوره في القضية الوطنية عبر الحضور القوي في القارة.

وأكد عصيد أن الهوية المغربية لا يمكن فهمها دون الاعتراف بالمكوّن الإفريقي، مشيراً إلى أن الصحراء لم تكن حاجزاً طبيعياً، بل جسراً حضارياً بين شمال إفريقيا وجنوبها، ساهم في نسج حضارة مشتركة عبر التجارة والتبادلات الثقافية والدينية، رغم بعض المواجهات العسكرية.

وأضاف أن “انقطاع المغرب عن عمقه الإفريقي لسنوات طويلة كان مرتبطاً بقرار الملك الراحل الحسن الثاني بمغادرة منظمة الوحدة الإفريقية”.

ومن جانب آخر، أشار المتحدث ذاته إلى أن صياغة دستور 2011 كانت جيدة ومحكمة، لكنها تعرضت لتغييرات إيديولوجية أدت إلى بعض الأخطاء في الوثيقة النهائية بخصوص الأمازيغية، وطرح عصيد تساؤلاً: إلى أي حد يمكن القول إن المغاربة مطلعون على مضامين ومكتسبات دستور 2011؟ مؤكداً أن التمثلات الاجتماعية تلعب دوراً أساسياً في فهم مرجعيات الدولة، وأن هناك حاجة لتدقيق الفرق بين “المكوّن” و”الرافد” في المراجعات الدستورية القادمة.

وشرح أن “إفريقيا ليست رافداً من روافد الهوية المغربية، بل مكوّن أصيل يُشكل جزءاً من الانتماء الجغرافي والثقافي والحضاري للشعب المغربي”.

ومن جانبها، أكدت ياسمين حسناوي أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية الدولية في الكويت على أهمية الحفاظ على المميزات الثقافية للتراث الحساني، مشددة على ضرورة إحداث مؤسسة متخصصة تعنى بهذا المكوّن الأصيل.

وأوضحت أن “هناك اليوم مؤسسات رسمية وموازية تعمل على تثمين وصيانة التراث الحساني، من أبرزها أكاديمية المملكة المغربية ووكالة الجنوب، اللتان أصدرتا العديد من الكتب والأبحاث في هذا المجال”.

وأشارت حسناوي إلى أن الموروث الحسانية بدأ يجد حيزاً في الفضاء الأكاديمي من خلال إدراجه في بعض الدروس الجامعية، إلا أن الجهود لا تزال محدودة، “فلا يوجد حتى اليوم مسلك مستقل أو تخصص جامعٍ يدرّس الثقافة الحسانية بشكل شامل في جامعة ابن زهر أو غيرها، رغم ما تتمتع به هذه الثقافة من ثراء في مجالات الفنون، والسياحة، والإعلام، والهوية الوطنية”.

وشددت على ضرورة وضع سياسة عمومية واضحة تجعل الثقافة الحسانية رافعة للتنمية المستدامة، من خلال إنشاء مؤسسة متخصصة تعنى بالبحث العلمي، وتوثيق التراث، وتطوير الصناعات الثقافية.

وأضافت أن تثمين هذا التراث يمكن أن يفتح آفاقاً واسعة في المجال الأكاديمي، عبر إدماجه في المناهج الوطنية وتدريسه باللغات الأجنبية مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، ما يعزز الترافع عن القضية الوطنية في المحافل الدولية.

كما لفتت الأستاذة الجامعية إلى إمكانية استثمار التراث الحساني في السياحة الثقافية، عبر إحداث مسارات سياحية تُعرّف بـ قصة الصحراء المغربية من خلال الشعر، والموسيقى، والأزياء التقليدية، ما يحوّلها إلى مورد اقتصادي وثقافي متكامل.

واختتمت بالتأكيد على أن الثقافة الحسانية ليست مجرد تراث يُستحضر في المناسبات، بل هي حاضر حي يُعاش يومياً وجسر يربط المغرب بعمقه الإفريقي.