story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
اقتصاد |

خبراء: الواقع الدولي يُكذب مزاعم ترامب عن “خدعة” الطاقات المتجددة

ص ص

أثار خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم الأربعاء 24 شتنبر 2025، جدلاً واسعاً، بعدما وصف الطاقات المتجددة بأنها “خدعة” و”مزحة” لا جدوى منها اقتصادياً. هذه التصريحات جاءت في وقت تتسابق فيه دول عديدة، من بينها المغرب، نحو الاستثمار في الطاقات النظيفة كخيار استراتيجي لمواجهة التغيرات المناخية وتقليص التبعية الطاقية.

وفي هذا السياق، أوضح الخبير الطاقي عبد الصمد ملاوي، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن تصريحات ترامب لا تعدو أن تكون خطاباً انتخابياً موجهاً إلى الداخل الأمريكي، موضحا أن هناك ثلاثة سياقات رئيسية تحكم هذه التصريحات، سياق سياسي انتخابي، وسياق اقتصادي، وسياق جيوستراتيجي، وهي الأبعاد التي تفسر الهدف من تقليل ترامب من شأن الطاقات المتجددة.

ووفق ملاوي، فإن السياق الأول، هو سياسي وانتخابي بحت، إذ يخاطب ترامب ولايات غنية بالنفط والفحم مثل تكساس، التي تشكل قاعدة انتخابية مهمة له، كما أنه مع اقتراب انتخابات جزئية لمجلس الشيوخ في 2026، يسعى الرئيس الأمريكي إلى ضمان ولاء هذه القاعدة الانتخابية، خصوصاً في ظل أزمة اقتصادية سببها سياساته الضريبية والحمائية.

أما السياق الثاني، حسب الخبير، فهو اقتصادي، بحيث لطالما اعتمدت الولايات المتحدة على الطاقة الأحفورية باعتبارها سلاحاً للتحكم في السياسة الدولية، ويرى ملاوي أن الرهان على الطاقات المتجددة يهدد هذه المكانة لصالح تكتلات اقتصادية صاعدة مثل الصين والهند ودول أخرى اعتمدت الطاقات النظيفة كمحرك لسياساتها.

في حين أن السياق الثالث، بحسب المتحدث، هو جيوستراتيجي، إذ أوضح أن خريطة التوازنات الدولية تشهد إعادة تشكيل عميقة، وموضوع الطاقات المتجددة بات مرتبطاً بقوانين دولية صارمة حول الالتزام بالمواثيق المناخية، ما يجعله محوراً رئيسياً في شد الحبل بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، الصين، وروسيا.

وفي مقابل ذلك، أكد الخبير أن الواقع الدولي يعاكس تصريحات ترامب، بحيث أن وكالة الطاقة الدولية أكدت أن الطاقات الشمسية والريحية أصبحت أرخص من الفحم والغاز بنسبة تفوق 70%، وهو ما يعكس التغير الكبير في كلفة إنتاج الكهرباء، كما أن البنك الدولي شدد على أن كل دولار يُستثمر في الطاقات المتجددة يخلق ثلاثة أضعاف الوظائف مقارنة بالمصادر الأحفورية.

ولفت ملاوي إلى أن الاستثمارات العالمية تثبت الجدوى الاقتصادية لهذه المشاريع، إذ تجاوزت تمويلات الطاقات النظيفة 1.8 تريليون دولار في 2023، وفق تقرير بلومبيرغ، مشيرا إلى أن ضخ مثل هذه المبالغ لا يمكن أن يتم في مشاريع غير مربحة أو عديمة الجدوى الاقتصادية.

كما أوضح أن تصريحات ترامب مرتبطة كذلك بلوبيات النفط والغاز التي تدعم الجمهوريين بمئات المليارات من الدولارات، إذ تراهن هذه الشركات على استمرار استغلال النفط كسلاح ضغط خارجي، وفي نفس الوقت تمثل ركيزة أساسية في تمويل الحملات الانتخابية لترامب وحزبه.

وبالنسبة للمغرب، يؤكد ملاوي أن التجربة أثبتت جدوى الاستثمار في الطاقات المتجددة، ذلك أنها ساهمت في تعزيز الأمن الطاقي والتقليل من التبعية للخارج، وأشار إلى أن المغرب حقق حاليا حوالي 44% من إنتاجه من المصادر المتجددة، في انتظار بلوغ الهدف الاستراتيجي المحدد في 52%.

كما لفت الخبير الطاقي إلى أن تقارير مؤسسات وطنية مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والمندوبية السامية للتخطيط، إلى جانب الوكالة المغربية للطاقة المستدامة، كلها تجمع على أن الطاقات المتجددة تمثل خيارا استراتيجيا للمغرب، بحيث تساهم في خفض عجز الميزان التجاري، وتدعم النمو الصناعي الأخضر، وتفتح آفاقاً ليصبح المغرب مصدراً للكهرباء الخضراء نحو أوروبا وإفريقيا.

ومن جانبه، قال رئيس مركز أوميغا للأبحاث الاقتصادية والجيوسياسية، سمير شوقي، إن خطورة تصريحات ترامب نابعة من عدم إيمانه بظاهرة الاحتباس الحراري من المبدأ، أكثر من اتهامه نجاعة تكنولوجيات الطاقات الريحية والطاقة الشمسية، مبرزا أن “الرجل لو كان يقصد عيباً في هذه التكنولوجيات لاقترح تطويرها أو تغييرها، لكنه جاء لأعلى منصة خطابة في العالم وقال أمام عشرات زعماء الدول إن ما يُطلَق عليه التحولات المناخية ما هو إلا مجرد احتيال”.

وقال شوقي، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، إن الرد على هذه التصريحات جاء سريعاً وعلى مستويين، إذ أنه في غضون 48 ساعة، أعلنت منظمة الأمم المتحدة عن تنظيم مؤتمر عالمي حول تفعيل حزمة من الأجوبة عن ظاهرة الاحتباس الحراري بمشاركة 83 دولة، من بينها أكثر الدول إنتاجاً للانبعاث الحراري.

وفي المستوى الثاني، أعلنت الصين أنها ستضاعف إنتاجها من الطاقات المتجددة، الريحية والشمسية، ست مرات بين 2025 و2035، وهو ما اعتبره شوقي موقفا يضحد بالكامل طرح الرئيس الأمريكي، على اعتبار أن الصين تعتبر من رواد الطاقات المتجددة اعتماداً على أحدث التكنولوجيات غير المستهلكة لكميات كبيرة من الطاقة.

وأشار المتحدث إلى أن “تصريحات ترامب كانت موجهة أساساً للداخل الأمريكي لطمأنة أوليغارشيا النفط والغاز التي تشكل أكبر لوبي في البلاد، الذي يصنع الرؤساء ويرسم القرارات الكبرى، وسبق أن دفع ترامب لإلغاء توقيع الولايات المتحدة على اتفاقية باريس للمناخ التي وقعها سلفه باراك أوباما”.

وشدد المصدر على أن هذه التصريحات التي تفتقد لكل سند علمي لن تؤثر في توجهات الدول نحو الطاقات المتجددة، وضرب مثالاً بالمغرب الذي استثمر في واحد من أكبر المشاريع المتجددة في العالم بمساهمة شركاء من السعودية وألمانيا، بهدف تأمين 52% من حاجياته الطاقية بحلول 2030.

وأكد في هذا الإطار، أنه رغم بعض التأخير الناتج عن تدبير وكالة “مازن”، إلا أن تقديرات الخبراء تشير إلى أن المغرب لن يتعدى سنة واحدة من التأخير، ما يمنحه آفاقاً لتجاوز 60% من حاجياته الطاقية بحلول 2040.