اعتراف الباراغواي بمغربية الصحراء.. خبراء يؤكدون أهمية مواقف دول أمريكا اللاتينية

انضمت الباراغواي يوم الاثنين 22 شتنبر 2025 إلى قائمة الدول في أمريكا اللاتينية التي تعترف بسيادة المغرب على صحرائه، معلنة في الوقت نفسه عن نيتها فتح قنصلية في الأقاليم الجنوبية للمملكة، وهو ما اعتبره خبراء حدثا يأتي في إطار دينامية دولية أوسع تعكس تحولات ملموسة في الموقف العالمي من القضية، مشيرين إلى أهمية الاعتراف نظرا لـ”الرمزية التاريخية” لمواقف شعوب أمريكا اللاتينية.
وفي السياق، رأى مصطفى الخلفي، الوزير السابق والباحث المتخصص في قضايا الصحراء، أن حدث اعتراف باراغواي بسيادة المغرب على الصحراء “لا ينبغي النظر إليه على أنه حدث معزول، بل هو جزء من سياق أوسع ودينامية دولية انطلقت منذ سنوات، أسفرت عن نتائج مهمة”.
وأوضح الخلفي في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن هذه الدينامية لم تتجسد فقط من خلال الاعتراف الرسمي بمغربية الصحراء، بل شملت أيضًا فتح قنصليات في دول مثل غواتيمالا وسورينام في 2022، وجمهورية الدومينيكان في 2023-2024، وقبلها السلفادور والإكوادور وبنما، ما أدى إلى عكس الاتجاه المعادي للمغرب الذي كان سائداً في أمريكا اللاتينية قبل عقد من الزمن.
وأشار إلى أن أغلب دول المنطقة لم تعد تعترف بالكيان الانفصالي، وهو ما يحمل قيمة معنوية كبيرة، ليس فقط من حيث تأثيره على مواقف هذه الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة، “بل أيضًا من الناحية الرمزية والتاريخية، نظرًا لمواقف شعوب أمريكا اللاتينية التي كانت تاريخيًا تنحاز للقضايا العادلة”.
وأكد الخلفي أن قضية الصحراء المغربية قضية عادلة، “فهي تمثل سيادة وطنية في مواجهة الاستعمار الإسباني، كما تمثل مواجهة لمحاولات التقسيم والتجزئة التي استهدفت المغرب”، مضيفًا أن “موقف باراغواي يعكس دعمًا لقضيتنا الوطنية ويعزز موقع المغرب الدولي”.
كما اعتبر أن توقيت هذا الاعتراف “ذو دلالة خاصة”، إذ يأتي قبل مناقشات مجلس الأمن حول قضية الصحراء، ويساهم في تعزيز الطرح المغربي بشأن اختصاص مجلس الأمن الحصري في هذا الملف، “ويشكل جزءًا من الجهود المعنوية لإقناع الدول الإفريقية بالمضي نحو طرد الكيان الانفصالي من الاتحاد الإفريقي”.
فيما اعتبر خبير الشؤون السياسية والعلاقات الدولية هشام معتضد أن هذا الاعتراف يمكن قراءته على أكثر من مستوى متداخل، دبلوماسيًا وجيوسياسيًا ورمزيًا، مؤكدا أن هذا القرار، وإن صدر عن دولة بعيدة جغرافياً عن شمال إفريقيا، يعكس تحولات عميقة في الخريطة الدولية، حيث لم تعد قضية الصحراء حبيسة فضائها الإقليمي، بل أضحت اختبارًا لموازين الشرعية الدولية وقوة الشراكات الاستراتيجية التي يبنيها المغرب عبر العالم.
وأشار معتضد إلى أن هذا الاعتراف يندرج ضمن دينامية متسارعة شهدت اعترافات متزايدة من دول في أميركا اللاتينية وإفريقيا وآسيا، مما يعكس نجاح الدبلوماسية المغربية في تحويل القضية من نزاع إقليمي محدود إلى ملف يحظى بإجماع متنامٍ.
وأضاف أن هذه الخطوة تعزز شرعية الخيار المغربي القائم على مبادرة الحكم الذاتي، وتشكل “ضربة استباقية” تعزز موقع الرباط في وقت تعيد فيه الأمم المتحدة ترتيب ملفاتها.
من زاوية أخرى، اعتبر الخبير أن الاعتراف يمثل “مكسبًا استراتيجيًا” في فضاء أميركا اللاتينية، “الذي كان تاريخيًا ساحة نفوذ للجزائر وحلفائها، ويتيح للمغرب زعزعة التوازنات القديمة وبناء شبكة دعم جديدة في منطقة سياسية كانت متأرجحة بين تأثيرات أيديولوجية يسارية ونفوذ تقليدي أوروبي”.
كما أكد أن الباراغواي، “رغم محدودية وزنها الدولي المباشر”، تعتبر جزءًا من تكتلات إقليمية مثل “ميركوسور”، ما قد يفتح الباب أمام نقاشات أوسع داخل منظومات إقليمية مؤثرة اقتصاديًا وسياسيًا. وأضاف أن “الاعتراف يكتسب بعدًا رمزيًا، إذ يُظهر أن العالم لم يعد يتعامل مع قضية الصحراء كمسألة معلقة، بل كخيار محسوم تتبناه دول عبر القارات، وهو ما وصفه بـ”قوة الصورة” التي توازي أحيانًا قوة النصوص القانونية”.
وأبرز معتضد أن “هذا الاعتراف يزيد الضغط على خصوم المغرب، خصوصًا الجزائر، ويضعها في عزلة متنامية، إذ يراكم المغرب الاعترافات الدولية بما يجعل كلفة المواقف الجزائرية أعلى”، وذلك في إطار تكتيك “التطويق الدبلوماسي”. كما يعزز هذا التطور صورة المغرب كشريك موثوق في قضايا الاستقرار والتنمية، ويزيد من وزنه الاستراتيجي في حسابات واشنطن وبروكسل وباريس.
وفي الختام، اعتبر الخبير أن المغرب لا يتعامل مع اعتراف الباراغواي كـ”واقعة منعزلة”، بل كجزء من “استراتيجية تراكمية” تهدف إلى تثبيت مشروعه خطوة بخطوة وبناء دعم دولي يعيد صياغة القضية في الأمم المتحدة، “ويجعل أي تسوية مستقبلية تدور في إطار مبادرة المغرب، وفق منطق الاستمرارية والبراغماتية الذي يميز الدبلوماسية المغربية”.