“القدس” بوصلة مغاربة أسطول الصمود لكسر الحصار عن غزة

وسط مياه البحر الأبيض المتوسط، تواصل السفينة المغربية “علاء الدين”، التي أطلق عليها اسم “القدس”، شق طريقها ضمن أسطول الصمود العالمي لكسر الحصار عن غزة، لليوم الثالث على التوالي، حاملة على متنها متضامنين من جنسيات مختلفة، معظمهم مغاربة.
السفينة التي أبحرت من ميناء سيدي بوسعيد، قبل 3 أيام، اختار طاقمها اسم “القدس” لهذه المهمة، لما يحمله من دلالة عميقة بالنسبة إلى المغاربة والمغرب الكبير، إذ يرون فيها بابهم وحارتهم المجاورة للمسجد الأقصى، وبلدتهم “عين كارم”، كما شاركوا تاريخياً في تحريرها من الصليبيين ضمن كتائب شكّلت ثلث جيش صلاح الدين. واليوم تبقى القدس بوصلة قلوبهم ونضالهم.
المغاربة على متن السفينة “قدس” ليسوا وحدهم في هذه المهمة التاريخية؛ فقد أبحرت توالياً سفينة “دير ياسين”، وعلى متنها الحقوقي عزيز غالي والناشط أيوب حبراوي، وكذلك سفينة “صمود” التي تحمل المحامي عبد الحق بنقادى، فيما ينتظر أن يبحر نشطاء آخرون على متن سفينة مغربية ثانية.
غير أن سفينة “دير ياسين”، ومعها بعض السفن الأخرى المشاركة في الأسطول، اضطرت إلى تحويل مسارها نحو السواحل الإيطالية بسبب عاصفة قوية. ويُرتقب أن تستأنف هذه السفن إبحارها باتجاه غزة بعد اجتماعها مع بقية سفن الأسطول، فور استقرار الأوضاع الجوية لضمان مواصلة المسار بشكل جماعي وآمن.
من على متن “قدس”، تروي الحقوقية خديجة الرياضي لصحيفة “صوت المغرب” تفاصيل حياتهم اليومية: “بعد الإبحار نام الجميع من شدة التعب جراء الانتظار الطويل في الميناء وفي ظروف صعبة. في اليوم التالي بدأنا بتنظيم حياتنا الجماعية: ترتيب الأمتعة، تنظيم المؤونة، تنظيف القارب، وحتى إصلاح أعطال كهربائية أشرف عليها مهندس مشارك معنا”.
بمجرد الاستقرار في عرض البحر، عقد المشاركون اجتماعاً لتوزيع المهام عبر لجان، بحسب الرياضي، ومن بين هذه اللجان كانت لجنة الحراسة التي تناوب عليها الشباب. وأشارت المتحدثة إلى أنها كانت في حالة تأهب قصوى بعد رصد مسيّرات في السماء قرب السفينة، لتبلغ الجهات المنظمة مع الالتزام بالمسطرة المتفق عليها.
أما على المستوى الصحي، فقد تعرض بعض المشاركين لدوار البحر، وتمكن الطاقم الطبي المكوَّن من طبيبين ومساعد من علاجهم بسرعة. كما نجحت السفينة صباح الأربعاء في التزود بالوقود من سفينة أخرى، وتبادلت مع سفينة ثالثة بعض المواد الغذائية في إطار التضامن بين أعضاء الأسطول.
ورغم أن البحر كان هادئاً حتى الآن، إلا أن المشاركين يستعدون لعبور منطقة قد يكون طقسها متقلباً. ومع ذلك، تؤكد الرياضي أن المعنويات مرتفعة والانسجام بين المشاركين كامل: “هدفنا الأساسي واضح: الوصول إلى غزة وكسر الحصار. سلامة الجميع مسؤوليتنا المشتركة، والجو على متن السفينة مليء بالتعاون والاحترام”.
وأعلن أسطول الصمود المغاربي عن إبحار السفينة الثالثة عشرة من مجموع 23، من الموانئ التونسية باتجاه قطاع غزة، في إطار جهود دولية لكسر الحصار الإسرائيلي المستمر على القطاع منذ 18 عاماً.
وانطلقت السفينة “فلوريدا”، التي حملت اسم الشهيد الصحافي أنس الشريف مراسل قناة الجزيرة، من ميناء قمرت، حيث تجمّع عشرات التونسيين تزامناً مع انطلاقها، رافعين شعارات من قبيل: “غزة رمز العزة”، “على غزة رايحين شهداء بالملايين”، “بالروح بالدم نفديك فلسطين”، و”فلسطين حرة والصهيوني على برا”.
ويندرج أسطول الصمود المغاربي ضمن “أسطول الصمود العالمي”، الذي يضم نحو 50 سفينة، بينها 23 من البلدان المغاربية و22 سفينة أجنبية، تشارك فيه وفود من أوروبا وأمريكا اللاتينية، بالإضافة إلى ناشطين من الولايات المتحدة، باكستان، الهند، وماليزيا.
وحتى مساء الأربعاء، كانت 17 سفينة أجنبية قد غادرت ميناء بنزرت باتجاه غزة، بينما أبحرت السفن المغاربية الـ13 من ميناءي قمرت وسيدي بوسعيد، ليبلغ مجموع السفن المنطلقة نحو غزة 30 سفينة.
أما النشطاء المغاربة فقد بدأ انطلاقهم ليلة الأحد ـ الإثنين 15 شتنبر الجاري من ميناء سيدي بوسعيد في تونس نحو غزة، مبحرين على متن السفينة المغربية “قدس”، التي تقل على متنها تسعة نشطاء مغاربة، هم: الحقوقيتان خديجة الرياضي وجميلة العزوزي، والمهندس عبد الرحيم الشيخي، والناشط أحمد ويحمان، والطبيبان جمال الدين البورقادي ومعاد المراكشي، إضافة إلى النشطاء عبد الله الدرازي وجعفر الحاوزي وزهير بن الشيخ.
ويرافق المتطوعين المغاربة في الرحلة نفسها ثلاثة نشطاء تونسيين، وناشطان أمريكيان، وناشطة بحرينية، وآخر عُماني.
وقالت الحقوقية خديجة الرياضي، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”: “انتظرنا هذه اللحظة بفارغ الصبر منذ أسبوعين. لن أقول إننا سعداء، لأن ما يحركنا هو غضبنا مما يمارس بحق الشعب الفلسطيني، وضميرنا الذي يفرض علينا القيام بكل ما نستطيع من أجل كسر الحصار عن غزة”.
وأضافت الرياضي، منسقة مجموعة “مغربيات ضد التطبيع”، أن أسطول الصمود جاء ردًّا على “صمت الحكومات المخزي، وغياب أي إرادة دولية لدى الدول والهيئات التي تملك القدرة على وقف هذه الإبادة”، مشددة على أنهم “يتفرجون عليها بشكل مخجل”.
وأكدت الناشطة المغربية أن هذه المبادرة الإنسانية “تطلبت مجهودات وإمكانيات كبيرة”، مشيرة إلى أن الهدف منها هو فك الحصار ووقف ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إبادة وتجويع. واعتبرت أنها تدخل في إطار النضال السلمي للشعوب من أجل الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني.
كما لفتت الرياضي إلى أن النشطاء التسعة الذين يمثلون وفدًا يضم أكثر من عشرين مغربيًا، “يبحرون اليوم بمعنويات مرتفعة”. وأكدت أنهم استعدوا جيدًا للمشاركة في هذه “المبادرة التاريخية غير المسبوقة حجمًا ونوعًا”، إلى جانب مئات النشطاء من جنسيات ومرجعيات دينية وفكرية مختلفة.
وختمت بقولها: “اتحدنا من أجل فلسطين، من أجل وقف الإبادة والتجويع، ومن أجل إدانة صمت أنظمة العالم حيال ما يتعرض له الشعب الفلسطيني”.
يذكر أن وزراء خارجية 16 دولة دعوا إلى احترام القانون الدولي وتجنب الأعمال غير القانونية ضد أسطول الصمود العالمي، الذي يهدف إلى إيصال المساعدات إلى غزة.
جاء ذلك في بيان صادر، الثلاثاء، عن وزراء خارجية قطر وتركيا وماليزيا والبرازيل وإسبانيا وكولومبيا وجنوب إفريقيا وإندونيسيا وأيرلندا وبنغلاديش وليبيا وجزر المالديف والمكسيك وباكستان وقطر وعُمان وسلوفينيا.
وأعرب الوزراء في البيان عن قلقهم بشأن أمن أسطول الصمود العالمي، الذي يشارك فيه مواطنون من بلدانهم، مشيرين إلى أن أسطول الصمود العالمي يهدف إلى إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وخلق وعي بشأن الاحتياجات الإنسانية العاجلة للشعب الفلسطيني وضرورة إنهاء الحرب الهمجية الإسرائيلية في غزة.
وأضاف البيان، “لذلك، ندعو إلى تجنب جميع الأعمال غير القانونية أو العنيفة ضد الأسطول، وإلى احترام القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي”.
وشدد على أن أي انتهاك للقانون الدولي، بما في ذلك الهجمات على السفن في المياه الدولية أو الاحتجاز غير القانوني، وأي انتهاك لحقوق الإنسان للمشاركين في الأسطول، سيؤدي إلى تحمل المسؤولية القانونية.