story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
تكنولوجيا |

في ذكرى تفجيرات “البيجر”.. خبراء يحذرون من تأخر الدول العربية في الحروب التكنولوجية

ص ص

في مثل هذا اليوم، 17 شتنبر 2024، هزّت سلسلة تفجيرات أجهزة “البيجر” لبنان، مخلفة وراءها مشاهد مأساوية لا تُنسى، فقد فجرت إسرائيل آلاف الأجهزة بشكل متزامن في الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق أخرى، مستهدفةً ما قالت إنه مواقع لعناصر حزب الله، إلا أن الأضرار طالت المدنيين الأبرياء.

وأسفرت الهجمات عن مقتل نحو 39 شهيدًا، بينهم طفلان، وإصابة أكثر من 2900 شخص، وفق بيانات وزارة الصحة اللبنانية، وقد امتلأت المستشفيات بمئات الجرحى، فيما هرع السكان إلى الشوارع بحثًا عن أحبائهم ومساعدة المصابين.

الكارثة، التي أُطلق عليها اسم “مجزرة الاتصالات”، ظهرت معها صور صادمة على مواقع التواصل الاجتماعي للجرحى والضحايا، بما في ذلك أطفال فقدوا أصابعهم وبصرهم بسبب الانفجارات، وكانت هذه الأحداث تمهد لعدوان إسرائيلي أضخم استهدف لبنان بعدها في حرب موسعة على حزب الله.

اليوم، وبعد مرور عام كامل على هذه التفجيرات، يحيي اللبنانيون ذكرى ضحايا “البيجر”، مستذكرين أولئك الذين فقدوا حياتهم وأولئك الذين ما زالوا يتعاملون مع آثار الجرح والإعاقة، وتظل هذه الذكرى رمزًا للمعاناة والدمار، لكنها أيضًا دعوة للتفكير في أشكال الحرب الجديدة، حيث باتت التكنولوجيا العسكرية تهدد المدنيين الأبرياء بطرق غير مسبوقة.

في هذا السياق، يرى الخبير الأمني محمد الطيار، في حديثه لصحيفة “صوت المغرب”، أن “مستقبل النزاعات لن يحسم بالسلاح التقليدي وحده، بل بقدرة الدولة على دمج التكنولوجيا المتقدمة ضمن استراتيجياتها الأمنية والاستخباراتية بشكل متوازن وفعال”.

واعتبر الطيار أن “تفجيرات أجهزة البيجر بلبنان شكلت نقطة مفصلية في فهم كيفية استخدام التكنولوجيا في النزاعات الحديثة، حيث يمكن القول إن طبيعة الحروب تتغير بسرعة، فرغم أن الحروب التقليدية، المعتمدة على المواجهات المباشرة والكتائب العسكرية، لم تختفِ بالكامل، إلا أنها تتقاطع بشكل متزايد مع حروب تكنولوجية تستخدم الطائرات بدون طيار، الحرب الإلكترونية، الذكاء الاصطناعي، وأنظمة الاتصالات والمراقبة المتقدمة”.

وأكد أنه “إذا استمر هذا التوجه في الاعتماد على التكنولوجيا في الحروب، فمن المتوقع ظهور سيناريوهات أمنية جديدة تشمل حروب هجينة تجمع بين العمليات التقليدية والتكنولوجية، وهجمات سيبرانية على البنى التحتية الحيوية، إضافة إلى تدخلات إعلامية واستراتيجية لتعطيل استقرار الدول، كما ستصبح القدرة على السيطرة على المعلومات وتحليلها أسرع وأكثر تأثيرا من امتلاك الترسانة التقليدية، ما سيغير بشكل جذري مفهوم الردع العسكري”.

وفيما يخص الدول العربية، أبرز الخبير أنها “تواجه العديد من التحديات نتيجة الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا في النزاعات، أولها الفجوة التكنولوجية وضعف الاستثمار في البحث والتطوير العسكري، ما يجعل بعض الدول غير قادرة على اللحاق بركب التحديث العسكري”.

“كما تتزايد المخاطر الناتجة عن الهجمات السيبرانية على البنى التحتية الحيوية مثل شبكات الكهرباء والمياه والاتصالات، ويضاف إليها اعتماد الأمن العسكري على الموردين الخارجيين للأسلحة والأنظمة التكنولوجية، ما قد يضع الأمن القومي في موقف هش أمام القيود السياسية والتقنية، إلى جانب التحدي الكبير المتمثل في تطوير الكفاءات البشرية المؤهلة لإدارة التكنولوجيا المتقدمة”، وفق تعبيره.

وفي هذا الصدد، أكد الطيار أن “الدول التي تتأخر في استيعاب هذه التكنولوجيات مهددة بخطر تجاوزها عسكريا، وعدم القدرة على حماية أمنها القومي بفعالية، ما يقتضي ضرورة تبني استراتيجيات وطنية متكاملة للاستثمار في التكنولوجيا العسكرية، البحث العلمي، والتدريب المتخصص، لضمان القدرة على المنافسة وحماية المصالح الوطنية”.

من جانبه، أكد الخبير الأمني محمد أكضيض، أن “السيطرة على التكنولوجيا المتقدمة والكفاءات البشرية المؤهلة لإدارتها أصبحت معياراً أساسياً لتحديد قوة الدولة ومكانتها على الساحة الدولية، وليس حجم السكان أو الموارد التقليدية وحدها”.

وأضاف أن “التكنولوجيا اليوم تمثل عنصراً محورياً في كل المجالات، لكنها تبرز بشكل خاص في الإنتاج الحربي، حيث تتحول الحروب إلى سباق نحو تكنولوجيا دقيقة تعكس جاهزية الدولة وقدرتها على الهيمنة والاستحواذ على مكانة متقدمة عالمياً”.

وأشار أكضيض إلى أن “الحروب التكنولوجية بين الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة، الصين، وروسيا، وكوريا الشمالية، تُظهر دور الأقمار الصناعية والأنظمة الذكية في جمع المعلومات والتحكم بالعمليات العسكرية بدقة فائقة، إذ أن هذه الأقمار تمثل عين الدولة التي لا تنام، وتجوب الفضاء لرصد وتحليل ما يلزم لتنفيذ الاستراتيجيات العسكرية بكفاءة، مستفيدة من الكفاءات البشرية المؤهلة لإدارة هذه التكنولوجيا”.

وأضاف أن “الجيوش تتبع اليوم مسارين متوازيين لتعزيز قدرتها التكنولوجية، الأول إنتاج تكنولوجيا حربية محلية لتعويض الاعتماد على الأسلحة التقليدية، والثاني دمج هذه التكنولوجيا الحديثة ضمن أسطولها العسكري مع بناء شراكات استراتيجية مع دول متقدمة، بما يضمن امتلاك أدوات عسكرية حديثة وموثوقة”.

وتابع أن “المزج بين الجيوش التقليدية والتكنولوجيا الحديثة أصبح ضرورة استراتيجية، حيث أن التقنيات المتقدمة، مثل طائرات الدرون والمقذوفات عالية الدقة، حسمت الكثير من النزاعات قصيرة المدى وأعاد ترتيب أولويات الأمن القومي للدول”.

وقال إن “معظم الدول العربية، وخاصة دول الخليج، ما زالت تعتمد بشكل كبير على مشتريات التكنولوجيا العسكرية من الخارج، في ظل تحديات الإنتاج المحلي وضعف الاستثمار في البحث والتطوير العسكري، مع استثناءات محدودة مثل مصر التي نجحت في تطوير بعض قدراتها المحلية ومواجهة التحديات الأمنية باستراتيجية مستقلة”، معتبرا أن “الاعتماد على الموردين الخارجيين يبقى عاملاً يفرض حدوداً على مرونة الأمن القومي”.

وأشار الخبير إلى تجربة المغرب، حيث أشاد بقدرة الجيش المغربي على حماية البلاد في النزاعات التقليدية، مع تطور ملموس في مجال التكنولوجيا العسكرية، مثل إنتاج الطائرات الدرون، شراء طائرات “أباتشي” الحديثة، والتخطيط للحصول على مقاتلات F-35 ودبابات “أبراهام”.

كما اعتبر أن “مناورات الأسد الإفريقي تمثل مدرسة للتدريب على مواجهة الهجمات الكيميائية والتهديدات الحديثة، إضافة إلى استثمار المملكة في الأقمار الصناعية، التي توفر مزايا استراتيجية في المراقبة والاتصالات، وهو ما من شأنه تعزيز القدرة الدفاعية والأمنية على المدى الطويل”.