حلف الفضول وأسـطول الصمود.. قراءة مقارنة في سياق نصرة المظلوم

تمهيد
تُشكّل مبادرات نصرة المظلوم إحدى الثوابت في التجربة الإنسانية، إذ تعكس نزوعًا فطريًا نحو العدل ورفضًا للظلم، سواء تم ذلك في إطار محلي محدود أو في سياق عالمي أوسع. وإذا كان التاريخ العربي قد عرف قبل الإسلام مبادرة بارزة في هذا الاتجاه تمثّلت في حلف الفضول بمكة، فإن الحاضر يشهد مبادرة أخرى ذات طبيعة كونية، هي أسطول الصمود العالمي المتجه إلى غزة، والذي يعبّر عن حراك مدني عابر للحدود يسعى إلى رفع الحصار المفروض على شعب يواجه إبادة جماعية. إن المقارنة بين الحلف والأسطول تكشف عن استمرارية القيم الأخلاقية عبر العصور، كما تبرز تحولات في المبادِرِين والدوافع والسياقات، وتفتح المجال أمام تأمل نقدي في موقع الدول العربية والإسلامية من قضية فلسطين اليوم.
الدوافع: من النخوة والشهامة إلى الحرية والكرامة
انعقد حلف الفضول في مكة بدافع النخوة والشهامة العربية، حين اجتمع زعماء من قريش بدار عبد الله بن جدعان بعد أن سُلب حقّ تاجر يمني غريب، فتعاهدوا على ألا يُظلم أحد في مكة إلا كانوا معه حتى تُرد مظلمته. لقد جسّد الحلف شعورًا إنسانيًا فطريًا بالعدالة، ارتفع فوق العصبية القبلية التي كانت سائدة آنذاك، حتى أثنى عليه النبي ﷺ لاحقًا وقال إنه لو دُعي إليه في الإسلام لأجاب. أما أسطول الصمود، فينطلق من دافع إنساني عالمي، يقوم على قيم الحرية والكرامة والعدالة، حيث تجمّع نشطاء مدنيون وبرلمانيون وشخصيات من قارات مختلفة لإيصال مساعدات إلى غزة وكسر الحصار الصهيوني غير القانوني. وبذلك فإن المبادرتين تشتركان في استلهام مبدأ نصرة المظلوم، وإن اختلفت اللغة المرجعية: لغة الشهامة والمروءة في الحالة الأولى، ولغة الحقوق الكونية والعدالة الإنسانية في الحالة الثانية.
المبادرة: مشركو مكة بالأمس والمجتمع المدني العالمي اليوم
من أبرز المفارقات أن حلف الفضول كان مبادرة صادرة عن مشركي مكة في القرن السادس الميلادي، وهم في مجتمع لم يعرف الرسالة السماوية بعد، لكنهم ارتقوا بقيمهم إلى مستوى الدفاع عن الغريب المظلوم. في المقابل، يأتي أسطول الصمود كمبادرة مدنية عابرة للديانات والجنسيات، يشارك فيها ناشطون من البرازيل والسويد وإيطاليا وإسبانيا وتونس والمغرب وغيرها، مدعومين بمؤسسات ومنظمات حقوقية عالمية، في وقت لم تتقدّم فيه الحكومات العربية أو الإسلامية بمبادرة مماثلة، بل انخرط بعضها في مسار التطبيع والمشاركة في محاصرة الفلسطينيين. إن هذه المقارنة تكشف عن تحوّل جوهري: ففي الجاهلية كان الانتصار للمظلوم ممكنًا رغم محدودية الوعي، بينما في زمن الدول الحديثة تتراجع المبادرات الرسمية لصالح مبادرات شعبية عالمية.
المفارقة التاريخية: من شرف الانتصار إلى صمت التواطؤ
تكمن المفارقة في أن زعماء قريش، رغم شركهم، تجرّؤوا على الانتصار لحق غريب مظلوم، بينما الأنظمة العربية والإسلامية في عصرنا لم تجرؤ على القيام بمبادرات عملية لنصرة الفلسطينيين المحاصرين، بل إن بعضها ساهم في تشديد الحصار عبر إغلاق المعابر أو توفير الغطاء السياسي للتطبيع. وفي المقابل، تبرز مجتمعات مدنية غربية وجنوبية تقود مبادرات تضامن واسعة تعكس ضميرًا إنسانيًا حيًّا. هذه المفارقة لا تقف عند حدود التوصيف، بل تطرح إشكالية الشرعية الأخلاقية للأنظمة العربية التي فقدت القدرة على تمثيل قيمها التاريخية، في حين يتولّى الغرباء القيام بالفعل الذي كان يفترض أن يكون في صميم هوية الأمة.
خاتمة
إن المقارنة بين حلف الفضول وأسـطول الصمود لا تُبرز فقط أوجه التشابه في القيم، بل تكشف أيضًا عن اختلافات حادة في المبادِرِين والسياقات. ففي الجاهلية بادر المشركون إلى نصرة المظلوم، بينما اليوم يتولّى نشطاء مدنيون من خارج العالم العربي الدفاع عن حقوق الفلسطينيين في وقت تصمت فيه الحكومات العربية والإسلامية أو تتواطأ مع الاحتلال. هذه القراءة المقارنة تدفع إلى إعادة النظر في موقع القيم الأخلاقية ضمن الفعل السياسي العربي المعاصر، وتفتح سؤالًا وجوديًا حول معنى العروبة والإسلام إذا لم يُترجما إلى مواقف عملية لنصرة المظلومين.
*ابراهيم بومسهول