إسرائيل تستبيح العواصم العربية.. خبراء: لا عاصمة في مأمن من الهجمات

تزايدت المخاوف في العالم العربي والإسلامي من تغوّل إسرائيل وتحولها إلى قوة مهدِّدة لأمن واستقرار المنطقة، بعد أن باتت تستبيح سيادة عواصم عربية وإسلامية دون استثناء، من دمشق وبيروت وصنعاء، قبل أن تطال هجماتها الأخيرة العاصمة القطرية الدوحة في محاولة لاغتيال قادة حماس.
ويؤكد خبراء ومحللون أن أي عاصمة في المنطقة لم تعد في منأى عن استهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي يجاهر بعقيدته القائمة على الضرب في أي مكان يرى فيه تهديدًا لمصالحه أو لمشروعه التوسعي.
وفي السياق، قال أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، عبد العالي حامي الدين، إنّ إسرائيل اعتادت استباحة عدد من العواصم العربية، من دمشق وبيروت وصنعاء وصولًا إلى تونس قبل أيام قليلة.
غير أنّ استهداف قطر، باعتبارها وسيطًا معترفًا به من جميع الأطراف وتشرف رسميًا على مسار التفاوض، يشكّل بحسبه “رسالة واضحة” إلى الدول العربية، خاصة تلك التي تندرج ضمن ما يسميه نتنياهو بـ”إسرائيل الكبرى”.
وأثار هذا العدوان الإسرائيلي على قطر، الثلاثاء 9 شتنبر 2025، استنكاراً إقليمياً ودولياً واسعاً،حيث أصدرت دول عربية وإسلامية عديدة بيانات أعربت فيها عن إدانتها الشديدة للهجوم، بما فيها المغرب والسعودية ومصر والعراق، إلى جانب كل من تركيا وإيران.
عقلية “العربدة والغطرسة”
وأضاف حامي الدين في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” أنّ “المعضلة الحقيقية التي تؤرق قادة الاحتلال ليست في توجيه الضربات العسكرية، بل في فشلهم في القضاء على المقاومة، التي ما تزال قادرة على تنفيذ عمليات نوعية سواء في غزة المدمّرة أو حتى داخل الأراضي الفلسطينية، كما وقع في عملية القدس الأخيرة”.
وأوضح المتحدث أنّ “ما يجري اليوم يعكس من جهة عقلية “العربدة والغطرسة” وتصريف فائض القوة في الإقليم لتثبيت عقيدة “الوطن الآمن” لدى المستوطنين اليهود، الذين يعيشون لأول مرة حربًا متواصلة لقرابة سنتين. ومن جهة أخرى، يُبرز حجم المأزق الوجودي الذي يواجهه قادة الاحتلال، وعلى رأسهم نتنياهو، بعد فشلهم في تركيع المقاومة أو تهجير الشعب الفلسطيني خارج أرضه”.
وشدّد حامي الدين على أنّ المطلوب عربيًا هو الدعم السياسي المباشر للشعب الفلسطيني، عبر تضييق الخناق على الكيان المحتل بقطع العلاقات السياسية والاقتصادية معه، ووقف كل أشكال التطبيع، والعمل على عزله في المحافل الدولية.
كما دعا إلى المطالبة بتفعيل قرارات المحكمة الجنائية الدولية لإلقاء القبض على نتنياهو وغالانت، ومطالبة محكمة العدل الدولية بالبت النهائي في ملف جريمة الإبادة الجماعية المعروض أمامها.
وختم أستاذ العلوم السياسية تصريحه بالتأكيد على أنّ “هذه الوصفة لم تُجرّب بعد من طرف الدول العربية”، محذرًا من أنّ استمرار التردد سيجعلها في “مأزق أخلاقي” أمام شعوبها، وفي موقع هشّ أمام عدو “لا عهد له ولا ميثاق”.
إسرائيل تستهدف الجميع
من جانبه، قال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، خالد الشيات، إنّ السياسة الخارجية الإسرائيلية باتت محكومة بقواعد جديدة تقوم على منطق القوة والتفوق العسكري، أكثر مما تستند إلى الأعراف والقيم التي دَرجت عليها العلاقات الدولية التقليدية.
واعتبر الشيات في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” أن هذا التوجه أضحى محددًا أساسيًا في سلوك إسرائيل الخارجي، مضيفًا: “لا توجد عاصمة معصومة من التدخل الإسرائيلي، ولا مجال محصّن ضد تأثيره. فحيثما توفرت الظروف، ستعتبر إسرائيل التدخل مناسبًا لها، وإذا كان مناسبًا لها فهو بالضرورة مناسبًا للولايات المتحدة أيضًا، ولمن يمتلك القوة الكافية لتفعيل رؤيته الأكثر تشددًا في عالم يتجه نحو تبني مثل هذه القيم المتطرفة”.
وأوضح الأستاذ الجامعي أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تُعدّ الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، إذ لا تنطلق من أسس المصالح المتبادلة أو تقدير العلاقات بين الدول، بقدر ما تُوجَّه بأسطورة يكرّسها اليمين الديني المتطرف، المستمد من مرجعيات سلفية في اليهودية تقوم على فكرة “القيامة اليهودية”.
وأشار المتحدث إلى أن هذا التوجه يغفل عن التحولات الكبرى التي عرفها العالم في مجال قيم الحرية والعدالة وحقوق الشعوب، ويرتكز بدلًا من ذلك على قناعة مفادها أنّ ما يحكم النظام الدولي هو التفوق الاستراتيجي العسكري الإسرائيلي، والسعي إلى تحقيق ما يُسمى بـ”إسرائيل الكبرى”، عبر تفكيك كل المنظومات التي يمكن أن تشكّل عائقًا أمام هذا المشروع، سواء كانت دولًا أو كيانات أو جماعات بشرية.
وفي السياق ذاته، لفت الشيات إلى أنّ هذا المنهج يجد صداه أيضًا في سياسات بعض القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، حيث تعزز نفوذ اليمين المسيحي المتشدد الذي يتبنى بدوره أفكارًا دينية متطرفة، من بينها ما يُعرف بـ”القيامة الكبرى”.
ولم تتوانى إسرائيل في توعد كل من يعادونها بأنهم لن يكونوا قادرين على “الاختباء” في أي مكان، غداة شنها غارات استهدفت قادة حركة حماس في الدوحة وقوبلت بانتقادات نادرة وجّهها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو كون قطر دولة حليفة للولايات المتحدة.
وقال وزير الدفاع يسرائيل كاتس عبر منصة إكس “سياسة الأمن الإسرائيلية واضحة، يد إسرائيل الطولى ستعمل ضد أعدائها في أي مكان، لا يوجد مكان يمكنهم الاختباء فيه”.