خبير: الاستثمار في الإنسان شرط أساسي لاستدامة الملاعب والبنيات التحتية الرياضية – حوار

بعد مشاهد الفرحة العارمة التي رافقت فوز المنتخب المغربي أمام النيجر يوم 05 شتنبر الجاري في مباراة افتتاح المركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله بحلته الجديدة، والذي تحوّل إلى واجهة رياضية بمعايير عالمية بعد استثمارات ضخمة في البنية التحتية والتجهيزات، طفا مشهد آخر أقل بريقاً تم تداوله على نطاق واسع يظهر نزول عدد من الجماهيير إلى أرضية الميدان بعد نهارية المباراة، بالإضافة إلى مشاهد تظهر أكوام من الأزبال والمخلفات البلاستيكية في المدرجات.
هذه المشاهد دفعت العديد من المراقبين إلى طرح أسئلة حول نصيب الإنسان من استثمارات المغرب استعدادا لتنظيم التظاهرات الرياضية الكبرى، وعلى رأسها كأس العالم 2030، مشددين على أهمية أن يواكب سلوك الجماهير طموح المملكة في التحول إلى وجهة عالمية قادرة على تنظيم مثل هذه المناسبات.
في ظل هذه المفارقة بين استثمار المغرب في بنيته التحتية الرياضية، وسلوكيات بعض الجماهير التي تترك ظلالها الثقيلة، ارتأت صحيفة “صوت المغرب” إلى فتح هذا الحوار مع عبد الرحيم بورقية أستاذ باحث في سوسيولوجيا الرياضة، الذي أكد أن تشييد ملاعب كبرى وتجهيزات حديثة لن يكون كافياً ما لم يواكبه استثمار حقيقي في الإنسان، محذرا من أن ضعف الوعي والمسؤولية الجماعية يجعل هذه المشاريع مهددة بالتدهور والزوال.
وفي ما يلي نص الحوار:
- كيف تفسرون، من زاوية سوسيولوجية، المشاهد التي أعقبت مباراة افتتاح ملعب مولاي عبد الله؟
هذا السلوك يعكس بشكل عام علاقة المغاربة بالفضاء العمومي وطريقة تعاملهم معه، حيث تكشف الممارسات داخل الملعب عن ذهنية راسخة مفادها أن “هذا المكان ليس بيتي، ولا يخصني، بل هو فضاء مشاع للجميع”، وبالتالي يغيب الحرص على صيانته والاعتناء به.
ويتجلى هنا ضعف واضح في الوعي بأهمية المِلكية الجماعية، إذ يسود الاعتقاد الخاطئ بأن الفضاء العمومي ملك للدولة فقط، في حين أنه ملك لجميع المغاربة، ما يستوجب الحفاظ عليه اليوم وغرس قيم وممارسات إيجابية تضمن استدامته للأجيال القادمة.
إن تراكم الأزبال في الملعب أو في أي فضاء عمومي يعكس صورة المجتمع، فهذه الممارسات السلبية تكشف عن غياب الحس الجماعي لدى من يتصرف بهذا الشكل، والذي بدوره يعبر عن مستوى التربية والأفكار التي يحملها الفرد. وكما يقال دائماً: كل إناء بما فيه ينضح.
- كيف تقيمون المستوى الحالي للاستثمار في الإنسان، وهل ترون أنه يرقى إلى مستوى المشاريع الاقتصادية التي انخرط فيها المغرب استعدادا لاحتضان التظاهرات الكبرى؟
سبق أن تناولت هذا الموضوع عقب إعلان صاحب الجلالة عن تنظيم المغرب لكأس العالم، حيث شددت على أن العمل على التجهيزات والبنيات التحتية يجب أن يتوازى مع الاستثمار في الرأسمال البشري.
وكنت أتمنى لو بدأنا هذا الورش منذ عقد أو عقدين، غير أن الأهم هو أن المسؤولين عن تدبير الشأن العام باتوا اليوم يدركون أن ضعف الاستثمار في الإنسان يجعل هذه المشاريع غير قابلة للاستدامة.
بدون رأسمال بشري مؤهل وواعٍ بحقوقه وواجباته تجاه الملك العمومي، ومدرك لما له وما عليه، فإن كل هذه البنيات والتجهيزات سيكون مصيرها التدهور والزوال.
إن التنمية التي لا تضع الإنسان في مركزها تبقى ناقصة بشكل كبير، لأن التوسع في العمران والبنيان أمر مهم، لكنه يظل بلا روح إذا لم يكن العامل البشري معنياً ومؤهلاً للانخراط في هذا المسار.
- ما النتائج الاجتماعية والثقافية لغياب برامج للتربية والتوعية مرافق للاستثمارات الرياضية الحالية؟
من المؤكد أن مثل هذه الممارسات تفقد المرفق والفضاء الرياضي ميزتهم ودورها الأساسي في خلق جو من الألفة الاجتماعية، والتواصل، والاحتفال، والتغني الجماعي، لا الفردي كما يفعل بعض أصحاب “السيلفي” و”الستوريات”.
إن اللحظات التي عشناها وشهدناها تعكس بوضوح النقص أو الغياب شبه الكلي للتربية بشكل عام، بما في ذلك التربية البيئية. وهنا تبرز المسؤولية الكبرى للفاعلين الأساسيين في عملية التنشئة الاجتماعية: الأسرة، المدرسة، دور الشباب، الأندية، وسائل الإعلام وغيرهم.
ومن الضروري أن تكون البرامج التثقيفية والتربوية موازية للسياسات الرياضية داخل المؤسسات التعليمية، وعدم خلق فضاءات يلتقي فيها الأقران مع مؤطرين ومربين وفاعلين اجتماعيين أكفاء، يجعل من الصعب مواجهة التمثلات الثقافية السائدة والأفكار الهدامة، التي تنعكس في الممارسات اليومية السلبية مثل رمي الأزبال في الشوارع، أو التخريب العشوائي للمرافق العامة، أو نزع الأشجار والنباتات.
- برأيكم، ما هي الحلول العملية التي يمكن أن ترفع وعي الجماهير اتجاه الفضاءات الرياضية؟
إن تعزيز وعي الجماهير بقيمة الفضاءات الرياضية يمر أولاً عبر غرس قيم إيجابية في السلوك الجمعي، على رأسها إدراك أن هذا الفضاء ملك لنا جميعاً، وليس ملكاً للدولة وحدها. فهو ليس مجالاً لتفريغ الشحنات السلبية أو المكبوتات أو الردود الانفعالية الناتجة عن ممارسات سابقة لفاعلين آخرين، بل هو ملك عمومي يتطلب رعاية واعتناء دائمين.
ولا شك أن الردع والزجر من خلال فرض غرامات على المخالفين أمر محمود، غير أن المقاربة التربوية والتوعوية تظل أساسية وجوهرية. وهنا يبرز الدور المحوري للفاعلين الأساسين في التنشئة الاجتماعية: الأسرة، المدرسة، الأندية، دور الشباب، المؤسسات المختلفة، إضافة إلى الإعلام. كما أن فتح قنوات للحوار والتشاور بشكل تشاركي، وتنظيم ورشات للتوعية حول كيفية تدبير الفضاءات، كلها خطوات ضرورية لترسيخ هذا الوعي.
إن الرهان الحقيقي يكمن في تضافر الجهود وتكامل الأدوار بين مختلف الفاعلين من أجل هدف واحد: تقديم صورة إيجابية عن المغرب والمحافظة على الفضاء الرياضي باعتباره ليس مجرد مكان للفرجة، وإنما فضاء مدنياً يعكس تعامل شعب بأكمله يجسد مدى نضج المجتمع في تعاطيه مع الملك العمومي. وهنا يتحمل كل فرد مسؤوليته، سواء بشكل فردي أو جماعي، كما يجب أن يكون عرضة للمحاسبة على سلوكاته.
ومن المهم أيضاً ربط الفضاء الرياضي بقيم الانتماء للوطن، من خلال توفير المرافق الصحية وتجهيزات القمامات والولوجيات بما يحفظ الكرامة الجماعية، وهو أمر ضروري لترسيخ السلوك الحضاري. لأن التحدي اليوم هو بناء حس جماعي قائم على المواطنة البيئية عبر التربية، والسياسات العمومية، وانخراط المجتمع المدني برمته. إذ أن المجال العام ليس ملكاً لشخص بعينه، بل هو مرآة لقيمنا المشتركة وصورتنا الجماعية.
والعمل في هذا الاتجاه يجب أن يكون قاعدياً، يبدأ من اليوم مع الأطفال واليافعين، لا فقط استعداداً لمونديال 2030، بل من أجل المستقبل. فالغرض هو خلق لٌحمة وطنية متينة، تضع أسس المغرب الذي نطمح إليه ونتركه لأبنائنا وبناتنا، قائماً على المواطنة الحقة، وحب الوطن، والثقة في الذات، و متماسك البنيان، وقادراً على مواجهة التحديات المستقبلية بثبات ورصانة.
سناء الأحبابي – صحافية متدربة