الدخول المدرسي يفتح نقاشًا حول تأثير الألعاب الإلكترونية على التلاميذ

مع انطلاق الموسم المدرسي الجديد، يعود النقاش مجددا حول تأثير الألعاب الإلكترونية على القدرات الإدراكية للتلاميذ ومستوى تحصيلهم الدراسي إلى الواجهة، خصوصا مع وصول الأمر إلى البرلمان، من خلال سؤال كتابي إلى وزير الشباب والثقافة والتواصل حول المخاطر المرتبطة بالألعاب الإلكترونية والإجراءات الحكومية المرتبطة بها.
ويشير المختصون إلى أن هذه الألعاب، خصوصًا خلال فترات العطلة الصيفية، يمكن أن تتحول إلى إدمان يؤثر سلبًا على التركيز والنوم والتحصيل الدراسي للتلاميذ، ما يطرح تحديًا أمام الأسر والمؤسسات التعليمية على حد سواء.
وفي السياق، اعتبر المختص الاجتماعي حمزة بن سعيد أن تأثير الألعاب الإلكترونية على التلاميذ “أصبح واقعًا معاشًا لا يمكن إنكاره”، مشددًا على أن المطلوب تجاوز محاربة هذه الظاهرة بشكل كلي، وإنما البحث عن سبل للتقليص من آثارها السلبية، وإيجاد حلول بديلة تساعد على التعايش معها بأقل الأضرار.
العطلة بيئة للإدمان
وأوضح بن سعيد في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” أن العطلة الصيفية تمثل فترة حاسمة في هذا السياق، إذ تمتد لأسابيع طويلة، فيجد التلاميذ أنفسهم أمام فراغ كبير، ما يدفعهم إلى قضاء ساعات طويلة أمام الألعاب الإلكترونية، خصوصًا بعد موسم دراسي مليء بالامتحانات والضغوط، فيتحول اللعب من متنفس إلى إدمان يصعّب عليهم العودة إلى وتيرة الدراسة مع الدخول المدرسي.
ولفت المتحدث إلى أن أبرز الانعكاسات السلبية لهذا الإدمان تظهر في اضطراب النوم، بحيث يسهر التلاميذ حتى ساعات متأخرة من الليل ويقضون النهار في اللعب، مما يخلّ بتوازنهم الطبيعي. كما يؤدي الأمر إلى ضعف التركيز داخل الفصل، إهمال الواجبات المدرسية، والتأثير السلبي على التحصيل المعرفي.
ورغم إقراره بوجود بعض الإيجابيات للألعاب الإلكترونية، مثل تنمية سرعة البديهة ومهارات التنسيق بين العين واليد، أكد بن سعيد أن سلبياتها “تبقى أكبر بكثير، خاصة حين يتعلق الأمر بالألعاب العنيفة”، مثل ”فري فاير” (Free Fire) و “بابجي” (PUBG).
وشدد المختص الاجتماعي على أن مسؤولية الحد من هذه الظاهرة تقع بالدرجة الأولى على عاتق الأسر، من خلال ضبط سلوك الأبناء وتقليص ساعات اللعب إلى ساعة واحدة يوميًا على الأكثر، حفاظًا على توازنهم النفسي والدراسي.
وكشف بن سعيد أنه عايش شخصيًا داخل المؤسسة التي يعمل بها حالات عديدة لتلاميذ مدمنين على هذه الألعاب، “إذ واجهنا صعوبات كبيرة في إيجاد حلول دون تدخل الأسر، فاضطررنا إلى التواصل مع أولياء الأمور وتنظيم جلسات توعية للتلاميذ، غير أن بعضهم كان يحضر إلى الفصل مرهقًا لدرجة النوم أثناء الحصص، بعدما قضى الليل بأكمله أمام لعبة إلكترونية”.
مشاكل صحية
من جانبها حذرت الأخصائية النفسية والباحثة في علم النفس الاجتماعي، بشرى المرابطي، من الإفراط في استخدام الألعاب الإلكترونية بين الأطفال والمراهقين، مشيرة إلى أن هذه الألعاب، رغم إيجابياتها، قد تؤدي إلى مشاكل صحية ونفسية تصل إلى حد الإدمان عند اللعب لفترات طويلة، أي أكثر من ساعتين يومياً.
وأوضحت المرابطي، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن الألعاب الإلكترونية تؤثر على الأطفال من عدة نواحٍ، منها تأثير الشاشة والألوان الزرقاء، بالإضافة إلى مضمون اللعبة الذي يلعب دوراً في نمو دماغ الطفل، خاصة قبل سن السابعة.
وقد أشارت الدراسات إلى أن الإفراط في هذه الألعاب قد يسبب تأخير النمو اللغوي، والنمو العقلي، وضعف التفاعل الاجتماعي، لذلك يُمنع الأطفال المصابون بالتوحد من التعامل مع الأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف أو الأجهزة اللوحية أو الحواسيب.
وأبرزت أن الألعاب تؤثر أيضا على تركيز الطفل والمراهق، إذ تتطلب تركيزاً عالياً جداً، ما يقلل انتباههم في المدرسة، ويؤدي أحياناً إلى الشرود وضعف النشاط، بسبب استنزاف الألعاب لطاقة الطفل والمراهق.
وأكدت المرابطي ضرورة تهيئة الطفل للروتين المدرسي قبل العودة إلى المدرسة بأسابيع، من خلال ضبط ساعة النوم تدريجياً لتعود إلى أوقاتها الطبيعية، مشددة على أنه خلال فترة الدراسة، ينبغي ألا تتجاوز مدة اللعب نصف ساعة بعد العودة من المدرسة في أيام الأسبوع، وساعة واحدة في عطلة نهاية الأسبوع.
كما شددت الأخصائية النفسية على مراقبة مضامين الألعاب الإلكترونية، خاصة تلك التي تحتوي على عنف أو تحديات خطيرة، والتي قد تؤثر على السلوك النفسي للطفل، وقد تصل أحياناً إلى إيذاء النفس أو الانتحار.
وأشارت المرابطي إلى أن بعض الأطفال والمراهقين في دول آسيا انخرطوا في الألعاب الإلكترونية لدرجة نسيانهم للطعام أو النوم، بسبب طبيعة الألعاب التي تقدم جوائز مستمرة وتحديات يومية، وأحياناً تتطلب اللعب ضمن شبكات عالمية مع لاعبين مجهولين، مما يجعل الانسحاب صعباً ويولد شعوراً بالفشل.
على طاولة البرلمان
وفي هذا السياق، وجه المستشار البرلماني عن الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، خالد السطي، سؤالا كتابيا إلى وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، بشأن المخاطر المرتبطة ببعض الألعاب الإلكترونية التي تحظى بانتشار واسع بين الأطفال واليافعين، من بينها “روبلوكس” (Roblox) و”فري فاير” (Free Fire).
وأكد السطي أن الوضع الحالي يثير قلقا متزايدا لدى العديد من الأسر المغربية بسبب التأثيرات السلبية لهذه الألعاب على السلوك والتوازن النفسي والتحصيل الدراسي للأطفال، خاصة أن بعضها يتضمن مضامين تحرض على القتل أو الانتحار.
وأوضح أن هذه الألعاب، رغم شعبيتها الكبيرة، تثير مخاوف جدية بسبب ما تتضمنه من مظاهر عنف وسلوكيات عدوانية، فضلا عن احتمال تعريض الأطفال لمحتويات غير مناسبة أو مخاطر التحرش والاستغلال عبر الإنترنت.
وأشار المسؤول البرلماني إلى تقارير وتحقيقات دولية كشفت بشكل خاص عن خطورة لعبة “روبلوكس”، لكونها تتيح للأطفال التفاعل مع بالغين في فضاءات افتراضية لا تتناسب مع أعمارهم، في ظل غياب أدوات رقابة أبوية فعالة.
وطالب السطي الوزير بنسعيد بتوضيح التدابير التي تعتزم الحكومة اتخاذها لحماية الأطفال من هذه المخاطر، كما تساءل عن الخطط المعتمدة لمراقبة المحتوى الرقمي الموجه للناشئة، والإجراءات الرامية إلى تعزيز التربية الرقمية لدى الأطفال وأوليائهم.