جبرون : محمد الخامس.. السلطان الذي فاجأ الاستعمار وأيقظ المغرب الحديث

اعتبر المؤرخ والمفكر امحمد جبرون، أن شخصية السلطان محمد بن يوسف، الذي سيسمى لاحقا بالسلطان محمد الخامس، بأنه أحد “فلتات الزمن الجميل” التي لم تكن فرنسا الاستعمارية تتوقعها، مبرزا أن نفيه “لم يكن مجرد قرار إداري، و إنما كان الشرارة التي فجّرت التحام الشعب بملكه، وأسقطت رهان المخزن التقليدي”.
وقال جبرون، أثناء حلوله ضيفا على برنامج “ضفاف الفنجان” الذي يبث على نصات صحيفة “صوت المغرب”، (قال) “حين جلس الشاب السلطان على العرش بعد وفاة والده المولى يوسف، كان هاجس سلطات الحماية اختيار شخصية يسهل التحكم فيها وتوجيهها لخدمة المشروع الاستعماري، غير أن رهاناتها سرعان ما خابت، إذ بدا محمد الخامس في بداياته مطيعا”، لكن المفاجأة – كما يقول جبرون – “أنه تحول سريعا إلى مقاوم شرس لسياسات الاستعمار، ومدافع عن الشرعية التاريخية للملكية”.
وأضاف جبرون أن من أبرز ما أثر في شخصية السلطان الشاب هو انفتاحه على محيطه وعدم عزلته داخل أسوار القصر، فقد كان متقارب السن مع قادة الحركة الوطنية مثل علال الفاسي، أحمد بلفريج، المهدي بن بركة، وغيرهم من النخب المتعلمة.
ويضيف جبرون أن “سلطات الحماية حاولت عزله والتحكم في اتصالاته، لكنها فشلت، فوجد نفسه منفتحا على حقائق أخرى؛ في مقدمتها تشبث المغاربة العميق بالملكية، وهو ما أسس لثقة متبادلة بينه وبين الوطنيين، حتى حين كان السلطان يُكره على توقيع بلاغات ضد الحركة الوطنية، كان هؤلاء يلتمسون له العذر معتبرين أنه واقع تحت ضغط شديد”.
وأوضح جبرون أن “ارتباط محمد الخامس بجيل الشباب المتعلم ميزه عن أسلافه، حيث عاش جيله أحداثًا كبرى من قبيل مقاومة الريف بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي، آثار الحربين العالميتين، بالإضافة إلى صعود خطاب سياسي جديد يحمل مفاهيم جديدة عن الوطن والإصلاح والنهضة، كلها عوامل صاغت سلطانا مختلفا عن المولى يوسف، وجعلت محمد الخامس يتبنى لغة سياسية حديثة لم تكن مألوفة في القاموس التقليدي للمخزن”.
واعتبر المؤرخ أن تلك المرحلة شهدت تحولا جوهريا، حيث أن السلطان “لم يعد فقط رمزا تقليديا يستمد شرعيته من البيعة، بل صار جزءا من برنامج نضالي تبنته الحركة الوطنية”، حيث “دافعت النخب الجديدة عن صلاحيات السلطان ضد تجاوزات سلطات الحماية، وفي المقابل وجد فيها محمد الخامس سندا ومتنفسا”، مما أسس “لعقد سياسي جديد” يمهد لملكية حديثة.
وأشار جبرون إلى أن لحظة طنجة سنة 1947 كانت فاصلة في علاقة محمد الخامس بسلطات الحماية، ففي خطابه هناك أعلن انتماء المغرب إلى الجامعة العربية، وأكد حقه في الاستقلال والكرامة، ناسفا الأسس التي قامت عليها الحماية الفرنسية.
وأضاف جبرون “منذ تلك اللحظة بدأت الإدارة الاستعمارية تعتبره خصما لمشروعها، خاصة مع تصاعد شعبيته التي نقلت مركز الثقل السياسي من البادية – حيث اعتمدت فرنسا على القياد والزوايا – إلى المدن، التي أصبحت بؤرة التمرد والمقاومة الجديدة”.
وسجّل جبرون أن فرنسا، رغم سعيها، لم تجد بديلا خارج الأسرة العلوية، فخططت لإزاحة محمد الخامس وتنصيب محمد بن عرفة، محاولة تكرار سيناريو التنازل الذي جرى مع المولى عبد الحفيظ، إلا أن محمد الخامس رفض صفقة العيش “معززا مكرما” في المنفى، معتبرا الأمر “أمانة في عنقه لا يتخلى عنها”، وهو ما عزز مكانته في وجدان المغاربة، “بينما انكشفت خيانة كبار رجال المخزن الذين وقعوا عرائض العزل وساندوا الاستعمار أمثال الباشا الكلاوي و المقري و غيرهم”.
وأفاد المؤرخ أن نفي محمد الخامس فجر غضبا عارما داخل المغرب، ليبدأ التحول نحو الكفاح المسلح الذي سمي “العمل الإيجابي” الذي قاده جيل جديد من المقاومين مثل علال بن عبد الله، محمد الزرقطوني، الفقيه البصري وغيرهم، مستخدمين وسائل بسيطة، من عبوات يدوية إلى مسدسات مهربة من الشمال، حيث “استطاعوا بفضل المقاومة إعادة فرض القضية المغربية على الطاولة الدولية، وجعلوا فرنسا تدرك خطأها الاستراتيجي في نفي محمد الخامس”.
وأوضح جبرون أن ثلاثة عوامل لعبت دورا محوريا في هذا التحول ، تتمثل في التعليم الحديث الذي ساهم في تكوين نخب واعية، سواء في مدارس الحركة الوطنية أو في المعاهد الفرنسية، “كما أنتج جيلاً من القادة السياسيين الذين عرفوا كيف يوظفون الفكر الحديث في مواجهة الاستعمار”.
ثاني هذه العوامل، يضيف جبرون، الصحافة العربية القادمة من المشرق التي غذّت الفكر السياسي المغربي وربطته بحركات التحرر في العالم العربي، مبرزا أن ثالث العوامل يرتبط بوسائل الإعلام والإذاعة ، “فبالرغم من التضييق استطاعت الحركة الوطنية كسر جدار الصمت الذي فرضته فرنسا، من خلال توزيع الخلايا الوطنية داخل المدن ،وتداول الصحف”.
و خلص جبرون أن نفي محمد الخامس “لم يكن مجرد قرار إداري، و إنما كان الشرارة التي فجّرت التحام الشعب بملكه، وأسقطت رهان المخزن التقليدي الذي خان”، في مقابل حركة وطنية صلبة وقاعدة شعبية حضرية رفعت شعار: “محمد الخامس رمز الاستقلال، وعودته عودة الكرامة للمغرب”.
لمشاهدة الحوار كاملا، يرجى الضغط على الرابط
أكرم القصطلني صحافي متدرب