محللون: الإلحاح على شفافية الانتخابات يعكس ضغوطًا دولية وانتظارات داخلية

في آخر لقاء له مع الأحزاب السياسية، أكد وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت على “ضرورة التصدي الحازم والصارم لأي مساس بمصداقية العملية الانتخابية”، مشددا على أن “حماية نزاهة الاستحقاقات المقبلة تمثل مسؤولية مشتركة بين الدولة والأحزاب”، إذ أنه كرر هذا التأكيد ثلاث مرات.
واعتبر محللون أن “هذا التأكيد يأتي في سياق خاص يتسم بانتظارات داخلية متزايدة وضغوط خارجية متنامية لضمان مصداقية العملية الانتخابية، خاصة في ظل الحديث عن حكومة المونديال التي ستوكل إليها مهمة الإشراف على أوراش كبرى مرتبطة بتنظيم كأس العالم، ما سيجعل نزاهة الاستحقاقات مرتبطة بصورة المغرب أمام الرأي العام الدولي”.
طمأنة الرأي العام
وفي هذا السياق، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس، كمال الهشومي، إن “تكرار وزير الداخلية للتأكيد على التصدي لأي مساس بمصداقية العملية الانتخابية ليس مجرد تفصيل تقني، بل هو خطاب سياسي استباقي”، موضحا أن “الهدف الأساسي من هذا الإلحاح هو طمأنة الرأي العام والفاعلين الدوليين بإرادة الدولة في تأمين انتخابات نزيهة وشفافة”.
وأضاف الهشومي في حديثه لصحيفة “صوت المغرب”، أن “هذا التأكيد يعكس وعيًا بوجود ضغوط أو على الأقل انتظارات خارجية في اتجاه تعزيز المصداقية، إذ أن المراقبة الدولية المتزايدة للتجارب الانتخابية في المنطقة تفرض على الدولة إبراز التزامها المسبق بالنزاهة والشفافية”.
وأكد المتحدث أن “الإلحاح الوزاري يمثل أيضًا رسالة تنبيه داخلي للأحزاب والمؤسسات السياسية”، مبرزا أن “الداخلية لا تريد أن تتحمل وحدها كلفة أي انحراف محتمل، ولذلك وضعت الأحزاب أمام مسؤوليتها المباشرة في ما يخص المرشحين وأشكال التعبئة”.
كما أشار الأستاذ الجامعي إلى أن “هذا التأكيد على النزاهة والمصداقية يوحي ضمنيًا بأن الانتخابات السابقة لم تكن بمنأى عن الانتقادات، وترافقه محاولة رسم صورة جديدة أكثر مصداقية للاستحقاقات المقبلة”.
وشدد الهشومي على أن “تكرار وزير الداخلية هو في جوهره محاولة مزدوجة، طمأنة الخارج على نزاهة العملية، وتحميل الأحزاب مسؤولية ضبط ممارساتها، إلى جانب تهيئة الداخل لتقبل نتائج انتخابات 2026 تحت شعار المصداقية المحمية”.
“جدية الالتزام الرسمي”
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي محمد شقير، أن “الحرص الرسمي على ضمان نزاهة الانتخابات المقبلة يرتبط بكونها ستفرز ما أصبح يعرف بحكومة المونديال، وهي الحكومة التي ستوكل إليها مهمة الإشراف على أوراش كبرى مرتبطة بتنظيم كأس العالم”، موضحا أن هذا “الحدث سيكون محط أنظار العالم، بما في ذلك الفيفا والهيئات الدولية”.
واعتبر شقير أن الاجتماع الأخير لوزير الداخلية مع الأحزاب جاء في سياق خطاب العرش، الذي دعا بشكل صريح إلى ضمان شفافية العملية الانتخابية المقبلة، مؤكدا أن “تكليف الملك لوزير الداخلية بالإشراف على هذا الورش يعكس جدية الالتزام الرسمي بتأمين نزاهة الاستحقاقات”.
وأشار المتحدث إلى أن “هذا النقاش جاء على خلفية الجدل الذي سبق أن واجهه وزير الداخلية بشأن نزاهة الانتخابات السابقة، بعدما لمحت قيادة حزب العدالة والتنمية إلى تدخل عوامل خارجية في نكسـته الانتخابية، فضلاً عن تصريحات أحد نواب حزب التجمع الوطني للأحرار المعتقل، والتي أثارت قضية مزعومة حول تقديم رشاوى لمسؤول كبير في الداخلية لتسهيل فوزه”.
وقال شقير إن وزير الداخلية رد على هذا الجدل في إطار جواب عن سؤال كتابي وجهه أحد البرلمانيين، مؤكداً أن “وزارته التزمت الحياد للحفاظ على نزاهة العملية الانتخابية، كما اعتبر أن مثل هذه التصريحات تُبخّس العملية الديمقراطية”، مشدداً على أن “ضمان الشفافية يظل مسؤولية مشتركة بين السلطة والأحزاب السياسية”.
وكان وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، قد عقد، يوم السبت 02 غشت 2025 بالرباط، اجتماعين متواليين مع قادة كافة الأحزاب السياسية، خُصّصا لموضوع تحضير الانتخابات التشريعية المتعلقة بانتخاب أعضاء مجلس النواب لسنة 2026.
وذكر بلاغ لوزير الداخلية أن هذين الاجتماعين يندرجان في إطار التنفيذ الفوري لتوجيهات الملك محمد السادس، الواردة في خطاب الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش، يوم 29 يوليوز المنصرم، والذي أعلن فيه الملك عن إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة في موعدها الدستوري والقانوني العادي، مؤكدا “ضرورة توفير المنظومة العامة المؤطرة لانتخابات مجلس النواب، وأن تكون معتمدة ومعروفة قبل نهاية السنة الحالية، وكذا تكليف وزير الداخلية بالسهر على التنظيم الجيد للانتخابات التشريعية، وفتح باب المشاورات السياسية مع مختلف الفاعلين”.
وفي هذا الإطار، يضيف المصدر ذاته، أجمع قادة الأحزاب السياسية بمختلف مشاربهم على التنويه بالقرار الملكي بخصوص الشروع في التحضير للانتخابات التشريعية المقبلة في إطار من التشاور مع الفاعلين المعنيين، “وذلك سيرا على المنهجية الملكية المتعلقة بتدبير المحطات الوطنية الكبرى بالمملكة القائمة على التشاور والحوار المثمر والبناء”.
وخلال هذين الاجتماعين، يتابع البلاغ، “تمت دراسة القضايا الأساسية المرتبطة بالإطار العام للانتخابات التشريعية لسنة 2026 في مناخ سادته روح المسؤولية والرغبة الجماعية في جعل الموعد الانتخابي المقبل فرصة بارزة لتأكيد متانة النموذج الانتخابي المغربي المتميز، في ظل الخيار الديمقراطي الذي يرعاه بحكمة وأناة صاحب الجلالة الملك محمد السادس أيده الله، راعي المؤسسات الديمقراطية بالمملكة”.
وأشار البلاغ إلى أنه “على إثر المناقشات البناءة التي طبعت أشغال هذين اللقاءين”، تم الاتفاق على أن تقوم الأحزاب السياسية بموافاة وزارة الداخلية، داخل أجل أقصاه نهاية شهر غشت الجاري، باقتراحاتها المتعلقة بالإطار المنظم للانتخابات التشريعية لسنة 2026، وذلك حتى يتأتى دراستها والتوافق في شأن التدابير ذات الطابع التشريعي التي يتعين صياغتها وعرضها على المسطرة التشريعية خلال الدورة التشريعية الخريفية المقبلة، في أفق إخراجها إلى حيز الوجود قبل متم السنة الحالية، تنفيذا للتوجيهات الملكية.