فابريزيو رومانو.. شيء أكثر من الصحافة الرياضية

عندما تنتهي دوريات كرة القدم عبر جل بلدان العالم، وتأذن بداية فصل الصيف للاعبين والمدربين بفرصة لالتقاط الأنفاس في عطلة سنوية مستحقة، هي ذات الفترة التي يكون فيها الصحفي الإيطالي الشهير المتخصص في أخبار الإنتقالات فابريزيو رومانو، في ذروة عمله متعقبا المفاوضات والصفقات والتوقيعات، عبر شبكته الواسعة من المصادر الموثوقة التي تزوده بمعلومات حصرية كثيرا ما يفاجئ بها المتتبعين والمختصين.
الشاب الإيطالي فابريزيو مهنته الأصلية هي الصحافة، لكن كثيرين حول العالم يقولون عنه أنه أصبح يمارس شيئا أكبر من الإخبار، ومن تنوير الراي العام بمستجدات الإنتقالات… شيء يصفونه بالمشاركة في تسويق أسماء اللاعبين والإتفاق مع وكلاء أعمالهم من أجل رفع أسهمهم، والمساهمة في جلب العروض المغرية من الأندية الغنية.
رومانو البالغ من العمر 32 سنة فقط، وهو سن النضج الرياضي، يصل متابعو حساباته على وسائل التواصل الإجتماعي إلى حوالي 40 مليون في أنستغرام، وإلى حوالي 34 ميون في منصة X تويتر سابقا، و26 مليون في الفايسبوك.
هذه الأرقام تُشير إلى مدى انتشار شعبية رومانو، لكن الموضوع يمتد لما هو أبعد من ذلك. لقد أصبح فابرزيو علامة مسجلة وموثوقة ليس للجماهير فقط بل لأهم لاعبي العالم. في دجنبر 2022، وبينما كانت تتصاعد التكهنات عن انتقال فيران توريس نجم مانشستر سيتي إلى برشلونة، وعندما اقتربت الأمور من تمامها، وأراد توريس أن يخبر جماهيره بذلك، قام بنشر فيديو له على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو يتدرب في منزله، ووضع عنوانا بجملتين.. “التدريب في المنزل، ها نحن ذا…”
فيران استخدم جملة فابرزيو الشهيرة، وهو أفضل مقياس لتأثير الرجل، الذي لم يعد يُعتبر كصحفي لسوق الانتقالات، بل مصدر موثوق تتهافت عليه المواقع والصحف لمعرفة آخر مستجدات الصفقات.
والسؤال الآن، كيف وصل فابرزيو رومانو إلى ما هو عليه الآن؟
الصدفة مفتاح النجاح
بدأ فابرزيو الكتابة عندما كان في الثامنة عشر فقط من عمره، مراهق يهيم في أزقة مسقط رأسه نابولي، يكتب عن هذا اللاعب وذاك، ويرسلها للمواقع الرياضية على أمل نشرها، دون عائد مادي، إلى أن حدث ما لم يكن يتوقعه.
ذات مساء تلقى رومانو مكالمة هاتفية من وكيل أعمال لاعبين إيطالي يعمل في مدينة برشلونة الإسبانية، كان تخصصه بالتحديد هو لاعبي أكاديمية البارصا “لاماسيا” على حد وصف رومانو، كان يأمل هذا الوكيل في مستقبل ناجح للاعبين من شباب الأكاديمية الكتلانية، وهم “جيراد ديليفو” الجناح الإسباني الشاب حينها، والمهاجم الأرجنتيني الواعد ماورو إيكاردي.
طلب الرجل من فابرزيو أن يكتب لمحة ولو بسيطة عن اللاعبين في أحد المواقع الإيطالية، ربما تُصيب هذه الطريقة، وتتفتح لهما أعين أحد الأندية الإيطالية، بالفعل كتب رومانو عن اللاعبين، وحصل الوكيل على خدماتهما، وظل الرجلان على تواصل.
في صيف عام 2011، خرج فابرزيو بخبرٍ حصري عن انتقال إيكاردي من برشلونة إلى نادي سامبدوريا الإيطالي، وهو ما يفخر به فابرزيو إلى الآن باعتباره أولى حصرياته في عالم سوق الانتقالات، بالرغم من عدم انتشار الخبر، أو بالأحرى عدم اهتمام الجماهير بانتقال لاعب يبلغ من العمر 18 عام لنادٍ يقبع في دوري الدرجة الثانية.
لكن في نونبر 2013، تلقى فابرزيو اتصالا آخر من نفس الرجل، كان مفاده: ” لقد ساعدتني في بداية حياتي المهنية، حان وقت رد الدين..
أخبره الوكيل عن موافقة إيكاردي للانتقال إلى نادي إنتر ميلان، في الصيف المقبل، قبل ستة أشهر كاملة من إتمام الصفقة.
الخطوة نحو التخصص
” في هذه الفترة، تغير كل شيء”، يقول فابرزيو رومانو لصحيفة لاغازيتا ديلو سبورت الإيطالية عن صفقة إيكاردي لإنتر ميلان.
فبفضل هذه الصفقة انتقل رومانو من العمل في الصحافة المستقلة، إلى الحصول على وظيفة ثابتة في القناة الإيطالية سكاي سبورت إيطاليا، والخبر الأول له كان بكل تأكيد تحت عنوان:” إيكاردي الهداف إلى إنتر” ولأن عالم كرة القدم بشكل عام فيه شهية لا تنتهي للحديث عن الإنتقالات والتعاقدات. في إنجلترا مثلا، نجد في أرشيف الصحف الرياضية والتي يعود تاريخها إلى عام 1930، هوس عميق الجذور بهذا النوع من الأخبار.
والحال لا يختلف كثيرًا في إيطاليا. يقول إنريكو مينتانا، مذيع ومخرج ومنتج تلفزيوني في صحيفة جازيتا ديلو سبورت: “عليك أن تتذكر أنه لفترة طويلة، كانت لدينا أربع صحف يومية مخصصة للرياضة، كان السبيل الوحيد لبيع هذه الصحف في الصيف، هي أخبار الانتقالات.”
بحلول الوقت الذي وصل فيه رومانو إلى سكاي سبورت، كان ملك سوق الانتقالات هو الصحفي الإيطالي “جيانلوكا دي مارزيو”، صاحب البرنامج الليلي الذي كان يُبث كلما فتح سوق انتقالات لاعبي كرة القدم أبوابه.
عمل رومانو مع دي مارزيو في القناة، بل وساعده في إنشاء وتطوير موقعه الخاص على الإنترنت، لكنه في المقابل تعلم خبايا المهنة، لاسيما صحافة سوق الانتقالات.
وسائل التواصل الاجتماعي
ذكاء الشاب فابريزيو رومانو، أدرك به أن المشهد يتغير من حوله، وأن وسائل التواصل الاجتماعي هي الحيز الذي يمكن أن يفسح له المجال للقيام بالخطوة العملاقة نحو الشهرة.
يتحدث رومانو أنه في البداية كان يستخدم إنستغرام بشكلٍ شخصي لوضع أخبار حصرية عن انتقالات اللاعبين بين الفينة والأخرى. وغالبا ما كان ينشر فقط صورا للطبيعة والحيوانات، إلا أن متابعيه كانوا لا يتوقفون عن سؤاله عن آخر المستجدات في صفقة ما في إيطاليا.
اللحظة الأهم في مسار فابرزيو رومانو، كانت عام 2020، حينما راج خبر مساعي مانشستر يونايتد لضم لاعب الوسط البرتغالي “برونو فيرنانديز”. وبينما بدأ الرأي العام العالمي ووسائل الإعلام الرياضية تنسى الموضوع وسط زحمة المباريات والأحداث، كان رومانو يتتبع مسار المفاوضات عبر مصادره الخاصة، حتى توصل إلى موعد الإعلان الرسمي عن الصفقة، ففاجأ بها متتبعيه بعبارته الشهيرة التي ستلتصق بأخباره الحصرية: ” ها نحن ذا….”
يتحدث رومانو أن الصفقة لم تكن خفية على الجمهور، بل كانت معروفة منذ شهور، فقط هو استطاع الوصول إلى موعد إتمامها، ومن ثمَّ قام بإخبار الناس، التي تفاعلت مع الخبر لأنه صدقهم القول على حد تعبيره.
مهنة تتعدى الصحافة
لم يعد رومانو مجرد صحفي في سوق الانتقالات، بل تخطى ذلك لتصبح له قوة تإثير وسلطة داخل هذا المجال، وبدأ هذا الإنطباع عنه مع إبرام فالنسيا الإسباني صفقة للتعاقد مع ماركوس أندري، المهاجم البرازيلي الذي كان قد لعب مع ريال بلد الوليد، تم تكليف شركة VCF Media، ذراع التسويق والاتصال بالنادي، بالعثور على طريقة مؤثرة وغير مألوفة للإعلان عنها.
كان التحدي كان واضحًا، خبر الصفقة لم يكن جديدًا. فقد تم التلميح إليه منذ أسابيع. لذا، ولضمان صدى عالمي، لجأ فالنسيا إلى وجه يعرفه الجميع… فابريزيو رومانو.
بمجرد توقيع العقود، تواصل النادي مع الصحفي الإيطالي. وبمباركة وكيل ماركوس أندري ومدير الاتصال بورخا كوسي، طُرح عليه السؤال: هل ترغب في أن تكون جزءًا من الإعلان؟ وافق رومانو دون تردد، وصوّر مقطعًا قصيرًا أثار التفاعل، ختمه بجملته الشهيرة التي باتت علامته المسجلة: “Here we go!”
المنطق كان بسيطًا وواضحًا، رومانو يمتلك في ذلك الحين 6.5 مليون متابع على تويتر، مقابل 1.3 مليون فقط للنادي. وكما وصفه أحد ممثلي فالنسيا: “إنه مؤثر هائل في كرة القدم، وجسر مباشر نحو جمهور عالمي، فابريزيو لم يعد مجرد صحفي، بل أصبح قوة هائلة في التسويق الرياضي”.
ومنذ ذلك الحين، بدأت الأندية تحذو حذو فالنسيا. ظهر رومانو لاحقًا في فيديو إطلاق قميص نادي واتفورد الإنجليزي، إلى جانب بعض لاعبيه. كما شارك في إعلانات لصفقات نادي أوغسبورج الألماني، وتورونتو الكندي حين أعلن عن ضم الأمريكي ريكاردو بيبي، ثم الإيطالي لورينزو إنسيني.
كل تلك الخرجات كانت اعترافا بميلاد نجم جديد في مهنة ناذرة، إذ كسر رومانو الجدار التقليدي بين الإعلامي والمؤسسة. ففي وقت تحرص فيه أغلب الأندية على الإبقاء على مسافة آمنة بينها وبين الصحفيين، وجد رومانو طريقًا إلى قلب المشهد، دون أن يخل بقواعده.
لكن هذا الحضور الواسع ليس من دون ثمن. فشهرته جعلته عرضة للضغوط والمخاطر. يقول رومانو: “لا يحتاج الصحفي إلى أن يكون العدو”، وهي جملة تختصر فلسفته المهنية، حتى وهو يعبر ذلك الخط الرفيع بين المراقب والمشارك، بين المتفرج والفاعل.
لقد تجاوز رومانو بالفعل وصف “المؤثر”، رغم أنه لا يحب هذا اللقب. هو الآن شخصية قائمة بذاتها في عالم الانتقالات. خرج من ظلال الكواليس إلى أضواء الشهرة، ليصبح نجمًا بحد ذاته. نجمًا لا يرتدي القميص الملاعب.. أداته الوحيدة الفعالة، هي صفحاته على وسائل التواصل الإجتماعي.