مقترحات عملية لتعزيز تمثيلية النساء بمجلس النواب في الانتخابات التشريعية لسنة 2026

رغم ما حققته التجربة المغربية من خطوات مهمة في تمكين النساء من ولوج المؤسسات المنتخبة، إلا أن الأرقام والمؤشرات الراهنة تكشف استمرار الفجوة بين الطموح والممارسة. فآلية “الكوطا” التي شرعت لضمان تمثيلية النساء، وإن أسهمت في تحسين الحضور العددي، لم تحدث التحول النوعي المنشود في مستوى المشاركة أو التأثير السياسي. ويعود ذلك إلى عدد من الأسباب، أبرزها محدودية الأدوات القانونية المعتمدة، وضعف تفعيلها في الميدان، إلى جانب استمرار بعض الممارسات التي تحد من فرص النساء في الترشح والفوز على قدم المساواة مع الرجال.
انطلاقا من تحليل التجربة الوطنية واستلهاما من تجارب دولية رائدة في مجال تعزيز المساواة السياسية، أطرح اليوم مقترحات عملية تستهدف رفع نسبة مشاركة النساء في الانتخابات التشريعية المقبلة لسنة 2025. وتقوم هذه المقترحات على صياغة لوائح انتخابية أكثر عدالة، وضمان توزيع متوازن لفرص الترشح.
- الخيار الأول:
رفع حصة الكوطا لثلث مقاعد مجلس النواب، مع اعتماد مزدوج بين لائحة جهوية ولائحة وطنية
- تخصيص 90 مقعدا للائحة الجهوية، و40 مقعدا للائحة الوطنية مخصصة للنساء أقل من 40 سنة.
- عدم السماح للنائبات اللواتي سبق لهن الاستفادة من الكوطا بالترشح على رأس اللائحة، مع إمكانية ترشحهن في المركز الثاني، واعتماد مبدأ التناوب بين نساء جدد ونساء سابقات في ترتيب المترشحات.
يعتبر هذا الخيار تكريسا لفكرة اللوائح باعتبارها مصدر أمان للتواجد النسائي داخل البرلمان، خاصة وأنه خيار مضمون سيضمن بلوغ نسبة الثلث من المقاعد، وخيار يحل مشكلة صناعة النخبة بطريقة متوازنة، بحيث طرح إمكانية ترشيح النساء اللواتي سبق لهن الفوز بمقعد عبر الكوطا بالتناوب مع المرشحات الجدد شريطة عدم ترأس اللائحة. غير أن انعكاساته على المدى البعيد قد لا تكون إيجابية، باعتباره تدبيرا استثنائيا مؤقتا، ولأن التجربة التاريخية أظهرت أنه لم ينجح في تشجيع ترشح النساء بشكل تلقائي خارج إطار الكوطا.
2. الخيار الثاني:
تطبيق نظام التناوب في لوائح الأحزاب
- اشتراط تقديم لوائح حزبية تتناوب بين الرجال والنساء لضمان تمثيل نسائي مباشر.
- إلزام الأحزاب بترشيح 50% من رؤساء اللوائح على الصعيد الوطني من النساء.
يمثل هذا الخيار خطوة نحو تعزيز التمثيلية النسائية على المستوى المحلي والتخلي عن نظام الكوطا القائم على اللوائح الخاصة. ورغم احتمال لجوء بعض الأحزاب إلى ترشيح النساء في الدوائر التي تقدر أن حظوظها فيها أضعف، فإن فرض شرط تمثيلهن في نصف رئاسات اللوائح سيعزز فرصهن في الفوز، وقد يمكن من بلوغ نسبة تقارب الثلث من مقاعد المجلس، لكنه يبقى خيار غير مضمون لتحقيق تقدم ملموس في التوازن بين الجنسين، بكونه يتأثر بمعطيات التقطيع الإنتخابي والقاسم الانتخابي والممارسات الحزبية. بالإضافة إلى أنه قد يطرح إشكال توفر الأحزاب على النخب النسائية الكافية لتغطية 50% من الدوائر المحلية.
3. خيار مواكب:
ربط التمويل العمومي بتمثيلية النساء
- تخصيص جزء من التمويل العمومي للأحزاب بناء على نسبة التمثيل الجنسي في اللوائح الانتخابية.
- فرض عقوبات مالية أو رفض تسجيل القوائم التي لا تحترم المعايير المحددة.
يمكن اعتماد آلية مواكِبة إلى جانب الخيارين الأولين تقوم على تخصيص جزء من التمويل العمومي للأحزاب بناء على نسبة التمثيل الجنسي في اللوائح الانتخابية، مع فرض عقوبات مالية أو رفض تسجيل القوائم التي لا تحترم المعايير المحددة.
يهدف هذا الخيار إلى تشجيع الأحزاب على ترشيح النساء، والتخفيف من المبرر الأول الذي غالبا ما تسوقه هذه الأحزاب، والمتمثل في عدم توفر المترشحات على الميزانية الكافية لتغطية مصاريف الحملات الإنتخابية. وبذلك، يساهم هذا الإجراء في ضمان تكافؤ أكبر في الفرص، ودعم حضور النساء في العملية الانتخابية. ختاما، إن المقترحات الواردة في هذا المقال تمثل مداخل عامة يمكن الارتكاز عليها لصياغة تعديلات دقيقة على القوانين الانتخابية، بما يضمن تعزيز تمثيلية النساء في مجلس النواب. أقدم هذه الأفكار لتكون أرضية يتبناها المهتمون، سواء من داخل الأحزاب السياسية، أو أعضاء البرلمان، أو الفاعلون في المجتمع المدني، أو كل من له اهتمام بالترافع من أجل تطوير الإطار التشريعي بما يخدم المساواة والديمقراطية التمثيلية في بلادنا.
*هذه التوصيات مستخلصة من دراسة علمية تناولت تحليل مدى نجاح سياسة الكوطا في المغرب، في ضوء مقارنة مع تجارب دولية رائدة، تحت عنوان: “تقييم تجربة الكوطا في المغرب: بين الضبط الانتخابي وصناعة النخب النسائية”، والتي ستُنشر قريبا ضمن مبادرة الإصلاح العربي، وهي مؤسسة بحثية رائدة في مجال البحوث الفكرية المستقلة. ولمواكبة مسار تعديل القوانين الانتخابية، ارتأيت نشر هذه التوصيات لتكون رهن إشارة المعنيين بالموضوع.
*مريم ابليل- باحثة في القانون الدستوري والعلوم السياسية