“إسرائيل الكبرى”.. محلل: حلم توسعي يفضح الغطرسة ويكشف الهزيمة

أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو علناً عن طموحه لتحقيق رؤية “إسرائيل الكبرى”، مدعياً أنه يحمل رسالة “تاريخية وروحانية” تتوراثها الأجيال.
ووردت تصريحات نتنياهو، المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية، في مقابلة تلفزيونية عُرضت عليه خلالها خريطة لإسرائيل تشمل كامل فلسطين التاريخية والأردن ولبنان وسوريا ومصر، والعراق والسعودية، والكويت مؤكداً تبنيه لمضمونها، في إطار خطاب صهيوني توسعي متصاعد.
وأثارت هذه التصريحات غضبا عربياً واسعاً وإدانات رسمية، إذ طالبت مصر نتياهو “بإيضاحات لذلك، في ظل ما يعكسه هذا الأمر من إثارة لعدم الاستقرار وتوجه رافض لتبني خيار السلام بالمنطقة، والإصرار على التصعيد”. فيما أدانتها السعودية بأشد العبارات مؤكدة رفضها للمشاريع التوسعية التي تتبناها سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
واعتبرها الأردن بدوره تصعيدا استفزازيا وتهديدا لسيادة الدول ومخالفة للقانون الدولي، كما نددت قطر بالتصريحات واعتبرتها امتدادا لنهج الغطرسة.
في هذا الصدد، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، إسماعيل حمودي، أن هذه التصريحات تظهر قدراً كبيراً من “الوقاحة والعجرفة والغطرسة” التي تبديها إسرائيل تجاه محيطها. وفي الوقت نفسه تكشف نواياها الحقيقية، كونها “كيانٌ توسعيٌّ استعماريّ يعمل كأداة وظيفية للغرب وكقاعدة عسكرية متقدّمة للولايات المتحدة في المنطقة”.
مشروع توراتي
وتعد رؤية “إسرائيل الكبرى” مشروعا توراتيا ينطلق من الموروث التلمودي لتبرير السياسات التوسعية لنتنياهو، الذي توعّد قبل أعوام بقيادة “إسرائيل” إلى ما سمّاه “قرنها المئوي”، إذ فاجأ الجمعية العامة للأمم المتحدة في شتنبر 2023 بعرضه خريطة “إسرائيل الكبرى”.
وقبل نتنياهو، قدم الحاخام المتطرف إليعازر ميلاميد تصورا مشابها لهذه الدولة المزعومة على موقع “يشيفا” العبري في 15 يوليوز 2023، زاعما مقاله أن حدود “إسرائيل الكبرى” تمتد من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في العراق، مدعيا في نفس الوقت أن “كامل منطقة شبه جزيرة سيناء هي الجزء الجنوبي لتلك الدولة”.
كما كان وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش قد أثار هذه الرؤية خلال خطاب بالعاصمة الفرنسية باريس، في مارس 2023، من على منصة كانت عليها خريطة تشير إلى أن إسرائيل تتكون من فلسطين التاريخية والأردن.
وتُطرح رؤية “إسرائيل الكبرى” من قبل حزب الليكود منذ وصوله إلى السلطة بزعامة مناحيم بيغن عام 1977، لتتحول إلى برنامج سياسي بني على معتقدات دينية تشير إلى أن الأرض الموعودة تمتد من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في سوريا والعراق.
ولعل من أبرز هذه المعتقدات ما كتبه ديفيد بن غوريون أحد مؤسسي دولة الاحتلال في ثلاثينيات القرن الماضي، قائلاً: “إن خريطة فلسطين الحالية إنما هي خريطة الانتداب، وللشعب اليهودي خريطة أخرى يجب على شباب اليهود أن يحققوها، وهي خريطة التوراة التي جاء فيها: وهبتك يا إسرائيل ما بين دجلة والنيل”.
وقد راودت فكرة “إسرائيل الكبرى” الحركة الصهيونية منذ تأسيسها على يد تيودور هرتزل قبل أكثر من 120 عاماً، حيت قال “إن حدود دولة إسرائيل تمتد من نهر مصر إلى الفرات”. وظل المتطرفون اليهود يؤمنون بهذه الفكرة، ويثيرون الحديث عنها مع كل حرب يخوضها الاحتلال الإسرائيلي.
بين الغطرسة والهزيمة
وإلى جانب كونها غطرسة تبرز النوايا الحقيقية لنيامين نتنياهو، اعتبر الأستاذ الجامعي إسماعيل حمودي، أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي تعكس حالة من الهزيمة. موضحا أن نتنياهو يشعر بأن سياساته ومشروعه التوسعي “باتا محاصَرين في المنطقة من قِبل شعوبها والمقاومة والأنظمة، ومن قِبل القانون والمجتمع الدوليين”.
وأشار حمودي، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، إلى أن هذا الأمر يرجع إلى جرائم الإبادة في غزة، كما أن إسرائيل أصبحت بلا أهداف سياسية داخل القطاع، إذ تمارس فيه سوى “القتل من أجل القتل، والتدمير من أجل التدمير، والتخريب من أجل التخريب، والإبادةٌ من أجل الإبادة”.
ولفت إلى أنها “لم تعد قادرةً على تنفيذ أهدافها الحقيقية من وراء عدوانها، وعلى رأسها التهجير”، بحيث أنها باتت تدرك أن التهجير “سيفجّر المنطقة، كما أن الموقف المصري واضح في هذا الصدد”.
وبالتالي، فإن تصريحات نتنياهو تعكس الغطرسة من جهة، بينما تظهر من جهة أخرى أن مشروعه ذي النزعة النازية وصل إلى الحائط، “فهي تفضح نوايا نتنياهو، وفي الوقت نفسه تكشف هزيمته”، يضيف المتحدث.
ويرى الأكاديمي أن فكرة “إسرائيل الكبرى” قائمةٌ عملياً بالقوّة ولكن من دون شرعية في القانون الدولي، إذ أن العديد من قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن تُدين إسرائيل باعتبارها كياناً استعمارياً.
ويوضح أن إسرائيل تعد منذ حرب عام 1967 “كياناً احتلالياً استعمارياً” بموجب القانون الدولي على جميع الأراضي التي احتلتها بعد ذلك التاريخ، مشيراً إلى أن الاستيطان الذي تقوم به مدان كذلك بقرارات الشرعية الدولية، ولا سيما قرار مجلس الأمن الصادر عام 2016، الذي جرّمه واعتبر الاستيطان والضم في الأراضي الفلسطينية أعمالاً مدانة ومرفوضة تماماً.
وعليه -يضيف الأستاذ الجامعي- فإن إسرائيل من منظور القانون الدولي كيان غير شرعي. وهي محاصرة في المنطقة، التي ترفض جميع دولها الواقع المفروض منذ عام 1967، إذ تسيطر إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، وتحتل الجولان السوري، ومزارع شبعا في الجنوب اللبناني، وتمارس نفوذاً شبه مطلق على غور الأردن وشمال سيناء.
ويرى حمودي أن “إسرائيل الكبرى” قائمة فعلياً على أرض الواقع، ولكن من دون أي شرعية، لافتاً إلى أن موجة التطبيع التي بدأت مع “صفقة القرن” عام 2020 كان الهدف منها هو “شرعنة الاحتلال الإسرائلي لكل الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة بعد 67″، وهو ما عرقلته أحداث 7 أكتوبر 2023.
مواجهة المنطقة للتوسع الإسرائيلي
ويتوقع حمودي أن ترفع الدول التي شملتها خريطة نتنياهو مستوى التنسيق فيما بينها لأن ما يسمى “دول الطوق”، أي مصر والأردن ولبنان وسوريا “في صراع مستمر مع إسرائيل، حتى وإن ظهرت بعض أشكال التعاون الظاهري”.
ويشير إلى أن العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة أبرز بوضوح أن إسرائيل “تمثل قاعدة متقدمة للغرب الاستعماري القديم”، إذ أن جميع الدول الغربية الكبرى، مثل أوروبا وبريطانيا والولايات المتحدة وكندا، تدعم إسرائيل بشكل مطلق. ومع ذلك، “فإن الصراع لا يزال قائماً، والدول العربية ليست في وضع مريح، بل تحاول تجنّب شرور إسرائيل، خاصة مع طموحاتها التوسيعية”.
ويؤكد حمودي أن الدول العربية مجبرة اليوم مع تركيا على التعاون والتنسيق وبناء قوة موازية للقوة الصهيونية، خاصة بعد ما عرفته غزة من حرب إبادة، والعدوان على إيران وسوريا، مشيراً إلى أنه في هذا الإطار “يأتي التعاون المصري التركي، خصوصاً في المجالات الاستراتيجية مثل صناعة الطائرات المقاتلة، بهدف موازنة التفوق الجوي الإسرائيلي.
ويشدد على أن هذا التعاون لا بد منه نظراً لأن إسرائيل “تمثل خطراً وجودياً” على الأنظمة العربية وعلى المنطقة، خاصة مصر والأردن وسوريا ولبنان.
وتشمل خريطة “إسرائيل الكبرى” التي يرفعها نتنياهو كامل فلسطين التاريخية، ومساحتها 27 ألف و27 كيلومتراً مربعاً، ولبنان ومساحته 10 آلاف و452 كيلومتراً مربعاً، والأردن ومساحته 89 ألف و213 كيلومتراً مربعاً. وأكثر من 70 بالمائة من مساحة سوريا البالغة 185 ألفاً و180 كيلومتراً مربعا، ونصف مساحة العراق البالغة 438 ألفاً و317 كيلومتراً مربعاً، ونحو ثلث الأراضي السعودية البالغة مساحتها مليونين و149 ألف و690، وربع مساحة مصر البالغة، نحو مليون كيلومتر مربع، وجزء من الكويت البالغة مساحتها 17 ألفاً و818 كيلومتراً مربعاً، إضافة إلى جزء من تركيا البالغة مساحتها 783 ألفا و562 كيلومترا مربعا.
إسرائيل الكبرى.. خطة وعائق
وفي خطة نشرت أول مرة في فبراير 1982 في مجلة “كيفونيم” التابعة للمنظمة الصهيونية العالمية، برزت ملامح الطريق إلى تحقيق رؤية “إسرائيل الكبرى”، إذ دعا الصحافي والدبلوماسي الإسرائيلي أوديد إلى إضعاف الدول العربية وتقسيمها على أسس عرقية وطائفية، لتصبح دويلات صغيرة تعتمد على إسرائيل في البقاء.
ودعت خطة إينون لتقسيم العراق إلى دولة كردية ودولتين عربيتين إحداهما سنية والأخرى شيعية، ثم تقسيم لبنان وسوريا ومصر وإيران والصومال وباكستان، وتقسيم دول شمال إفريقيا، وتوقع أن يبدأ ذلك من مصر، وينتشر إلى السودان وليبيا، وبقية المنطقة.
وفي عام 2019، كان الكاتب والأكاديمي الفلسطيني الراحل عبد الستار قاسم قد نشر تدوينة على صفحته بموقع “فايسبوك”، أرفقها بخريطتين تمثل الأولى ما يسمى “إسرائيل الكبرى”، مشيراً إلى أنها تشمل الجزء الشمالي من شبه الجزيرة العربية، وبلاد الشام وغرب الفرات وشبه جزيرة سيناء والجزء الشرقي من نهر النيل.
وقال قاسم إن “الخريطة الثانية تظهر على قطعة العملة المعدنية الإسرائيلية من فئة عشرة أغورات. ويظهر من وجود خريطة أرض إسرائيل الكبرى المزعومة على العملة الإسرائيلية أن الصهاينة ما زالوا متمسكين بهذا التطلع، وتبقى مشكلتهم أنهم ليس لديهم ما يكفي من السكان للتمدد السريع”.