حقوقيون يطالبون بإصلاحات دستورية وتشريعية لضمان انتخابات نزيهة

نادى حقوقيون مغاربة بضرورة توفير شروط حقيقية لتنظيم انتخابات نزيهة وشفافة، معتبرين أن أي استحقاق انتخابي لا يُبنى على قواعد ديمقراطية فعلية، ويجري في ظل تراجع الحقوق والحريات، لن يكون “إلا عملية شكلية تُفرغ الديمقراطية من مضمونها الحقيقي”.
وفي هذا السياق، برزت مواقف قوية من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، شددت على أهمية إصلاح دستوري وتشريعي شامل، واحترام الحقوق المدنية والسياسية، وتوسيع المشاركة السياسية، لضمان انتخابات تُعبّر فعليًا عن الإرادة الشعبية.
من جانبها، أكدت سعاد البراهمة، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن الحديث عن انتخابات حرة ونزيهة يقتضي أولًا وجود دستور ديمقراطي حقيقي، سواء من حيث الشكل أو المضمون، يضمن السيادة الشعبية، ويكرّس فعليًا قيم الحرية والمساواة والكرامة والعدالة.
وشددت البراهة في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” على أن “أي انتخابات تُنظم في ظل دستور ممنوح، لا ينبع من الإرادة الشعبية، ولا يحترم المعايير الكونية لحقوق الإنسان، لا يمكن وصفها بالديمقراطية، لأن القوانين الانتخابية الصادرة عنه تكون معيبة منذ البداية، وتُفرغ العملية السياسية من مضمونها”.
وانتقدت البراهمة الوضع الحقوقي في المغرب، معتبرة أن ما تشهده البلاد من “تراجع خطير” على مستوى الحقوق والحريات، “يقوّض أي إمكانية لتنظيم انتخابات نزيهة”.
وأشارت إلى أن الحقوق الدستورية، مثل حرية التعبير، وحرية التنظيم، والحق في الاحتجاج، “لم تعد تُحترم، بل تُقابل بالقمع والاعتقالات والمحاكمات، التي تطال النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان”.
وأضافت: “لا يمكن تصور انتخابات نزيهة في ظل أجواء مشحونة بالقمع، واعتقالات تعسفية، ومصادرة الحريات، وتغوّل الأجهزة الأمنية، وقمع الحركات الاجتماعية، وسجن المعارضين وأصحاب الرأي”.
أحزاب مدعومة
وفي السياق ذاته، أكدت رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن السلطة تعمل “بشكل ممنهج” على إضعاف الأحزاب الجادة والمستقلة، في مقابل دعم ما يُعرف بـ”الأحزاب الإدارية”، أي تلك الموالية للنظام، مما يُنتج مشهدًا سياسيًا مختلًا، ويُعمّق فقدان الثقة لدى المواطنين في الأحزاب والمؤسسات.
وأردفت: “الأحزاب التي ترفض الخضوع وتسعى للتغيير الحقيقي تُحاصر ولا يُسمح لها بالحصول على تمثيلية قوية، مما يؤدي إلى عزوف سياسي كبير، وهو ما تؤكده نسب المشاركة الانتخابية المتدنية في السنوات الأخيرة”.
كما نبهت إلى خطورة التزوير الذي يطال إرادة الناخبين، من خلال استعمال المال، والمصالح، والنفوذ، دون وجود رقابة صارمة أو آليات ردع فعالة، معتبرة أن هذا التلاعب يُفرغ العملية الانتخابية من أي مضمون ديمقراطي.
وقالت إن “نتائج الانتخابات في المغرب تفرز في الغالب مؤسسات منتخبة شكلية، وممثلين صوريين لا يعكسون الإرادة الحقيقية للمواطنين، بل يُستخدمون لتلميع صورة النظام خارجيًا، وإعطاء انطباع زائف بوجود ديمقراطية”.
وأشارت البراهمة إلى أن “هذه المؤسسات المنتخبة، وعلى رأسها الحكومة والبرلمان، لا تملك سلطة القرار، ولا تمارس صلاحياتها بشكل مستقل، بل تُدار من خارجها، مما يجعلها مجرّد أجهزة صورية فاقدة للفعالية والشرعية الشعبية”.
واختتمت البراهمة تصريحها بالتأكيد على “ضرورة إقرار دستور ديمقراطي علماني، شكلاً ومضمونًا، يُرسخ السيادة الشعبية والمساواة، وإصلاح المنظومة التشريعية بما يضمن انتخابات نزيهة تحترم الإرادة الشعبية، واحترام سيادة القانون وتطبيقه على الجميع دون تمييز، وفصل حقيقي للسلط، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وإنهاء الإفلات من العقاب”.
من جانبه أكد نوفل البعمري، رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، أن “تدبير الانتخابات لا يقتصر على بعدها السياسي فقط، بل يتعداه إلى كونها شأنًا حقوقيًا بالأساس، لارتباطها الوثيق بالحقوق المدنية والسياسية للمواطنين والمواطنات، وبضمان احترام الإرادة الحرة للناخب، والمساواة، والنزاهة، وحياد الدولة”.
وأوضح البعمري، أن العملية الانتخابية ينبغي أن تُدار ضمن مسار ديمقراطي سليم، يشمل احترام كرامة المواطن، وضمان عدم استعمال العنف الرمزي أو المعنوي، ومحاربة المال الفاسد الذي يُفسد التنافس الانتخابي، والابتعاد عن الخطاب الذي يمس بشرف الآخرين أو يحرض على التمييز والكراهية.
وشدد المتحدث على أن نزاهة الانتخابات “لا تقتصر على يوم الاقتراع فقط، بل تمتد لتشمل كافة المراحل، من مراجعة القوانين الانتخابية، إلى إعادة النظر في التقطيع الانتخابي، وضمان حياد السلطة، ومراجعة شاملة للوائح الانتخابية، واعتماد البطاقة الوطنية كوسيلة تصويت”.
وقال: “هذه العملية الديمقراطية ينبغي أن تُؤطّر من منظور حقوقي، يُراعي المعايير الدولية، كما ينص عليها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ويضمن مشاركة فعلية لجميع المواطنين دون تمييز، خاصة النساء والشباب، سواء كناخبين أو مرشحين”.
مشاركة منصفة للنساء
وأكد البعمري على ضرورة اعتماد خطاب سياسي يحترم كرامة الخصوم السياسيين، ويتجنب التشهير أو المس بالشرف والمروءة، كما شدد على أهمية منع أي شكل من أشكال التمييز ضد المرأة، سواء أكانت ناخبة أو مترشحة، وضمان مشاركتها الفعلية في جميع مراحل العملية الانتخابية.
وأشار أيضًا إلى أهمية تحقيق المناصفة وتمكين الشباب من المشاركة في الحياة السياسية، معتبرًا أن هذا جزء لا يتجزأ من التزام الدولة بتوسيع قاعدة المشاركة السياسية وضمان شمولها.
وفي معرض حديثه، نوّه البعمري بكون الفاعل الحقوقي لا يمكنه إلا أن يُسجّل إيجابيًا حرص مؤسسات الدولة على احترام الاستحقاقات الدستورية وإجراء الانتخابات في موعدها، لكنه في الوقت نفسه، يسهر على تتبع ومراقبة مدى تمتع المواطنين والمواطنات بحقوقهم السياسية، وفق المرجعيات الحقوقية الدولية والوطنية.
وكان الملك محمد السادس، قد أكد في خطاب الذكرى 26 لعيد العرش الذي ألقاه يوم الثلاثاء 29 يوليوز 2025، على ضرورة توفير المنظومة العامة، المؤطرة للاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
وبعد هذا الخطاب بأيام قليلة، ترأس وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، يوم السبت 2 غشت 2025، اجتماعاً مع قادة وممثلي الأحزاب السياسية، خُصّص للتحضير للانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها سنة 2026.
الاجتماع الذي انعقد بالرباط في إطار توجيهات الملك محمد السادس، عرف غياب رئيس الحكومة عزيز أخنوش، في وقتٍ اعتُبر هذا النوع من اللقاءات، خلال الحكومات السابقة، من صميم اختصاصات رئيس السلطة التنفيذية.