story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
مجتمع |

6 مغاربة في سجن “بونتلاند”.. براءة مع وقف التنفيذ ومصير مجهول

ص ص

تحولت رحلة ستة مواطنين مغاربة، انطلقوا من وطنهم باحثين عن فرص عمل في دولة الصومال، إلى سيناريو مأساوي لا يقل تعقيدًا عن أفلام السينما، فقد واجه هؤلاء الشبان سلسلة من الأحداث المرعبة، بدءًا من احتجازهم من طرف جماعة إرهابية، وهربهم عبر جبال وعرة وصحاري ممتدة، وصولاً إلى صدور حكم بالإعدام في حقهم، ثم سنوات من المعاناة في سجن قاسٍ ينتظرون فيه قرارات إجلائهم، من طرف السلطات المغربية.

وتبدو تفاصيل هذه القصة كأنها مشهد من أحد أفلام الهروب، لكن أحداثها واقعية، وأبطالها ستة شبان مغاربة، من بينهم أحمد النجوي، وجدوا أنفسهم منخرطين في كابوس لا علاقة له بالأحلام التي حملوها معهم حين قرروا مغادرة المغرب بحثًا عن فرصة عمل خارج الحدود.

“جئنا إلى الصومال بناءً على عقود عمل رسمية وُعِدنا من خلالها بفرص مغرية”، يقول أحمد النجوي في اتصال هاتفي مع صحيفة “صوت المغرب” من داخل أسوار سجن بوتلاند الصومالية، مضيفًا: “لكن ما إن وصلنا حتى أدركنا أننا وقعنا في فخ نُسج بإحكام، حيث جرى استدراجنا إلى منطقة نائية وخطيرة دون علمنا، لنجد أنفسنا في قبضة جماعة مسلحة حاولت ضمّنا إلى صفوفها”.

استدراج مُريب

لم يكن في نية الشبان الستة أي انخراط في أنشطة خارج القانون، كما يؤكد النجوي: “عاملونا في البداية بشكل بدا إنسانيًا، لكننا كنا نعلم أن وراء هذا الهدوء نوايا مريبة، كانوا يحاولون التأثير علينا بشتى الوسائل من أجل استقطابنا، لكننا رفضنا”.

سرعان ما بدأ هؤلاء المغاربة بالتفكير في طريقة للهرب من براثن هؤلاء الجماعة، مخاطِرين بحياتهم وسط الجبال، يقول أحمد النجوي: “هربنا دون زاد، ولا طعام وماء، ومشينا ثلاثة أيام متواصلة في الغابات والجبال دون وجهة محددة، كنا على وشك الموت أكثر من مرة، وكنا عاجزين عن الاستمرار.”

ويضيف النجوي: “كنا نرتجف من الجوع والخوف، ومن أصوات الحيوانات المفترسة التي تحيط بنا من كل جانب، وكأننا في كابوس لا نهاية له، لقد كانت رحلة مؤلمة، لكن لم يكن أمامنا خيار سوى المخاطرة، لنحاول النجاة والهروب من هذا الجحيم.”

بعد رحلة الهروب المرهقة، وصل الشبان إلى قرية صغيرة في منطقة نائية، وهناك التقوا بسكان محليين أخبروهم بأنهم لاجئون يفرون من خطر محدق، وأنهم بحاجة إلى حماية، يحكي النجوي عن وصولهم إلى هذه القرية ويقول ” لقد كان السكان لطفاء، وعدونا بمساعدتنا، وأخبرونا أن أقرب طريق آمنة تمر من الحدود الإثيوبية، لأن المغرب لا يملك سفارة هنا”.

لكن الإرهاق كان قد أخذ منهم مأخذه، ولم يكن في وسعهم سوى طلب شيخ القبيلة من أجل التدخل والاتصال بالسلطات المحلية حتى تجد لهم حلا لمأزقهم، وبعد ساعات من الانتظار، تم ترحيلهم إلى مدينة “بوصاصو” الصومالية، حيث استقبلتهم الشرطة، ووعدتهم بتوفير أوراق مؤقتة لترحيلهم.

لكن، كما يقول أحمد النجوي، “بدل أن يتم ترحيلنا، تم اعتقالنا، من لحظة وصولنا، ومُنعنا من الاتصال بأهلنا أو طلب مساعدة قانونية، بل ووُجِّهت إلينا اتهامات خطيرة لا أساس لها من الصحة، قالوا إننا ننتمي لجماعة إرهابية، وإن بحوزتنا أسلحة، وأننا كنّا نُخطط لشيء ما”.

حكم بالاعدام

وما اعتبره أحمد النجوي ورفاقه بدايةً لرحلة خلاص من براثن جماعة إرهابية، سرعان ما تحول إلى كابوس أشدّ قسوة، فبعد اعتقالهم من طرف السلطات المحلية، أُحيلوا على المحكمة العسكرية في منطقة بونتلاند بالصومال، التي قضت في حقهم بحكم صادم بالإعدام، بناءً على تُهم مفبركة لا أساس لها من الصحة، ثم نُقلوا إلى سجن قاسٍ في العاصمة الإقليمية “جروي”، حيث يعيشون ظروفًا إنسانية صعبة.

وسط هذا السواد، لاح بصيص أمل تمثل في تمكينهم من التواصل مع محامية تولّت الدفاع عنهم، وساعدتهم على الاتصال بأسرهم لأول مرة منذ اعتقالهم، وبمساعدة العائلات ومحامٍ إسباني، تم تقديم أدلة تُثبت أنهم كانوا في المغرب قبل دخولهم الصومال، وأنهم دخلوا البلد بطريقة قانونية بموجب عقود عمل رسمية، كما أُرفقت ملفاتهم بصور، ومراسلات واتساب، ووثائق تُثبت البراءة.

هذه الأدلة دفعت القاضي إلى الانتقال بنفسه إلى القرية التي حلوا بها، رفقة المحامية، للتحقق من صحة روايتهم، حيث التقى بشيخ القبيلة الذي أكد أنهم وقعوا ضحية خداع من جماعة إرهابية، دون علمهم أو إرادتهم.

وبعد التأكد من صدقهم، أخبرهم القاضي، وفقًا للنجوي، بأنه يعتذر باسم الشعب الصومالي عمّا جرى، وأكد براءتهم، مشددًا على أن ما وقع كان نتيجة خطأ في التقدير من طرف أجهزة المخابرات، وأنهم سيُطلق سراحهم قريبًا.

براءة موقوفة التنفيد

وبعد أن بَشَّرهم القاضي ببراءتهم، تنفّس أحمد النجوي ورفاقه الصعداء، لقد كانت لحظة الإعلان عن البراءة أشبه بخروج من نفق مظلم دام طويلاً، “أمام الجميع، قال القاضي: لا ذنب لهم، وأمر بترحيل المتهمين إلى المملكة المغربية الشقيقة”، يروي أحمد بصوت مشوب بالمرارة، وكأنه لا يزال لا يصدق أن كل ذلك لم يكن سوى فصل جديد من مأساتهم.

يضيف المتحدث ذاته، صدرت الأوامر حينها واضحة، الإفراج الفوري وتسليمنا إلى بعثة الصليب الأحمر لترتيب عودتنا إلى المغرب، وهنا اعتقدنا أن الكابوس انتهى، بل حتى القاضي اعتذر باسم الدولة، وأكد أن جهاز المخابرات ارتكب خطأ جسيمًا في حقنا.

لكن، ما بدا لحظة خلاص، تحوّل مرة أخرى إلى انتظار قاتل، حيث لم تُنفَّذ أوامر المحكمة، ولم يُفرج عنهم، يردف أحمد بكلمات متقطعة “بقينا محتجزين، دون أي توضيح… كأننا أوراق ضائعة في نزاع سياسي بين حكومة الصومال والانفصاليين في بونتلاند”، ووسط هذا الفراغ القانوني، أصبحوا رهائن وضع لا يتحكم فيه أحد.

قامت بعثة الصليب الأحمر بزيارة السجناء المغاربة الستة، واطّلعت على أوضاعهم بعد صدور حكم البراءة في حقهم، وأكد أحمد ذلك بالقول “تواصلوا معنا، وقالوا إن الحكومة المغربية أبدت استعدادها الكامل لاستقبالنا، لكن قيل لنا إن جوازات سفرنا غير موجودة، وإن المشكل سيتم حله خلال شهرين فقط”.

وبعد مرور عام وسبعة أشهر منذ صدور الحكم ببرائتهم مازل أحمد وأصدقاءه قابعين خلف القضبان، دون تفسير، وأردف أحمد وهوي يحكي القصة لـ”صوت المغرب”، “ظننت أن النجاة من براثن الجماعة الإرهابية هو أصعب ما سنواجهه… لكن السجن بعد البراءة أقسى من كل شيء”.

سجن الموت

لم يكن أحد من المغاربة الستة، ومن بينهم أحمد النجوي، يتوقع أن الفرار من الجماعة الإرهابية في جبال الصومال، والتبرئة من حكم الإعدام سيكون مجرد بداية لكابوس أطول وأقسى، “ظننا أننا عبرنا الجحيم”، يقول أحمد، “لكننا كنا ندخل جحيماً جديدًا… اسمه السجن في بونتلاند”.

كانت أولى صدماتهم، حين دُفعوا نحو زنزانة لا تتجاوز مساحتها 6 أمتار عرضًا و10 أمتار طولًا، لكنها تضم أكثر من 130 شخصًا، في غياب تام للتهوية وضوء الشمس، يشير هنا أحمد إلى أن جدران الزنزانة من الحديد، تسخن كالنار تحت شمس الصومال، وتتحول إلى صقيع في الليل، ويضيف “ننام جالسين أحيانًا، أو فوق بعضنا، ولا نتحرك طوال الليل كي لا نوقظ من تحتنا”.

ويحصل كل سجين على قارورة بلاستيكية صغيرة من ماء عكر، تُستعمل للشرب، والغسل، والتنظيف، أما الطعام حسب المتحدث ذاته، فمقتصر على سطل صغير من الأرز الفاسد، يتم توزيعه يوميًا بنفس الشكل والمذاق، دون أي تغيير.

يضيف النجوي وهو يحكي بمرارة ما يعيشه إلى الآن، الوجبتان مجرد تكرار مقزز، حيث إن وجبة الإفطار مكونة من كأس شاي فاتر وقطعة خبز بالكاد تكفي لطفل، يتبعها بعد ساعات طوال صحن أرز دون طعم أو قيمة غذائية تُذكر.

ويحكي النجوي الأمراض هنا متفشية في المكان، من التهابات جلدية متقدمة إلى مشاكل هضمية حادة، وصولًا إلى حالات مزمنة تُترك دون تشخيص أو علاج، ناهيك عن الحمى، السعال، والحساسيات المتكررة التي تُعتبر جزءًا من روتين الحياة اليومية هنا في ظل غياب الدواء وتحول أي خدمة هنا إلى شيء يباع ويشترى.

والأسوأ، كما يصف أحمد، ليس الطعام أو المرض، بل غياب الإنسانية: “نُعامل بعنصرية، نُضرب أحيانًا دون سبب، يُصرخ في وجوهنا بلغة لا نفهمها، ولا أحد يسأل عنا، فقط الصليب الأحمر يأتي كل ثلاثة أشهر، يسأل باختصار: ‘هل ما زلتم هنا؟’ ثم يغادر”.

“الوطن لا يريدكم”

ورغم صدور حكم البراءة بشكل رسمي ونهائي، لا يزال هؤلاء في انتظار الترحيل، غير أن تعقيدات قانونية وسياسية تُعيق ذلك، أبرزها أن السلطات المغربية لا تستطيع إصدار جوازات سفر بديلة لهم، بحكم أن القانون لا يسمح بإصدار جواز نيابة عن شخص لا يزال قيد الاعتقال.

إلى جانب ذلك، تواجه القضية عقبة دبلوماسية كبيرة، إذ لا تعترف المملكة المغربية بحكومة إقليم بونتلاند ككيان مستقل، ولا توجد سفارة مغربية أو أي تمثيلية رسمية للمغرب داخل هذا الإقليم الصومالي، ما يجعل أي نقاش مباشر حول تسليم المواطنين المغاربة “شبه مستحيل” في ظل غياب قناة رسمية معترف بها.

وفي السياق، قال أحمد النجوي، أحد المغاربة الستة المحتجزين في سجن بونتلاند بالصومال، إنهم جاؤوا إلى هذه البلاد على أمل تحسين أوضاعهم النفسية والمعيشية، لكنهم وجدوا أنفسهم عالقين في مأساة لا تنتهي، مردفا “تخيّل أن يُقال لك وأنت في السجن: وطنك لا يريدك، بينما دول مثل السودان أعادت مواطنيها في ظرف شهرين فقط، ونحن ننتظر منذ أكثر من سنة وسبعة أشهر.”

وناشد النجوي الدولة المغربية بكل مؤسساتها، من وزارة الخارجية إلى البرلمان، أن تتحرك لإنقاذهم، قائلا “نُناشدكم أن تنظروا إلينا كمواطنين لكم، نحتاج فقط جواز سفر، أو جهة قانونية تتسلّمنا، لا نريد سوى العودة إلى ديارنا، أن نطوي هذه الصفحة السوداء من حياتنا، نحن أبرياء، ولسنا مجرمين، والقضاء الصومالي قال ذلك أمام الجميع، فلماذا نبقى هنا؟”.