ضيوف “من الرباط”: تسريبات جبروت اختبار حقيقي للدولة الديمقراطية

سلط برنامج “من الرباط”، الذي يبث على منصات صحيفة “صوت المغرب” الضوء على التسريبات التي كشفتها وثائق “جبروت” حول المعطيات المالية والعقارية المتعلقة بوزير العدل عبد اللطيف وهبي، والتي أثارت جدلًا واسعًا حول شبهة “تهرب ضريبي” واستغلال محتمل للنفوذ.
وفي هذا السياق، اجتمعت آراء عدد من الشخصيات القانونية والإعلامية والحقوقية، لتُجمع على أن هذه التسريبات تشكّل “اختبارًا حقيقيًا” للدولة الديمقراطية والمؤسساتية، و”تُبرز الحاجة إلى الشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة”.
اختبار للدولة الديمقراطية
في هذا السياق، اعتبر المحامي والباحث في الصحافة خالد الإدريسي أن ملف الهبة العقارية لوزير العدل عبد اللطيف وهبي، وما أثير حوله من شبهة تهرب ضريبي، يشكل اختبارًا حقيقيًا للدولة الديمقراطية والحديثة، التي تربط المسؤولية بالمحاسبة، وتكرّس مبدأ المساواة أمام القانون.
وشدّد الإدريسي على أن “الوطنية الحقة تقتضي ترتيب الآثار”، مؤكدًا على وجوب الاستقالة إذا ثبت أن هناك مخالفة قانونية أو أخلاقية مرتبطة بهذه المعاملة، خصوصًا حين يتعلق الأمر بشخصية عمومية تتولى حقيبة العدل.
وأوضح أن إرساء مفهوم المواطنة، يقتضي ترسيخ الثقة بين الشعب والحكومة، وبين المواطن والمؤسسات، مشيرا إلى أنه “حينها فقط يمكن أن نقترب من مستوى الدول الديمقراطية التي استطاعت أن تحقق التنمية، وتحمي حقوق الإنسان، انطلاقًا من الممارسات السليمة والجيدة”.
وقال الإدريسي إن ثقافة فتح التحقيقات الشفافة يجب أن تُرسَّخ، بغض النظر عن مصدر المعلومات أو الجهة التي فجّرت القضية، مضيفًا: “إذا لم يرتكب المسؤول شيئًا، فليُفتح التحقيق وتُعلن نتائجه، لا نريد تكرار تجربة لجان تقصي الحقائق البرلمانية، التي تُركن تقاريرها في الأدراج ولا يُحاسب أحد”.
واعتبر المتحدث ذاته، أن ما جرى “ليس مجرد تسريب تقني أو جدل قانوني”، بل قضية “تمس جوهر الدولة الديمقراطية والحقوقية”.
وشدد المتحدث على أن القضية ليست مرتبطة فقط بمصدر التسريب، أو بما إذا كان داخليًا أو خارجيًا، ولا يجب أن تختزل في الجدل حول الجوانب الأمنية أو القانونية، مضيفًا: “هذا النقاش يجب ألا يتحول إلى محاولة لصرف الانتباه عن جوهر القضية، فالمطلوب هو مساءلة حقيقة السلوك العمومي، ومدى احترام القانون من طرف من يُفترض أن يسهر على تطبيقه”.
وفي تعليقه على خلفية وهبي القانونية، ودوره في الدفاع عن الإصلاحات الضريبية، قال الإدريسي: “حين يكون المسؤول العمومي هو من يتهم المحامين بعدم أداء الضرائب، فلا يحق له فتح جبهة بهذا الحجم إن لم يكن نموذجًا يُحتذى به في احترام القانون”.
وأضاف: “لا يمكن أن يقول ‘انظروا إلى أقوالي’ بينما يطلب من الناس ألا ينظروا إلى أفعاله، فهذه مسألة لا تتعلق فقط بالقانون، بل بالأخلاق والمنطق السياسي الحقوقي السليم”.
وختم خالد الإدريسي بالتشديد على أن القضية “لا يجب التستر عليها”، بل كشف معطياتها بشكل سليم وواضح للرأي العام، عبر أسلوب يتسم بالهدوء والشفافية، ويُجيب على تساؤلات المواطنين، لأنه “من حق الصحافيين والمواطنين أن يعرفوا حقيقة ما جرى”.
علامات استفهام
من جانبه، اعتبر الأستاذ الجامعي والحقوقي خالد البكاري أن ملف القرض العقاري الذي استفاد منه وزير العدل عبد اللطيف وهبي، وما أثير بشأنه من تساؤلات مالية وقانونية، يطرح “إشكالات حقيقية” تتعلق بمبدأ الشفافية والقدوة في ممارسة السلطة.
وقال البكاري، إن “شراء العقار الذي تبلغ قيمته حوالي 11 مليون درهم أو أكثر، يفتح الباب أمام أسئلة جوهرية، لأن البنك لا يمنح تمويلاً كاملاً بنسبة 100٪ إلا في حالات استثنائية”، متسائلًا: “إذا كانت المؤسسة البنكية قد موّلت العملية بنسبة كاملة، فهل ذلك بسبب نفوذ معين؟ ولماذا تمت هذه المعاملة بهذا الشكل؟”
وفي النقطة الثانية، أثار البكاري مسألة مدة سداد القرض، مبرزًا أن الوزير سدد قرضًا كبيرًا في أقل من أربع سنوات، رغم أن المدة الأصلية كانت تقارب عشر سنوات، مشيرا إلى أنه “حين تكون وزيرًا وتنجح في تسديد قرض بقيمة تقترب من مليار سنتيم في ظرف ثلاث سنوات، أي ما يعادل حوالي 700 مليون سنتيم سنويًا، فمن حق الرأي العام أن يسأل: كيف تم ذلك؟”
وأوضح البكاري أن هذه الأسئلة “لا تتضمن اتهامًا مباشرًا، بل ترتبط بشبهات تداولها الإعلام والرأي العام”، مستشهدًا بما نُشر حول الوزير في سياقات سابقة، وقال: “اسم الوزير ورد في قضايا متعددة، منها ما ارتبط بأشخاص في الحزب أو بممارسات مهنية، كما تداول الإعلام تسريبات سابقة، سواء مرتبطة بملف الناظور أو قضايا أخرى.”
أما فيما يتعلق بملف الهبة العقارية، فقد نبّه البكاري إلى ضرورة عدم إغفال الجوانب الضريبية والقانونية المرافقة لأي هبة، مهما كانت قيمتها، مضيفا “يمكن للوزير أن يصرح بما يشاء، لكن عليه أن يعي أن هناك رسومًا ضريبية وقوانين تحكم كل عملية تحويل ملكية، ونحن لا نتحدث فقط عن قانون، بل عن أخلاق المسؤولية.”
وختم البكاري بالتأكيد على أن المسؤول العمومي يجب أن يكون قدوة في النزاهة والشفافية، قائلاً: “حتى لو كانت المبالغ صغيرة، فإن كل درهم له رمزية كبيرة عندما يتعلق بشخص في موقع القرار. فالمسألة ليست مالية فقط، بل تمس جوهر الثقة في المؤسسات.”
سؤال مشروع
فيما أكد الإعلامي عبد الله الترابي أن وزير العدل عبد اللطيف وهبي يوجد اليوم في “مأزق سياسي وأخلاقي حقيقي”، بسبب تناقض تصريحاته في ملف “الهبة العقارية” وما أثير حوله من شبهات ضريبية، معتبرًا أن “الوزير هو من غذّى هذه الشبهات بتصريحات متضاربة، تارة يؤكد، وتارة ينفي”.
وشدد الترابي على أن من حق المجتمع أن يُسائل المسؤولين العموميين، وأن يطالبهم بالوضوح والشفافية، دون أن يُتهم بالخيانة أو يُصنف ضمن “الطابور الخامس”، موضحًا أن “هذا النوع من الردود التخوينية أصبح يتكرر بشكل مقلق كلما طُرحت أسئلة حقيقية تلامس الشأن العام”.
وأوضح أن “نحن لا نحاكم وهبي، لا على المستوى القضائي، ولا على المستوى الجبائي أو الضريبي، لأن هذه المجالات تخضع لمؤسسات مختصة، وعلى رأسها الإدارة الجبائية، التي تعتبر من أقوى الإدارات في المغرب، ولديها القدرة الكاملة على المراجعة والتحقيق وتصحيح الوضعيات”.
وأضاف أن “في دول أخرى، عندما يُثار جدل من هذا النوع، لا يُهاجِم المسؤول الصحافة، بل يأتي أمام الناس حاملاً الوثائق والعقود، يُفصِّل بالأرقام والمعطيات، وربما يُبدي الحرج مما وقع، وقد يصل به الأمر إلى تقديم الاستقالة، أما عندنا، فالأمر ينقلب إلى تهديد وتخوين، واتهام كل من ينتقد بأنه يعمل ضد الدولة”.
وختم الترابي بالقول: “لدينا كل الحق في النقاش، ولدينا كل الحق في أن نتساءل عن الشبهات الأخلاقية والسياسية، لأن وهبي مسؤول عمومي، ويتحمل حقيبة وزارة العدل، والمفروض في من هو في موقع كهذا أن يُقدِّم النموذج في السلوك، لا أن يتهرب من المساءلة”.
لمشاهدة الحلقة كاملة على منصة “يوتوب” المرجو الضغط على الرابط هنا