انتحار أستاذ يثير موجة من الاحتجاجات ومديرية التعليم تُبرئ نفسها مما وقع

في حادثة أثارت جدلا واسعا في صفوف الأطر التربوية والحقوقية، أقدم الأستاذ (م.ب)، حديث التعيين بالمدرسة الابتدائية “طارق بن زياد” التابعة للمديرية الإقليمية لمولاي رشيد بالدار البيضاء، على الانتحار، بعد أيام قليلة من توصله بقرار توقيفه عن العمل مع نهاية الموسم الدراسي.
ووفقًا لروايات جمعيات حقوقية، بدأت القصة بشكاية “تتهم الأستاذ بممارسة العنف في حق التلاميذ”، ليتفاجأ في نهاية الموسم الدراسي “بقرار توقيفه المؤقت عن العمل”، وهو “القرار الذي جاء في وقت حرج، خاصة وأن الأستاذ كان يعيش ظروفا نفسية صعبة بسبب وفاة والده، فضلا عن ضغط العمل المتراكم طيلة السنة الدراسية”.
تلقى الأستاذ (م.ب) مراسلة رسمية مؤرخة بتاريخ 23 يونيو 2025 تحت عدد 1842، نشرت على نطاق واسع بمواقع التواصل الاجتماعي، تنص على “توقيف راتبه الشهري إلى حين صدور قرار نهائي من المجلس التأديبي”، وذلك بالرغم من أن أولياء التلاميذ “قدموا تنازلا” لصالحه.
وفي ظل هذه الظروف، أقدم الأستاذ المذكور على وضع حد لحياته، حيث وُجد جثة هامدة يوم السبت 5 يوليوز 2025 بمدينة الدار البيضاء.

في المقابل، أصدرت المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بمولاي رشيد بلاغا صحفيا يوم 7 يوليوز 2025، نفت فيه توقيف راتب الأستاذ، مؤكدة أنه توصل بأجره بشكل عادي عن شهر يونيو الماضي، وعبّرت عن أسفها للوفاة، مؤكدة أنها “ستصرف مستحقات الوفاة لعائلته في أقرب وقت”.
هذا التناقض بين الوثائق الرسمية والبلاغ التوضيحي زاد من تأجيج الغضب وسط الأساتذة، الذين اعتبروا أن “الإدارة تملصت من مسؤوليتها في هذه الفاجعة”، كما نددوا بطريقة التعامل مع زميلهم، التي وصفوها بالمجحفة وغير الإنسانية.

وفي هذا السياق، خرج العشرات من الأساتذة المنضوين تحت لواء الجامعة الوطنية للتعليم والتنسيقيات التعليمية المختلفة، في وقفة احتجاجية، أمام مقر المديرية الإقليمية بمولاي رشيد، رفعوا خلالها شعارات تُحمل الإدارة مسؤولية ما وقع.
أما بالنسبة لوالدة الأستاذ الراحل، التي كانت حاضرة في الوقفة، فقد أكدت، وهي تبكي بحرقة، أن “ابنها لم يكن مريضا نفسيا، كما حاول البعض الترويج لذلك، بل كان طموحا ويسعى إلى التطور في مهنته”، موضحة أنه “تم استدعاؤه إلى المؤسسة بعد تقديم الوثائق والنتائج، ليُفاجأ بورقة التوقيف”.
إلى جانب ذلك، تدخلت عدة منظمات حقوقية على خط القضية، من بينها فرع المنظمة المغربية للعدالة وحقوق الإنسان بعين السبع–الحي المحمدي، والذي وصف الواقعة بأنها “جرس إنذار خطير”، داعيا إلى التحقيق ومعاقبة المسؤولين عن “الضغط المؤسسي والإداري على الأطر التربوية”.
وفي بلاغها، عبّرت المنظمة عن استيائها من “الطريقة التي يتم بها التعامل مع الأساتذة في مثل هذه الحالات”، منتقدة “غياب الحماية القانونية والإدارية، والتعاطي السريع مع الشكايات الكيدية دون تحقق”.
كما شددت المنظمة على ضرورة إنشاء خلايا للوساطة التربوية بالمؤسسات التعليمية، لتدبير النزاعات قبل اللجوء إلى العقوبات أو المساطر القضائية، داعية إلى إعادة التوازن في العلاقة بين التلميذ والأستاذ.
وورد في بلاغ ثانٍ للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومكافحة الفساد، أنها “توصلت بوثائق رسمية تثبت أن الأستاذ كان مكلفا بالتدريس في مؤسستين مختلفتين، مما سبب له إنهاكا نفسيا وجسديا غير محتمل، وهو ما لم تضعه الإدارة في الحسبان”.
وانتقد حقوقيون الطريقة التي تم بها توقيف الأستاذ، والتي “كانت تخالف الضمانات القانونية، حيث لم يُمنح فرصة الاستماع إليه أو الدفاع عن نفسه، بل تم التشهير به علنا، ما جعله يشعر بالإهانة والظلم، ليقدم على إنهاء حياته بشكل مأساوي”.
وفي غضون ذلك، أكد المصدر ذاته أن “التعليم أصبح ساحة ضغط قاسية، حيث يُزج بالأطر التربوية، وخصوصا الجدد منهم، في ظروف عمل صعبة ومهينة دون مراعاة للجانب النفسي والمهني”، معتبرا أن “هذه السياسة تقتل الكفاءات بشكل إداري ناعم”.