الخلفي: مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة عمّق الأزمة بدل حلها

اعتبر مصطفى الخلفي، وزير الاتصال السابق، أن مشروع القانون المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة لم يأتِ لحل الأزمة التي يعيشها القطاع، بل عمّقها بشكل أكبر، مؤكّدًا أن هذا المشروع “لم يُشعر أحدًا بالانتماء إليه”، حيث عبّرت أغلب الهيئات المهنية عن رفضها له، بسبب غياب المقاربة التشاركية وعدم تمثيلها في مضامينه.
وفي مداخلة له خلال ، قال الخلفي إن “السياق الذاتي لصدور هذا المشروع كان يفرض أن يكون حلًا لأزمة تنظيم المهنة، لكنه تحول إلى مصدر تعقيد إضافي، إذ لم يتبنه أي طرف مهني فعلي باستثناء بعض الحالات المعزولة”.
ورأى الخلفي أن المشروع الجديد المعروض اليوم يمثل تراجعًا واضحًا عن هذا المسار الديمقراطي، ويفتقر إلى الروح التشاركية التي ميّزت مراحل صياغة القانون السابق.
وكمثال على هذا التراجع، أوضح أن المادة التي كانت تُلزم المجلس بإصدار تقرير سنوي حول حرية الصحافة، كانت تنص سابقًا على “رصد الانتهاكات”، لكن المشروع الجديد حذف عبارة “الانتهاكات” بشكل نهائي، في خطوة قال إنها تعبّر عن توجه واضح نحو تقييد التطور الديمقراطي.
وتساءل الخلفي: “هل من المعقول أن نتحدث عن حرية الصحافة دون أن نتحدث عن الانتهاكات؟ في كل دول العالم، رصد الانتهاكات يُعد جزءًا جوهريًا من تقييم وضعية الحريات، وحذف الكلمة ليس تفصيلًا بسيطًا، بل يعكس فلسفة النص برمّته”.
“لا وجود لفراغ قانوني”
وأكد مصطفى الخلفي، وزير الاتصال السابق، أن القول بوجود فراغ قانوني لتبرير عدم إجراء انتخابات المجلس الوطني للصحافة في موعدها بعد انتهاء الولاية السابقة لا أساس له، مشددًا على أن اللجنة التي أشرفت على انتخابات المجلس في مرحلته الأولى كانت كافية لتأمين استمرار المسار الديمقراطي.
وأوضح الخلفي، ، أن تلك اللجنة، التي ترأسها قاضٍ، وإن لم يكن هناك نص قانوني يُنظّمها صراحة في حينه، فإنها كانت مؤهلة لمواصلة الإشراف على العملية الانتخابية، باعتبار أن النصوص القانونية تضبط القواعد العامة لهذا النوع من المسارات.
وقال: “الإشكال المتعلق بإشراف نفس اللجنة على انتخاب المجلس الثاني كان يمكن تجاوزه بتعديل بسيط، ولم يكن يتطلب إعادة هيكلة كاملة”.
وانتقد الوزير السابق ما اعتبره فشلًا في النموذج نفسه، لا فقط في تفاصيله، مبرزًا أن الهدف من تأسيس المجلس الوطني للصحافة كان واضحًا منذ البداية، وهو إحداث هيئة مستقلة تتولى منح وسحب بطاقة الصحافة، بدل أن تبقى هذه المهمة خاضعة لقرار إداري صادر عن الوزير.
وأضاف الخلفي أن المجلس وُجد ليكون بديلًا عن اللجوء إلى القضاء في النزاعات المهنية، من خلال إقرار آلية تحكيم ذاتي تُجنّب المهنيين التعقيدات القضائية وتراكم الملفات، مؤكدا أن المجلس ينبغي أن يتكون من صحافيين وناشرين منتخبين، مع تمثيلية للمجتمع المدني، وهي المبادئ التي ظلت ثابتة، غير أن المشروع الحالي، حسب قوله، “لم يحترمها وأدخل تغييرات فرعية لكنها عميقة الأثر”.
وأشار الخلفي إلى أن أبرز هذه التغييرات تتمثل في اعتماد نظام استثنائي لانتخاب ممثلي الناشرين، وهو ما وصفه بـ”المسار غير السليم الذي لا مبرر له”، إضافة إلى توسيع صلاحية الانتداب، وهي مسألة يرفضها الخلفي بشدة عندما يتعلق الأمر بهيئة تملك صلاحيات ضبطية، من قبيل منح أو سحب البطاقة المهنية.
وفي مقارنة مع النماذج الدولية، أوضح الوزير السابق أن التجارب في فرنسا وإيطاليا تُبيّن بوضوح أن الهيئات التي تمنح بطاقة الصحافة تُنتخب من قبل المهنيين أنفسهم، وتضم ممثلين عن الجسم الصحافي، أما في النموذج البريطاني، فالهيئة تؤسس ذاتيًا من قبل الناشرين وتتمتع بصلاحيات معنوية فقط، دون أن تكون لها سلطة ضبطية.
وشدّد الخلفي على أن “منح بطاقة مهنية وسحبها دون انتخاب وبقرار من هيئة غير منتخبة أمر غير موجود في أي دولة ديمقراطية في العالم”، داعيًا إلى مراجعة عميقة للنص المعروض، بما يعيد الاعتبار للتنظيم الذاتي الديمقراطي ويضمن استقلالية المهنة.
“لا تشاور فعلي”
وأوضح أن اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، التي تم تعيينها سنة 2023، “لم تقم بأي تشاور حقيقي”، رغم أن من بين مهامها الأساسية الإعداد لإصلاح المجلس الوطني للصحافة، مضيفا “قيل إن اللجنة أخذت وقتًا طويلًا لأنها كانت تُجري مشاورات، لكن عمليًا، لم يقع أي تشاور فعلي”.
وشدد الخلفي على أن مسألة التشاور ليست اختيارًا سياسيًا، بل واجب دستوري، مذكرًا بأن الدستور المغربي يكرّس الديمقراطية التشاركية من خلال أربعة فصول واضحة، ما يجعل التشاور ملزمًا في مثل هذه المساطر التشريعية.
وأكد الوزير السابق أن غياب التشاور انعكس بشكل مباشر على جودة المشروع المعروض، خلافًا لما جرى في مرحلة تأسيس المجلس الوطني للصحافة، حين تم اعتماد مقاربة تشاركية واسعة، أفضت إلى صياغة قانون شامل وتنظيم انتخابات مهنية شفافة.
وقال: “الجانب التشاركي حينها أعطانا مجلسًا معترفًا به وله صدى، حتى وله صلاحيات مثل منح أو سحب البطاقة المهنية، وأصبح هيئة تُحترم، أما اليوم، فالمشروع الحالي يجهز على هذا الكيان”.
وفي استعراضه لأسباب الأزمة، أشار الخلفي إلى أن الخلل بدأ سنة 2022، حين لم تُجرَ الانتخابات كما كان متوقعًا، رغم انتهاء الولاية، مضيفا “كان من المفترض، حسب مبدأ التناوب، أن يُنتخب رئيس جديد للمجلس من فيدرالية ناشري الصحف لكن تم عرقلة ذلك،وهذا المبدأ تم التخلي عنه في الصيغة الحالية”.
ورغم أن المشروع الجديد يستند إلى القانون 90.13، إلا أن الخلفي أكد أن التعديلات التي جاء بها “محدودة للغاية”، ولا تمس جوهر المهام أو الاختصاصات باستثناء إضافة إجراء انتداب، وعقوبة جديدة تتمثل في حجب المنابر الإعلامية، ما يشكّل بحسبه تراجعًا لا إصلاحًا.
واعتبر الخلفي أن “الفشل في اعتماد المقاربة التشاركية ليس أمرًا تقنيًا، بل يعكس خللًا عميقًا في الإرادة السياسية”، مشيرًا إلى أن هذه المقاربة نفسها كانت ناجحة في ملفات كبرى، من قبيل النموذج التنموي الجديد وهيئة الإنصاف والمصالحة، التي بُنيت على مشاورات موسعة ومعمقة.
وأردف: “للأسف، ما نعيشه اليوم هو مسار غابت عنه المقاربة التشاركية، واستُهلك فيه الكثير من الوقت، لنصل إلى مشروع لا يجد من يدافع عنه، ولا من يتبناه داخل النقاش العمومي”.
مسار طويل
وأضاف الوزير السابق أن الخلل بدأ منذ سنة 2022، حين لم تُنظم الانتخابات الخاصة بالمجلس الوطني للصحافة، وهو ما أدى إلى حالة عجز تمّ تبريرها بمبررات مختلفة، قبل أن يتم التمديد للمجلس لما بعد يونيو من نفس السنة، مبرزا أنه “في يونيو 2023، تم تعيين لجنة مؤقتة لتدبير المرحلة، غير أنها قضت عامين كاملين وسط أزمة مستمرة في التنظيم الذاتي للمهنة”.
وأشار الخلفي إلى أن ملف التنظيم الذاتي في المغرب ليس جديدًا، بل تمت مناقشته منذ أكثر من ثلاثين سنة، ومرّ بمفاوضات شاقة بين سنتي 2005 و2007 دون أن يُعرض على مجلس الحكومة آنذاك.
واستحضر في هذا السياق لقاء جمعه، بصفته عضوًا في المكتب الفيدرالي المغربي لناشري الصحف، بالوزير الراحل خالد الناصري، الذي أخبرهم حينها أن مشروع القانون جاهز، وكان ذلك في خضمّ النقاشات المرتبطة بدستور 2011.
وأضاف الخلفي أن وفدًا من الناشرين، برئاسة الراحل خليل الهاشمي الإدريسي، دافع بشدة أمام لجنة إعداد الدستور من أجل استقلالية هيئة الصحافة، وهو ما أكّدته اللجنة حينها، معتبرةً أن هذه الهيئة لا يمكن أن تتحول إلى مؤسسة دستورية، لأن الصحافة تُعد “السلطة الرابعة” ويجب أن تتمتع بكافة شروط الاستقلالية.
واستعرض الوزير السابق تفاصيل المسار التشاوري الذي أُطلق مجددًا بداية سنة 2012، ودام حتى 2015، حيث تم تشكيل لجنة علمية تحت إشراف الحقوقي الراحل عبد العزيز النويضي، واشتغلت على المشروع بمنهج تشاركي وتوافقي.