الانقطاع المتكرر لأدوية حيوية يثير غضب المرضى وسط تحذيرات المهنيين

في الآونة الأخيرة، تصاعدت الشكاوى من الغياب المتكرر لعدد كبير من الأدوية الحيوية والأساسية في الصيدليات المغربية، مما أثار استياءً كبيرًا في صفوف المهنيين الذين يرون في ذلك دليلاً واضحًا على وجود هشاشة في المنظومة الدوائية الوطنية، كما عبّر حماة المستهلك عن غضبهم الشديد، معتبرين أن هذه الأزمة تمثل “تهديدًا مباشرًا للأمن الصحي للمغاربة، وتستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة وفورية لتداركها”.
“غياب التخطيط الاستباقي“
عبّر حسن عاطش، رئيس الغرفة النقابية لصيادلة فاس، عن قلقه من “الوضعية المقلقة التي يعيشها سوق الأدوية بالمغرب، بسبب اختفاء أكثر من 600 نوع من الأدوية الحيوية والأساسية من رفوف الصيدليات”، معتبرا أن “هذا الغياب يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الدوائي الوطني ويزيد من معاناة المرضى في ظل غياب حلول عملية وفعالة”.
واعتبر عاطش أن “ما كان يُنظر إليه في وقت سابق كاستثناء بات اليوم قاعدة يومية تؤرق المهنيين وتكشف عن خلل كبير في تدبير ملف الأدوية وطنيا”، مشيرًا إلى “غياب التخطيط الاستباقي من قبل الجهات المعنية، وخاصة وزارة الصحة، التي تتحمل مسؤولية هذا الخصاص المتكرر والمضر بالصحة العامة”.
وفي هذا السياق، عبّر المتحدث عن “إحباط الصيادلة الذين أصبحوا عاجزين عن تلبية حاجيات المرضى، بسبب ندرة الأدوية وتوزيعها غير العادل، حيث إن بعض الصيدليات والمصحات باتت تحتكر كميات كبيرة من الأدوية، في تجاوز سافر لقانون 17.04 المنظم لقطاع الصيدلة والأدوية”.
وفي هذا السياق، أبرز عاطش أن “القانون ينص على مسؤولية وزارة الصحة في مراقبة السوق الدوائية وضمان توفر الأدوية بشكل منتظم وكاف، وهو ما لا يتحقق اليوم في ظل غياب رقابة فعالة، حيث يُفترض أن يتوفر مخزون احتياطي يغطي ثلاثة أشهر على الأقل”.
من هذا المنطلق، طالب المتحدث ذاته بفتح تحقيق عاجل وجاد في أسباب الانقطاع المتكرر للأدوية، داعيًا إلى “محاسبة كل من ثبت تورطه أو تقصيره في الإخلال بسلاسل التوزيع أو احتكار الدواء، تفاديًا لأي أزمة صحية مستقبلية قد تعصف بالمنظومة الصحية الوطنية”.
ومن جهة أخرى، اعتبر عاطش أن “مراجعة تسعيرة الأدوية، خاصة المصنفة ضمن فئتي T3 وT4، أضحت ضرورة ملحة، نظرًا لما تُسببه هذه الأسعار من أعباء اقتصادية على الصيادلة والموزعين”، موضحا أن “هامش الربح الضئيل لا يغطي التكاليف، مما يدفع البعض إلى التوقف عن بيعها”.
كما عبر عن استيائه من “واقع الاحتكار والامتياز الذي تنعم به بعض الصيدليات دون غيرها، بفضل اتفاقات ضمنية مع الشركات الكبرى والمختبرات، وهو ما ساهم في ارتفاع منسوب الأدوية المفقودة وصعوبة ولوج المرضى إليها”.
واعتبر أن “هذا الوضع غير العادل يضرب في الصميم مبادئ المنافسة الشريفة ويعرقل سياسة القرب، حيث يجد المواطن نفسه مضطرًا للتنقل لمسافات طويلة بحثًا عن دواء قد يكون متوفرًا في صيدلية واحدة فقط”.
وفضلا عن ذلك، سجل عاطش أن “عدم نشر لائحة الأدوية الخاصة بالمصحات يزيد من تفاقم الوضع، حيث تستفيد هذه المؤسسات الصحية من تحفيزات مفرطة تُفاقم من أزمة غياب الأدوية في الصيدليات”.
ودعا في هذا الإطار إلى اعتماد التسمية العلمية للأدوية عوضاً عن الأسماء التجارية، باعتبارها وسيلة فعالة لضمان ديمومة الدواء وتسهيل ولوجه للمواطن كبديل عن الأدوية المفقودة.
كما أشار إلى أن “مدونة الأدوية لا تتضمن أي مادة تمنع الصيادلة من استبدال الدواء، وأن الأصل في الأشياء هو الإباحة ما لم يرد نص صريح بالمنع”، مضيفا أن منع الاستبدال لا يرد إلا في الفصلين 19 و27 من قانون واجبات الصيادلة، داعياً إلى تعديل هذه الفصول إذا اقتضى الأمر، لأن “الاستبدال حق من حقوق المواطن الذي يعاني من ارتفاع أسعار بعض الأدوية”.
وأضاف عاطش أن “صناديق التعاضد تعوض المواطنين على أساس الأدوية الجنيسة الأرخص ثمناً، ما يتطلب تمكين الصيادلة من استبدال الأدوية دون قيود لضمان التوازن في المنظومة”.
الدواء.. “الجوهرة المفقودة“
من جهته، عبّر بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، عن استغرابه من تفاقم أزمة الأدوية في الصيدليات المغربية، رغم أنه تم التنبيه إليها منذ 2014 و2019، لتصل إلى ذروتها سنة 2025، في غياب أي تدخل فعلي لاحتوائها.
واعتبر الخراطي أن “المستهلك بات اليوم يتنقل من صيدلية إلى أخرى بحثًا عن “الجوهرة المفقودة” التي قد تنقذ حياته، وأن استمرار هذا الوضع سيدفع المرضى إلى اللجوء لبدائل خطيرة، من قبيل السماسرة والمشعوذين، مما يعرض حياتهم لخطر حقيقي”.
وفي هذا الإطار، شدد الخراطي على أن “غياب أكثر من 2000 نوع من الأدوية يطرح تساؤلات جوهرية حول قدرة الأطباء على أداء مهامهم العلاجية، في حين تفتقر الصيدليات للأدوية الأساسية المرتبطة بأمراض مزمنة مثل القلب، والسرطان، والسكري، والعيون”.
كما نفى رئيس الجامعة أي علاقة مباشرة بين اختفاء الأدوية وأسباب دولية كارتفاع أسعار المحروقات أو الحرب الروسية الإيرانية أو الإسرائيلية، معتبرا أن السبب الرئيسي يكمن في ضعف هامش الربح، ما جعل المنتجين والموزعين يعزفون عن توفير بعض الأنواع.
وفي غضون ذلك، دعا الخراطي إلى “تدخل عاجل من جميع الفاعلين من أجل وضع حد لهذه الأزمة، التي تنذر بانهيار وشيك لمنظومة صحية تعاني أصلاً من اختلالات بنيوية”، مؤكداً على “ضرورة معالجة جذرية وشاملة عبر سياسة دوائية واضحة المعالم”.