story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

بسبب مكالمات تهديدية.. مسؤول تحقيقات الجنائية الدولية بملف غزة يستقيل

ص ص

بعد نحو سنتين من مباشرته الإشراف على جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في غزة، وبينما كان يجمع شهادات مروعة، لم يجد المحامي البريطاني أندرو كايلي خياراً إلا الاستقالة من وظيفته، بعد تلقيه مكالمات تهديدية

يصف كايلي (61 عاماً) تجربته لصحيفة “ذا أوبزرفر” البريطانية، قائلاً: “كانت تلك أسوأ بضعة أشهر في حياتي”. ويضيف “الضغوط كانت هائلة”.

وتأتي استقالة المشرف على تحقيقات الجنائية الدولية بملف غزة، بعد سلسلة من الضغوطات وصلت لحد تلقيه مكالمات هاتفية مجهولة تُهدده قائلة: “أنت في وضع خطير جداً”. وبعدها حضر رجال الشرطة والأمن الهولنديون إلى المحكمة لتحذيره من أنه في خطر حقيقي. يحكي كايلي: “قالوا إن علينا تفقد شقتك، وإنه يجب تركيب أجهزة إنذار على كل النوافذ، وأعمدة حديدية على المناور، مع باب مضاد للرصاص.” ويتابع قائلاًُ: “كان الأمر مرعباً جداً”.

في هذا الصدد، اعتبر المحامي عبد المجيد مراري مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة إفدي الدولية، أن استقالة أندرو كايلي من مهامه في المحكمة الجنائية الدولية بسبب التهديدات تثير القلق بشأن مستقبل العدالة الدولية.

وأعرب مراري، وهو المتحدث باسم الفريق القانوني لدى الجنائية الدولية، عن استنكاره إزاء الضغوط السياسية والتهديدات الأمنية التي تطال العاملين في المحكمة الجنائية الدولية، وهي ذاتها التي أدت إلى استقالة المحامي البريطاني البارز أندرو كايلي.

وأشار إلى أن هذه الممارسات “تمثل اعتداء صارخاً على مبادئ العدالة الدولية، وتقويضاً خطيراً لاستقلال القضاء الدولي، كما “ترسل رسالة مقلقة مفادها أن ملاحقة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية قد تواجه بالترهيب بدلاً من الالتزام بالقانون”.

وأدان مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة إفدي الدولية أي محاولات لتسييس عمل المحكمة أو التدخل في مهامها، مؤكداً على ضرورة تمكينها من أداء دورها دون ضغوط أو تهديدات، وأهمية حماية جميع العاملين فيها من أي أشكال من أشكال الانتقام أو الترهيب.

وطالب مراري، المحامي لدى الجنائية الدولية، المجتمع الدولي بالتصدي لهذه التهديدات، وضمان بقاء المحكمة الجنائية مؤسسة مستقلة وفعّالة، قادرة على تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم الجسيمة، أياً كانت هوياتهم أو مواقعهم، لافتاً إلى أن “العدالة لا تُحقَّق تحت الضغط، بل تُصان بالحماية والاستقلال”.

وشملت مهمة المحامي البريطاني أندرو كايلي، والتي عُرِضت عليه من المحكمة في أوائل 2024، جمع الأدلة وشهادات من أسرى إسرائيليين أفرجت عنهم حركة المقاومة الإسلامية حماس في صفقات التبادل، إلى جانب إجراء مقابلات مع أطفال من غزة تعرضوا لإصابات مروعة. وقد وصفت الصحيفة البريطانية المهمة بـ”المنهكة عاطفياً”.

تقول صحيفة “ذا أوبرزفر” إنه عندما تلقى أندرو كايلي اتصالاً يعرض عليه الوظيفة من المحكمة الجنائية الدولية، كان يعلم أن الأمر سيكون صعباً، لكن الفرصة لقيادة التحقيق في فلسطين إلى جانب المحامية الأمريكية بريندا هوليس كانت مغرية.

كما كان واضحاً من البداية أن القضية القانونية لن تكون سهلة، لأن إسرائيل ليست طرفاً في نظام المحكمة ولا تعترف بولايتها القضائية، وبالمقابل فإن فلسطين عضو في المحكمة، وبالتالي فإن لهذه الأخيرة اختصاصاً قضائياً على الجرائم التي تُرتكب على أراضيها.

يقول كايلي: “الضغوط كانت هائلة”.ويضيف “كان يجب إنجاز المهمة بسرعة كبيرة”. ومع تزايد المؤشرات على أن المدعي العام، كريم خان، يعتزم المضي قدماً في طلب إصدار مذكرة توقيف بحق بنيامين نتنياهو، تصاعدت تلك الضغوط.

ومن بين الضغوط التي تحدث عنها كايلي، ما صدر من السياسيين الأمريكييين من تلويح بالانتقام من المحكمة إذا مضت قدماً في إصدار مذكرات التوقيف بحق مسؤولين إسرائيليين. وكان السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، المؤيد القوي لإسرائيل “يصرخ في وجهنا” يقول كايلي.

ويتابع المحامي البريطاني: “فكرت: علينا أن نفعل الصواب، لكن الولايات المتحدة تملك قوة هائلة. كان الأمر مخيفاً، بصراحة. لقد تم تحذيرنا بشكل واضح”. كان هناك تهديد دائم بالعقوبات من واشنطن.

بالإضافة إلى الخطر الجسدي، كانت العقوبات الأمريكية بالنسبة إلى كايلي بمثابته الكارثة، إذ أن زوجته السابقة وجميع أولاده الأربعة يعيشون في الولايات المتحدة، واثنان منهم لا يزالان في التعليم ويعتمدون عليه مالياً.

كانت العقوبات ستعني أنه لن يتمكن من زيارتهم أو إرسال المال لهم، بحسب صحيفة “ذا أوبزرفر”، بل وربما كانت ستؤثر أيضاً على قدرته على العمل في المملكة المتحدة.

يقول كايلي: “معظم البنوك تتجاوز الحدود القانونية من باب الحذر. فهي تتعامل بكثافة مع الولايات المتحدة ولا تريد انتهاك القانون الفيدرالي، لذا تقوم الخوارزميات تلقائياً بتجميد حسابات الأفراد الخاضعين للعقوبات.” وبناء على ذلك تلقى نصائح بتحويل أمواله إلى حساب شقيقته.

مع حلول الخريف الأخير، بدأت الضغوط تؤثر على صحة المحامي البريطاني أندرو كايلي، الذي كان مريضاً. وفي النهاية، شعر أنه لم يعد لديه خيار سوى ترك وظيفته التي كان يحبها.