story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
ثقافة |

خبراء يناقشون تحديات الهجرة والشتات الإفريقي في زمن التحولات العالمية

ص ص

أكد مهتمون وفاعلون ثقافيون على أهمية إعادة النظر في مقاربات الهجرة والشتات الإفريقي في ضوء التحولات الاجتماعية والسياسية الراهنة، معتبرين أن هذه الظاهرة لم تعد مجرد قضية نقل أو تنقل بل أصبحت “لحظة محورية” تعيد تشكيل العلاقات والهوية.

جاء ذلك خلال ندوة نظمت على هامش مهرجان كناوة بالصويرة، الجمعة 20 يونيو 2025، تحت عنوان: “الحركية البشرية والديناميات الثقافية”، وشارك فيها باحثون وممثلو منظمات المجتمع المدني من دول مختلفة.

وفي مداخلتها، قالت كاسي فيرمان، رئيسة اتحاد الشتات الإفريقي، إن “العالم يعيش لحظة محورية لم يعرفها الشتات الإفريقي منذ حقبة تجارة الرقيق عبر الأطلسي”، معتبرة أن “قضية التنقل والهجرة باتت تؤثر بعمق على مصير أبناء الشتات، في مختلف أنحاء المعمورة”.

وأضافت فيرمان، أن “الأنظار قد تكون موجهة حاليًا إلى الولايات المتحدة، لكن الظاهرة تمتد إلى أوروبا، وآسيا، بل حتى إلى أماكن نادرًا ما تُذكر مثل الصين، حيث يوجد أبناء الشتات الإفريقي”، موضحة أن “ما نعيشه اليوم ليس مجرد موجة هجرة، بل لحظة عنصرية مكثّفة، تُعيد إنتاج آليات التهميش والنبذ التاريخي بطرق جديدة”.

وشددت على أن “الإعلام في العديد من الدول الغربية يُحمّل الأقليات ذات الأصول الإفريقية مسؤولية الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ما يكرّس صورًا نمطية خاطئة، ويُغذي خطابًا عنصريًا ممنهجًا”، مضيفة في نفس السياق أن “الجرأة مطلوبة اليوم أكثر من أي وقت مضى للحديث بصراحة عن هذه الأشكال من التمييز، دون مواربة”.

وأكدت رئيسة اتحاد الشتات أن “أبناء الشتات الإفريقي بحاجة إلى مقاربة جديدة تُعيد لهم السيادة على سرديتهم التاريخية، وتُساعدهم على إعادة تعريف الهوية، وتجاوز آثار الاستعمار والعبودية”، مشيرة إلى أن “الوحدة داخل الشتات لا تعني التنميط، بل احترام تعددية التجارب، والبحث عن القواسم المشتركة كرافعة لقوة جماعية”.

كما دعت إلى “التوقف عن الصمت أمام السرديات التبسيطية أو الإقصائية، التي لا تعكس الحقيقة التاريخية ولا تُنصف نضالات السود”، مشددة على أن “المقاومة كانت دومًا جزءًا من الهوية الجماعية للشتات، وهي التي حفظت الذاكرة الجماعية في وجه محاولات الطمس”.

وأشارت فيرمان إلى أن “ما يحدث في الولايات المتحدة، من محاولات منهجية لمحو تاريخ الأمريكيين من أصل إفريقي وإقصاء مجموعات مهاجرة، ليس مجرد انحراف، بل تهديد مباشر للذاكرة الجماعية”، موضحة أن “الرد على هذا المسار يتطلب بناء تحالفات قوية مع مجموعات تشارك الشتات الإفريقي نفس المبادئ والقيم، دون التفريط في خصوصية تجربته”.

وفي حديثها عن الجوانب الإيجابية، أكدت أن “روعة الشتات الإفريقي تكمن في تنوعه الثقافي وغناه الإنساني، وأن تأثيره في المجتمعات التي وُجد فيها كان دائمًا إيجابيًا وخلاقًا”، مضيفة أن “هذا الإرث المشترك يجب أن يتحول إلى طاقة توحيد لا إلى مصدر تفرقة”.

واختتمت فيرمان مداخلتها بالتأكيد على “أهمية التثقيف المبكر، والانخراط في حوارات عبر الثقافات والبلدان”، مشيرة إلى أن “اتحاد الشتات الإفريقي هو الجهة الوحيدة في الولايات المتحدة التي تُقدم برنامج دراسات الشتات لطلبة الثانويات، في محاولة لتوسيع الوعي التاريخي خارج الأوساط المهتمة تقليديًا بالقضية”.

كما كشفت عن “إطلاق برامج تبادل ثقافي بين فنانين ومبدعين وطلبة من دول متعددة، بهدف ترسيخ التفاهم المتبادل، وتطوير رؤية مشتركة أكثر شمولًا وعدالة”.

من جانبه، قال كريم بوعمرن، رئيس بلدية سان وان سور سين بفرنسا، إن “فرنسا اليوم تواجه معضلة عميقة تتعلق بوَصم المسلمين، وهو ما بات يُهدد نسيج الجمهورية ويُعرضه للتفكك”.

وأوضح بوعمرن، أن “الفرنسيين الذين يُعرفون أنفسهم كمسلمين أصبحوا موضع استهداف ممنهج في الخطاب السياسي والإعلامي، وهو ما يعكس أزمة هوية تعيشها الجمهورية الفرنسية”.

واعتبر بوعمرن أن “خلاص فرنسا لا يمكن أن يتحقق دون الاعتماد على ثلاثة عناصر محورية, الأجيال الجديدة، وجيل أبناء المهاجرين من شمال إفريقيا وغربها، إلى جانب استثمار جاد في الشباب”، مشددًا على أن “هذه الفئات تمتلك الإمكانات الفكرية والعلمية والاجتماعية للمساهمة في إعادة صياغة مشروع جمهوري جامع”.

وأشار إلى أن “الجيل الوسيط، ممن تتراوح أعمارهم بين الأربعين والستين عامًا، خاصة أولئك الحاصلين على أعلى الشهادات، يتحمل مسؤولية تاريخية في لعب أدوار قيادية داخل النخب السياسية والاقتصادية والثقافية”، معتبرًا أن “هؤلاء يمكنهم أن يشكلوا العمود الفقري لبناء جمهورية أكثر شمولًا وإنصافًا”.

ولفت إلى أن “الهوية الفرنسية لم تعد قابلة للحصر في لون أو أصل”، مشيرًا إلى أن “وجود أفراد 100% مغاربة و100% فرنسيين أو أمريكيين هو مكسب وليس عبئًا، بل قوة مضاعفة يمكن استثمارها لبناء جسور بين فرنسا ومحيطها الإفريقي والمتوسطي”.

ودعا بوعمرن إلى إشراك فعلي للنخب مزدوجة الجنسية في مراكز القرار، خصوصًا في ملفات التعاون الخارجي، متسائلًا: “كم عدد السفراء الفرنسيين من أصول مغربية أو مالية أو سنغالية؟ ولماذا لا نعترف بدورهم كجسور فعلية للعلاقات الدولية؟”.

وشدد على أن “تأخر فرنسا في تمثيل هذه النخب داخل مؤسساتها الكبرى، من مجلس الدولة إلى المجلس الدستوري، ومن شركات CAC 40 إلى الهيئات العامة، يعكس تقصيرًا بنيويًا يُعيق تجديد الدماء داخل الإدارة الفرنسية”.

وختم بوعمرن تصريحه بالتأكيد على أن “قوة فرنسا في القرن الحادي والعشرين ستكون مرهونة بقدرتها على دمج طاقاتها البشرية المتنوعة، وعلى الاستثمار الحقيقي في الإنسانية”، محذرًا من أن “هجرة الشباب نحو كندا أو الولايات المتحدة أو الخليج هي مؤشر على فشل الدولة في استيعاب طموحاتهم، وهو ما يستوجب مراجعة جذرية للرؤية الوطنية”.