story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

بحياتك ياولدي: قفة.. مونديال.. ويوتوبرز…!

ص ص

على بعد أشهر معدودة من الانتخابات التشريعية الثانية عشرة التي تنظمها بلادنا، و الرابعة بالتقويم الدستوري الأخير، تتجدد أسئلة القادم و المرتقب؟ فهل يمكن أن تفتح الانتخابات التشريعية المرتقبة باب الإنبعاث السياسي والقيمي للأمة من داخل المؤسسات، لكن و قبل هذا ، على أي أسس سيحجّ المصوتون إلى صناديق الإختيارات، و مالذي هيأته الولاية “السياسية” و المؤسساتية المشرفة على الإنصرام كمعايير انتقاء لوِجهة الصوت الانتخابي؟؟ لعل الأجوبة تكمن في أسئلة مُوازية، تطرح إشكالية أدق و التي تتمثل في ما أرى في التساؤل حول المؤثرات التي ستحكم اختيار المواطنين الذين سيقررون ممارسة حق التصويت واختيار الحاكمين “الحكوميين”.

لنحاول – بغير قليل من الانطباعية- ربما ، أن نرصد بعض العوامل التي نرجح أنها طبعت السنوات المؤسساتية و السياسية الخمس المنصرمة ، والتي ستشكل في ظل ضمور الفعل الحزبي من جهة والمدني والفكري من جهة أخرى ، مُوجهات موضوعية لقرار المشاركة من عدمها في الانتخابات من جهة و ستحدد وجهة اختيارات التصويت من جهة أخرى.

يبدو جلياً – فيما أعتقد – أن موجهات القرار السياسي والانتخابي الشعبي لن تخرج عن تأثير ثلاثي : القفة ، المونديال و اليوتوبوز .

فمن جهة، ستشكل القفة المالية و العينية عامل الحسم الرئيس في اختيار قرار المشاركة أو اختيار وجهة الصوت الانتخابي، بعد استشراء الهشاشة الهيكلية كنتيجة متوقعة للإخفاقات الثقيلة التي سجلتها السياسات العمومية في جملة من القطاعات الرئيسية، الصحة، التعليم والسكن نموذجاً، والتي خلقت أطيافاً سوسيو اقتصادية تُمَدد دائرة الفقر و الهشاشة أبعد من حدود المؤشرات المعتمدة رسمياً. ستتجند بالتالي قوى التمويل الانتخابي لحصد “مكتسبات ” التدبير الحكومي لتحالف الأحزاب الثلاثة، وستجني “شرعيتها” الانتخابية من توسع دوائر زبناء قفة التوجيه الانتخابي، بعد إفراغ مفهوم الدولة الاجتماعية من مضامينه، و استيلاء الرأسمال الجشع على مشروع التغطية الصحية، و الانسحاب المنظم سياسياً و تشريعياً من التعليم و الصحة، وضمان المنافسة الحرة و حماية القدرة المعيشية للمواطنين.

ثانيا، لا أرى محفزاً شعبيا و لا سياسيا ذاتيا كان أو موضوعيا، لخروج برامج الأحزاب السياسية “الأكثر تمثيلية”، عن خطاطة “خطة” المونديال المُعَدٌةِ مُسبقاً، والتي تتحرك على الأرض في شكل مشاريع تأهيل وتطوير البنية التحتية، غير مستحضرة ٍ – فيما يبدو – الفرص الحقيقية التي يمكن أن تجنيها بلادنا من تنظيم احتفالية عالمية من حجم كأس العالم لكرة القدم، والتي يجب أن تتجاوز فكرة التسويق الخارجي للمؤهلات المغربية – على أهميتها – لتقفز إلى الأهم و المستعجل و المتمثل في بناء ثقة الشباب المغربي في مصداقية الدولة و صلابة سيادة القانون و العدل، و المساواة والاستحقاق، إذ لا يستقيم أن لا يُؤطّرَ هذا الورش الضخم المستهلِكُ لأموال دافعي الضرائب ولثروات الوطن بمشروع تعبوي ثقافي، قيمي، فكري وسياسي متكامل، لا يُبرر فقط حجم الإنفاق من جهة و يُطمئن بشأن تحري الشفافية في تدبير هذا الورش الإنفاقي الضخم، بل يُرمم ُ حضن وطن صار يضيق ذرعاً بأبنائه، بعلمائه، بمواهبه، بكفاءاته، بسياسييه، بصحفييه، بوطنييه، و يُطَبِبَ غُربة ًغائِرَةً في قلوب شباب و كهول تمتص الروح من أرواحهم و تجز رائحة الوطن من الخبز و الماء و الأرض. لا يبدو أن النُخب المشاركة في العملية الانتخابية ستلقي بالاً لترجمة الحدث الكروي لحالة نضالية فكرية و سياسية لتسترجع شباباً يختزل حب الوطن في حب قميص المنتخب الوطني ، و لا يخترقه النشيد الوطني إلا على أرض الملاعب، و لا تشده من قضايا وطنه إلا الترتيب والإقصاءيات و ظلم حكام المباريات و الندوات الصحفية للناخبين الوطنيين عند نهاية المباريات.

إن رفع شعار حكومة “المونديال”، كعنوان عريض مبكر للانتخابات، سُمُُ عُزاف في عسل مغشوش، يغوص فيه حاملوا وصولات إيداع ملفات المؤتمرات الحزبية، لبعث رسائل عمودية و أفقية ستكفيهم شر القتال، وشر التفكير و شر المبادرة، و شر التغيير، وشر مساءلة الذات، ستكفيهم هَم ٌطرح سؤال راهنية الإصلاح السياسي و المؤسساتي، و شر تقييم الإختيارات الكبرى و الاختلالات الكبرى، و سياسة الإنفاق ومردوديتها في خلق الثروة و بناء التنمية و انتاج مناصب الشغل، وضمان التعليم و التكوين و التربية على القيم الجامعة و الذود عن الأوطان.

ثالثاً، إذا نجت فرقة ناخبة من ضغط عوامل التيئيس في قدرة الانتخابات على التغيير من داخل المؤسسات، فاختياراتها الانتخابية ستتأثر بثنائية ثقيلة تتمثل في فراغ الساحة من التأطير السياسي والمعرفي المسؤول من جهة و عجقة الفضاء العام بلايفات صناع المحتوى “اليوتوبرز” من جهة أخرى. إذ اِستحوذَ “التأطير اليوتوبرزي”- إلا في حالات معدودة- على مساحات الفضاء التواصلي المفتوح دون قيد مرجعي ولا عقد فكري أو سياسي، مُتخذاً نمط رحلة بقاء رعوية ماؤها المتابعات و كلأها اللايكات، ترتع في بوادي الشأن العام و الخاص و الحق و الباطل، على دين المحبوب من ” إخوتهم المغاربة و المغربيات “. و إذا كان الفعل الحر في الفضاء المفتوح يتخذ من الحرية المسؤولة شعاراً وجودياً فإنه في الحقيقة يُكرس حالة استعبادية إدمانية، ترهن ” اليوتيوبرز” في رحلة بناء شرعية ” التأثير” لهوى المُكبِسين، لِبُؤَرِ إثارتهم، لأمواج مزاجهم ، انطباعاتهم و تركيبتهم النفسية والثقافية، الخطورة تبتدأ من هذا المنعطف بالضبط ، حيث تنطلق عملية غسيل ” الشرعية ” فتتحول شرعية الإثارة التواصلية، بمصادرها ” المُظلِمة” ” Dark” إلى شرعية فعلية، قائمة، معترف بها، تحمل فاعلي وفاعلات الصدفة و الإثارة إلى منصات الإعتراف الجماعي والرسمي وبعدها إلى مدارج السلطة والقرب و النفوذ، فنراهم يملأون مواقع المفكرين، الأكاديميين، القادة السياسيين الوطنيين، يُؤثثون مجالس أهل الحل والعقد و الحكم، بل و يشغلون مهمات الحديث باسمهم، بسلطتهم و بنفوذهم بشكل مباشر أحياناً، و غير مباشر أحياناً أخرى..، فترى وعيك السياسي يا ولدي… يُصنع على نار تأثيرهم.. واختيارتك.. قناعاتك.. اهتماماتك.. تُطبخ في مختبرات مُموليهم، لتوجه مواقفك من القضايا المطروحة بشكل عام، و تحاصر اختيارك للنخب المؤسساتية بين المقاطعة السلبية، المحاصرة بـ”التأثير” و التوجيه بالحاجة والهشاشة والفقر.

إذا كانت مؤشرات عجز الانتخابات القادمة عن إحداث التغيير المطلوب دامغة، فإن محطة تحضير القوانين الانتخابية المؤطرة للاستشارة الانتخابية، و تفعيل تجديد النخب المنتخبة من باب محاربة الفساد الانتخابي والحزبي و فرض معايير أهلية الترشيح تضمن الكفاءة العلمية و نظافة الذمة والمسار يُمكن أن تُغير الكفة الراجحة؛ لصالح إثبات الإرادة في انبعاث مؤسساتي حق قادر على أن يُرمم ُ حضن وطن صار يضيق ذرعاً بأبنائه، بعلمائه، بمواهبه، بكفاءاته، بسياسييه، بصحفييه، بوطنييه، و يُطَبِبَ غُربة ًغائِرَةً في قلوب شباب و كهول تمتص الروح من أرواحهم و تجز رائحة الوطن من الخبز و الماء و الأرض.