بين الردع والهجوم.. ماذا نعرف عن “العقيدة النووية” للدول؟

في خضم التصعيد الأخير بالشرق الأوسط تبرر إسرائيل هجومها العسكري على إيران بسعي هذه الأخيرة لامتلاك سلاح نووي، بينما تشدد طهران على سلمية برنامجها، وفقاً لعقيدتها النووية. هذا الأمر يدفع إلى التساؤل حول مفهوم “العقيدة النووية” لدى الدول، التي تتنوع بين الردع والهجوم؟ وما هي العقيدة النووية لإيران؟
دخل العالم سباقاً، منذ استخدام القنبلة النووية لأول مرة في نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبحت على إثره تسعة دول تمتلك أسلحة نووية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت أول من استخدمها، عندما وجهت ضربة عسكرية لهيروشيما وناغازاكي اليابانيتين.
أما باقي الدول النووية، فهي روسيا والمملكة المتحدة، وفرنسا، والصين، إلى جانب كل من الهند وباكستان، وكوريا الشمالية، فضلاً عن إسرائيل التي تعتبر الدولة الوحيدة لحد الآن، في الشرق الأوسط، التي تمتلك هذا النوع من الأسلحة.
وأمام انتشار السلاح النووي، برزت العقيدة النووية كمؤطر للدول في أنشطتها على مستوى هذا المجال، وهي مجموعة من المبادئ والسياسات التي تحدد كيف يمكن لدولة استخدام الأسلحة النووية ومتى يمكنها ذلك. كما تُعتبر جزءاً أساسياً من استراتيجية الأمن القومي والعسكري لتلك الدولة.
ما هي عقيدة إيران؟
لا تمتلك إيران رسمياً أسلحة نووية، ومع ذلك يبرز النقاش حول عقيدتها النووية عند كل توتر بشأن برنامجها النووي، وهي تعلن مراراً أنها “لا تسعى إلى امتلاك سلاح نووي”. وتستند في سياسياتها على فتوى دينية للمرشد الأعلى علي خامنئي، صدرت عام 2005، وتقضي بتحريم إنتاج أو استخدام الأسلحة النووية، باعتبارها “حراماً شرعاً”.
تشدد طهران بشكل رسمي على أن برنامجها النووي يعد لأغراض سلمية فقط مثل الطاقة والطب والصناعة.
وتؤكد أن برنامجها مدني بالكامل بما يتماشى مع التزاماتها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي، وأنها لا تسعى إلى امتلاك قنبلة ذرية، في الوقت الذي تعلن فيه الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها لا تمتثل لالتزاماتها بموجب المعاهدة.
وتعد إيران عضواً في معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT)، وتخضع منشآتها لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، رغم الخلافات المتكررة حول مستوى التعاون.
وعلى الرغم من العقيدة الإيرانية “المسالمة” علناً، ترى إسرائيل أن البرنامج النووي الإيراني يشكل تهديداً لوجودها، وقالت إن ضرباتها الأخيرة تهدف إلى منع طهران من اتخاذ الخطوات المتبقية نحو صنع سلاح نووي، شارف نقطة “اللاعودة”.
وعلى الرغم من عدم تأكيدها أو نفيها هي الأخرى حيازتها سلاحاً نووياً، يؤكد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن إسرائيل تحوز 90 رأساً نووياً.
جدل مراجعة العقيدة
قبل نحو عامين، كانت هناك محاولات إيرانية تسعى إلى تطبيع الحديث عن مراجعة العقيدة النووية بهدف مواجهة التهديدات الوجودية، قبل أن تعود الدعوات لإنتاج قنبلة نووية داخل إيران مع التطورات الإقليمية، خاصة بعد التصعيد العسكري المتكرر بين إيران وإسرائيل منذ 2024.
وفي أكتوبر 2024، تصاعدت الأصوات داخل إيران لمطالبة الجمهورية بمراجعة عقيدتها النووية لحيازة قنبلة ذرية بهدف التصدي لتهديدات إسرائيل.
وكان أكثر من 30 نائباً في البرلمان الإيراني قد دعوا حينها إلى إعادة النظر في العقيدة النووية للجمهورية الإسلامية، في رسالة بعثوها إلى المجلس الأعلى للأمن القومي. كما طالبوا المرشد الأعلى علي خامنئي بإعادة النظر في فتواه التي تحظر استخدام الأسلحة النووية.
واصطدمت هذه الدعوات بمعارضة لافتة داخل البلاد. إذ كان من بين الذين عبروا عن امتعاضهم من هذه الدعوات، الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني الذي يرى أن هذا التوجه لا يصب في المصلحة الوطنية، بقدر ما يعطي الذريعة للأعداء.
وقال روحاني: “إن الحديث هذه الأيام عن تغيير العقيدة النووية يتناغم وإرادة المتطرفين في الولايات المتحدة وإسرائيل، لتمهيد الأرضية لشن الحرب على إيران، حتى يقولوا للرأي العام العالمي إنه في حال عدم التدخل العسكري في بلاد فارس، ستكون الأخيرة على بعد أيام فقط من القنبلة الذرية”.
ما هي عقيدة الدول النووية التسع؟
أمريكا
بخصوص الدول النووية التسع، ترتبط عقيدتها النووية بطبيعة استخدام هذا السلاح التدميري في الحرب، إذ تتبع الولايات المتحدة الأمريكية سياسة الردع وتحتفظ بحق الاستخدام أولاً في بعض الظروف.
ومنذ نهاية الحرب الباردة، عدّلت الولايات المتحدة، التي تمتلك اليوم نحو 5500 سلاح نووي، نصفها في حالة تأهب قصوى، (عدلت) سياستها النووية عدة مرات، لكنها لم تعلن أبداً أنها لن تستخدمها أو حتى أنها لن تكون المبادر في استخدامها.
وفي 2010، اعتبرت الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس الديمقراطي باراك أوباما أن هناك “نطاقاً ضيقاً يمكن لهذه الأسلحة أن تلعبه في الحالات الطارئة”، على غرار ردع الهجمات التقليدية أو الكيميائية أو البيولوجية.
بدورها، رفضت الإدارة السابقة للرئيس الأميركي دونالد ترمب، في تقرير مراجعة الوضع النووي عام 2018، فكرة أن الغرض الوحيد من الأسلحة النووية هو ردع هجوم نووي، وكما لم تتبن سياسة “عدم الاستخدام الأول”.
روسيا
وفي يونيو 2020، أقرت وثيقة وقعها الرئيس الروسي فلادمير بوتين ونشرها الكرملين على موقعه الرسمي، تتضمن “المبادئ الأساسية” لسياسة الردع النووي الروسي.
وحددت الوثيقة 4 حالات تُبرر استخدام الأسلحة النووية، من طرف روسيا، وتتمثل في “إطلاق صواريخ باليستية ضد روسيا أو حليف لها، واستخدام الخصم للسلاح النووي، ومهاجمة موقع أسلحة نووية روسي، أو التعرّض لعدوان يُهدد وجود الدولة”.
وتقول سياسة الردع النووي الروسي: “على الخصم أن يعي حتمية الانتقام في حالة وقوع اعتداء على روسيا و/أو على حلفائها”، وتؤكد أن “الردع النووي مكفول سواء في وقت السلم أو فترات التهديد المباشر بالعدوان، وخلال الحرب أيضاً، وصولاً إلى الاستخدام الفعلي للأسلحة النووية”.
وتُعد روسيا الدولة الأكبر من حيث القوة النووية، إذ تضم ترسانتها العسكرية نحو 6300 رأس حربي.
الصين
وعلى عكس روسيا والولايات المتحدة، تعتقد الصين أن الأسلحة النووية ذات فائدة محدودة، إذ تعتبر أن القوة التدميرية للأسلحة النووية تحد من فائدتها، بينما تشدد على أن القوات التقليدية أكثر مرونة وقابلية للاستخدام في الصراع.
وفي هذا الصدد، يحدد البروتوكول الصيني، 3 مهام رئيسية للقوات النووية. بحيث أنها تسعى في وقت السلم، لردع الأعداء عن شن حرب نووية ضد أراضيها، بينما تُقيد نطاق العمليات العسكرية، وتمنع انتقال الصراع إلى المستوى النووي في زمن الحرب. أما في حال تصاعد الحرب فإنها تعمل على شن هجمات نووية مضادة.
المملكة المتحدة
أما بخصوص المملكة المتحدة، فإن المبادئ الرئيسية للسياسة النووية البريطانية منذ أن حددتها حكومة حزب العمال عام 2006، تتلخص في أن هذه القوة ليست مصممة للقتال بل لمنع هجوم نووي، على أن تحتفظ بريطانيا بالحد الأدنى من القوة التدميرية اللازمة لتحقيق أهداف الردع الخاصة بها.
أما بشأن متى وكيف وأين قد تستخدم الأسلحة النووية، فتتركها عقيدة المملكة المتحدة غامضة، بما في ذلك عدم استبعاد خيار “الاستخدام الأول”، خاصة عندما يكون هناك تهديد للمصالح العليا للمملكة، أو للدفاع عن حلف الناتو.
هذا وتلتزم المملكة المتحدة بعدم استخدام أو التهديد باستخدام هذه الأسلحة التدميرية ضد أي دولة غير حائزة لهذه الأسلحة.
فرنسا
أما فرنسا التي تعد القوة النووية الوحيدة داخل الاتحاد الأوروبي منذ خروج المملكة المتحدة، فإنها تؤكد بدورها أن لديها الإرادة والقدرة على استخدامها الأسلحة النووية لمواجهة الخصوم، وذلك رغم كون سياستها الدفاعية تأخذ القوة التدميرية للأسلحة النووية والرعب الذي تحدثه بعين الاعتبار.
الهند
وفي جنوب آسيا، تلتزم الهند رسمياً بسياسة “عدم الاستخدام أولاً، إذ تبنّت نيودلهي لأول مرة هذه السياسة ضمن عقيدتها عام 1999، وتؤكد أن هذه الأسلحة مُخصصة للرد على أي هجوم نووي، وتحقيق سياسة “الانتقام” فقط.
كما أصدرت في 2003 عقيدة نووية رسمية، تنص على أن دوافع الاستخدام تتمثل في الرد الهائل على أي هجمات تستخدم أسلحة كيماوية وبيولوجية.
باكستان
أما باكستان فعلى عكس الهند، ترفض هذه السياسية وتحتفظ بحق استخدام الأسلحة النووية كرد على تهديد عسكري واسع النطاق يهدد بقاء الدولة.
وبحسب العقيدة النووية الباكستانية، فإن الهدف الرئيسي من هذا السلاح هو ردع أي عدوان هندي نووي محتمل، ومنع انتصار الهند في حالة نشوب حرب.
كوريا الشمالية
وتبقى كوريا الشمالية الدولة الاستثناء بين الدول النووية التسع التي لا يتم الإفصاح عن العقيدة النووية الخاصة بها، إلا أن مندوبها في الأمم المتحدة، كان قد ذكر خلال مؤتمر نزع السلاح عام 2016 أن بلاده لن تستخدم الأسلحة النووية إلا إذا تعرضت سيادتها للتهديد.