“مؤشرات مقلقة” ودور “مٌهدَّد”.. كيف يرى الخبراء واقع الصحافة بالمغرب؟

في الثالث من ماي كل عام، يتوقف العالم لتكريم أولئك الذين اختاروا أن يحملوا أقلامهم كأدوات مقاومة، وعدساتهم كجبهات لملاحقة الحقيقة. هو ليس يومًا للاحتفال، كما يرى خبراء وحقوقيون، “بل للتذكير بأن حرية الصحافة ليست مكسبًا مضمونًا، بل ساحة معركة متجددة”.
رغم المكاسب.. “مؤشرات مقلقة”
وفي رصده لواقع الصحافة بالمغرب، يوضح الأستاذ محمد كريم بوخصاص، أستاذ الصحافة والإعلام بجامعة المولى إسماعيل بمكناس لصحيفة ”صوت المغرب”، أن وضعية الصحافيين المغاربة محكومة بثلاث عوامل ضغط، يتعلق أولها بـ “هشاشة اقتصادية غير مسبوقة” تهدد استقرار المؤسسات الإعلامية التي تعتمد على الدعم الحكومي لبقائها.
وأضاف بوخصاص أن ثاني هذه الضغوط يتمثل في “ارتهان الخطوط التحريرية لسياسات الإعلان والتدخلات غير المباشرة في المحتوى”، فيما يرتبط عامل الضغط الثالث بـ”تفاقم أزمة المهنية” بسبب انتشار منتسبي الصفة وضعف التنظيم النقابي، حيث انهارت مؤسسة التنظيم الذاتي فعلياً منذ أبريل 2023، ولم يبق سوى “لجنة مؤقتة” تتعارض مع مبادئ التنظيم الذاتي.
من جانبه أكد الإعلامي والناشط الحقوقي والسياسي، عادل تشيكيطو، أن اليوم العالمي لحرية الصحافة يشكل محطة رمزية لتجديد الوعي بالدور الجوهري الذي يضطلع به الصحافيون والصحافيات في الدفاع عن الحقيقة، وفضح الانتهاكات، وفتح آفاق النقاش العمومي حول القضايا المصيرية التي تهم الشعوب والمجتمعات.
وأضاف تشيكيطو خلال حديثه مع صحيفة ”صوت المغرب” أن ما نعيشه اليوم يجعل هذا الدور “مهددًا”، في ظل استمرار التضييق على الصحافة المستقلة، وارتفاع وتيرة المحاكمات ضد الصحافيين، واتساع دائرة الرقابة الذاتية داخل غرف التحرير”.
وتابع المتحدث: “صحيح أن المغرب راكم بعض الإنجازات المؤسساتية في مجال الإعلام، من ضمنها قانون الصحافة والنشر الذي ألغى العقوبات السالبة للحرية في ظاهره، ومبادرات التكوين وتعزيز أخلاقيات المهنة. غير أن الواقع يؤكد أن هذا الإطار لا يُفعّل دائمًا بنزاهة”.
كما أشار عادل تشيكيطو إلى “التراجع المقلق” الذي تعرفه حرية الصحافة، والممارسات السلطوية التي تسعى إلى إسكات الأصوات المستقلة، من خلال المتابعات القضائية، والضغط الاقتصادي، وتوظيف القانون في غير محله، يضيف المتحدث ذاته.
تضييق وتشويه علني
وأكد أن الساحة الإعلامية المغربية تشهد منذ سنوات “تضييقًا ملحوظًا”، يتجلى في محاكمات مطولة لصحافيين، واستخدام قوانين جنائية بدلاً من قانون الصحافة، “وهو ما يُناقض روح الإصلاح المعلن”، كما يعاني الصحافيون، خاصة المستقلين منهم، من “هشاشة مادية” تجعلهم أكثر عرضة للابتزاز والتأثير، وتُضعف من قدرتهم على مقاومة الضغوط.
وأضاف عادل تشيكيطو أن الأمر لا يقف عند حدود الملاحقة، بل يتعداه إلى التشويه العلني، “حيث تحوّلت بعض المنابر المستأجرة إلى أدوات لهدم صورة المدافعين عن الحقوق والحريات في غياب تام لأخلاقيات المهنة، وفي ظل صمت رسمي مُريب تجاه هذه الانزلاقات”.
وخلص عادل تشيكيطو بالدعوة إلى إيقاف مسلسل المحاكمات ضد الصحافيين ومتابعتهم بنصوص القانون الجنائي السالبة للحرية عوض قانون الصحافة والنشر، كما نتمنى أن تتضافر الجهود لتحسين أوضاعهم المادية.
في يومها العالمي، تُذكرنا الصحافة الحرة بأنها خط الدفاع الأول عن الحقيقة. لكن في المغرب، كما في بقاع أخرى من العالم، لا تزال هذه الحقيقة تحتاج لمن يدفع عنها الثمن.
إن حماية حرية الصحافة ليست فقط مسؤولية الدولة، بل مسؤولية مجتمع كامل، يرفض الصمت، ويطالب بإعلام مستقل، ومهني، وشجاع. لأن تكميم الصحافة، هو تكميم للعقول… وقتل للحقيقة.
*سناء الأحبابي: صحافية متدربة