story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
صحة |

مختصة: ضعف الجاذبية والاكتظاظ وغياب الاعتراف القانوني وراء خصاص الأطباء النفسيين

ص ص

أثار الكشف الأخير لوزير الصحة أمين التهراوي حول العدد المحدود للأطباء النفسانيين بالمغرب موجة من التساؤلات بشأن الخصاص الحاد الذي يعانيه هذا التخصص الحيوي، خصوصًا في ظل تزايد الطلب المجتمعي على خدمات الصحة النفسية والعقلية.

حيث بدا الرقم المعلن، وفق مختصين، بعيدًا عن المعايير الدولية، وغير قادر على الاستجابة للحاجيات المتنامية، ما أعاد طرح إشكالية الموارد البشرية في هذا القطاع على طاولة النقاش العمومي وعن الاسباب الكامنة وراء قلة الأطر في هذا التخصص الحيوي.

وفي هذا السياق، قدّمت الدكتورة كوثر حالتي، الأخصائية في الأمراض النفسية والعقلية ونائبة رئيس رابطة متخصصي الصحة النفسية والعقلية بالمغرب، قراءة شاملة لصحيفة “صوت المغرب” في أسباب هذا العجز البنيوي، مسلطةً الضوء على مجموعة من الإكراهات المهنية والتنظيمية والقانونية التي تُعطل تطوير القطاع وتُعرقل أداء أطره داخل المنظومة الصحية.

ضعف الجاذبية

وأوضحت الدكتورة حالتي، أن العامل الأول يتجلى في “ضعف جاذبية” تخصص الطب النفسي، بسبب ما هو سائد ومعروف عن صعوبة التخصص والمخاطر المرتبطة به، “مما يجعل الكثير من الطلبة الأطباء يعزفون عن اختياره، بالرغم من الطلب المتزايد على خدمات الصحة النفسية”.

وأبرزت أن عدد المقاعد المتاحة لهذا التخصص في كليات الطب “لا يتناسب مع الحاجيات الحقيقية”، ناهيك عن قلة المقاعد المالية (postes budgétaires) المخصصة، وهو ما يجعل معظم المناصب تُمنح لغير المتعاقدين (bénévoles)، مما يعزز تواجد الأطباء بالقطاع الخاص والمصحات، “بينما يستمر الخصاص في المؤسسات الاستشفائية العمومية”.

ضغط مهني

أما العامل الثاني حسب المتحدثة ذاتها، فيتعلق “بما يواجهه الأطباء النفسانيون من ضغط مهني كبير نتيجة الاكتظاظ، بسبب قلة عدد الأطر العاملة، مما يؤدي إلى تراجع جودة الرعاية الطبية المقدمة للمرضى”.

وأضافت الدكتورة حالتي أن المستشفيات العمومية تعاني أيضًا من “ضعف في البنية التحتية واللوجيستية، مما يصعّب توفير بيئة علاجية مناسبة، بالإضافة إلى انقطاع الأدوية الأساسية لعلاج اضطرابات نفسية مزمنة مثل الذهان والفصام (السكيزوفرينيا)، وهو ما يدفع المرضى أحيانًا إلى الاحتجاج، كما حدث مؤخرًا في مدينة طنجة”.

وأكدت المتحدثة أن هذا الوضع يزداد سوءًا بسبب “نقص الممرضين المتخصصين في الصحة النفسية والعقلية، وغياب الأطر المدربة بشكل كافٍ، ما يجعل العبء كله يقع على الأطباء النفسانيين”، ملفتة إلى “غياب الحماية الأمنية داخل بعض المؤسسات ما يضع الأطباء في مواقف خطرة، ويؤثر على شعورهم بالأمان داخل بيئة العمل”.

غياب الاعتراف

من جهة أخرى، سلطت الدكتورة الضوء على معاناة المتخصصين والمعالجين النفسانيين، الذين رغم تخرجهم بأعداد كبيرة من الجامعات والمعاهد، “إلا أنهم يعانون من غياب الاعتراف القانوني بمكانتهم المهنية”، حيث يتم توظيفهم تحت مسميات إدارية مثل “متصرف إداري”، ما يحرمهم من ممارسة مهامهم العلاجية بشكل رسمي.

وأوضحت أن غياب مسارات واضحة للتكوين والتطوير المهني يؤدي إلى “تهميش هذه الفئة”، أو دفعها للعمل في كيانات غير منظمة، وهو ما يفرغ المنظومة من طاقاتها الحيوية.

ودعت حالتي إلى ضرورة إصلاح شمولي لمنظومة الصحة النفسية والعقلية، يضمن توظيف الأطر المؤهلة، وتحسين شروط العمل، والاعتراف القانوني بالمتخصصين النفسانيين، بما يساهم في توفير خدمات علاجية تحفظ كرامة المريض وتعزز الصحة النفسية العامة للمواطنين.

أزمة متعددة الأبعاد

وأكدت الدكتورة كوثر حالتي، نائبة رئيس رابطة متخصصي الصحة النفسية والعقلية بالمغرب، أن النقص الحاد في الأطباء النفسانيين والمتخصصين النفسانيين لا يرتبط بعامل واحد، بل هو نتيجة “تشابك عوامل قانونية، تنظيمية، تكوينية، ومجتمعية”، تتطلب إصلاحًا شاملاً لضمان فعالية المنظومة وتحقيق التوازن النفسي والاجتماعي للمواطن المغربي.

وأوضحت الدكتورة حالتي، أن “الفراغ القانوني والتنظيمي” يمثل أحد الأسباب الجوهرية وراء أزمة الموارد البشرية في الصحة النفسية، ففي الوقت الذي يحظى فيه الأطباء النفسانيون بإطار قانوني واضح ينظم مهنتهم ويوفر لهم حماية، لا يزال المتخصصون والمعالجون النفسانيون خارج هذه المنظومة القانونية، “مما يُفقدهم الاعتراف الرسمي ويمنعهم من ممارسة مهامهم العلاجية والتشخيصية بشكل مؤسساتي، بالرغم من تكوينهم الجامعي المتخصص”.

وأضافت أن البرامج التكوينية الجامعية، رغم غناها النظري، “تفتقر إلى الشق التطبيقي العملي، ما يؤدي إلى ضعف جاهزية الخريجين للاندماج في سوق الشغل”. ووصفت مسار التدريب الميداني داخل المستشفيات والمراكز الصحية بأنه من “أعقد المحطات التي تواجه طلبة علم النفس، في ظل غياب بنيات مؤطرة وفرص واقعية للتطبيق”، مشيرة إلى أن هذه “الهشاشة التكوينية” تُفاقم من بطالة المتخصصين النفسانيين وتُعرضهم للتهميش أو الهجرة نحو مجالات غير منظمة.

وشددت حالتي على أن “هذا الوضع يتعقد أكثر بسبب ضعف الدعم المؤسسي والمالي الموجه لقطاع الصحة النفسية، سواء من حيث الميزانيات المرصودة أو الموارد البشرية المؤهلة”، ما يؤدي إلى توظيف المعالجين والمتخصصين النفسانيين تحت مسميات إدارية بعيدة عن صفتهم العلمية، كـ”متصرف إداري”، وهو ما يُقصيهم من الأدوار العلاجية ويُفقدهم الاعتراف المؤسسي الكامل.

وأشارت المتحدثة كذلك إلى أن هناك عوامل اجتماعية وثقافية تؤثر بدورها، أبرزها استمرار “وصمة المرض النفسي” داخل المجتمع المغربي، وهي وصمة تُثني الكثيرين عن التخصص في هذا المجال أو حتى عن الاستفادة من خدمات الصحة النفسية، “ما يزيد من تفاقم الوضع ويُكرس الهشاشة النفسية في أوساط واسعة من المواطنين”.

وشددت حالتي على أن الإصلاح الحقيقي يجب أن ينطلق من الاعتراف القانوني والتنظيمي بمكانة المتخصصين النفسانيين داخل المنظومة الصحية، وضرورة تطوير منظومة التكوين والتدريب الميداني، وتعزيز الدعم المؤسسي والمالي لهذا القطاع الحساس، مع تحسين ظروف عمل الأطباء النفسانيين، وتوفير التحفيزات والحماية الأمنية الملائمة، معتبرة أن ذلك هو المدخل الأساسي لإصلاح منظومتي الصحة والتعليم، وتحقيق التوازن النفسي والاجتماعي للمواطن المغربي.