مختصة: عدد الأطباء النفسيين بالمغرب بعيد عن المعايير الدولية

في ظل الحديث عن أهمية الاهتمام بالصحة النفسية والعقلية للمغاربة، كشف أمين التهراوي، وزير الصحة والحماية الاجتماعية في البرلمان أن عدد أطباء الصحة النفسية بالمغرب يقارب 600 طبيب بين القطاع العام والخاص، وهو رقم يظل حسب مختصين بعيدًا عن المعايير الدولية، وغير قادر على تلبية الاحتياجات المتزايدة في هذا المجال الحيوي.
وفي السياق، أكدت الأخصائية النفسية والباحثة في علم النفس الاجتماعي، بشرى المرابطي، أن المغرب يواجه تحديات خطيرة في مجال الصحة النفسية والعقلية، مبرزة أن الوضع “لا يزال بعيدًا عن المعايير الدولية، بل حتى عن ما هو معمول به في عدد من الدول المجاورة”، موضحة أن المغرب يعاني من “خصاص بنيوي حاد” سواء على مستوى الموارد البشرية أو البنيات التحتية والخدمات العلاجية.
فجوة كبيرة
وأشارت المرابطي في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” إلى أن المقارنة وحدها كافية لقياس الفجوة، مستدلة بمدينة جنيف التي ضمت سنة 2016 ما يقارب 500 طبيب نفسي، في حين بلغ عدد الأطباء المتخصصين في فرنسا أكثر من 13 ألف طبيب حسب إحصائيات 2018، مقابل معدل لا يتجاوز نصف طبيب لكل 1000 مواطن في المغرب، واصفة الرقم بـ”البعيد جدًا عن المعدل العالمي”، ويعكس حجم “النقص الصارخ” الذي يعانيه المغرب في هذا القطاع الحساس.
ورغم أن وزارة الصحة بذلت، بحسبها، جهودًا مهمة في السنوات الأخيرة، فإن الباحثة تؤكد أن الواقع ما زال لا يراوح مكانه، وأن التعامل مع هذا الملف الحيوي لا يرقى إلى مستوى التحديات، مشددة على أن “إهمال الصحة النفسية والعقلية لا يعني فقط ترك المرضى يواجهون مصيرهم، بل هو إهدار لفئة كبيرة من الطاقات الإنتاجية التي يحتاجها الوطن، ما يُضاعف الكلفة الاجتماعية والاقتصادية في حال ترك هذه الحالات دون علاج”.
نقص الأسِرَّة
وفي غضون ذلك لفتت المتحدثة إلى أن المغرب لا يتوفر سوى على 0.78 سريرًا لكل 10 آلاف نسمة، مقارنة بالمعدل العالمي البالغ 4.36، إضافة إلى نقص كبير في عدد الممرضين المختصين (753 فقط سنة 2018)، وكذلك في عدد الأطباء العامين الذين يمكنهم لعب دور وسيط أولي في تقديم خدمات الطب النفسي.
وسجلت خصاصًا في الأدوية الحديثة، وارتفاعًا في أسعارها مقارنة حتى بدول عربية، في ظل ضعف التغطية الصحية، حيث تتحمل الأسر أكثر من 56% من كلفة العلاج.
وفي جانب آخر، نبّهت المرابطي إلى غياب دورية خاصة تهتم بالصحة النفسية والعقلية، ما يترك فراغًا مؤسساتيًا كبيرًا، خاصة أمام معطيات مقلقة تشير إلى أن أكثر من 50% من الأشخاص في وضعية تشرد يعانون من اضطرابات نفسية، مؤكدة أن التهديد لا يطال الأفراد فقط، بل يطال السلامة العامة ككل.
وأضافت الباحثة أن مراكز العلاج تتركز أساسًا في المدن الكبرى، بينما تعاني المناطق القروية والمهمشة من غياب شبه تام للخدمات النفسية، مما يعمق الفوارق المجالية والاجتماعية، معتبرة أن إغلاق مؤسسة “بويا عمر” كان خطوة إيجابية، لكنها لم تُواكب بتأهيل المستشفيات لاستقبال الحالات، مما أدى إلى “تشتيت” المرضى وانتقالهم إلى مناطق كالرشيدية والسلطات، حيث تعيش السلطات المحلية هذا الواقع دون حلول ناجعة.
صياغة سياسة وطنية
وفي هذا السياق، دعت المرابطي إلى صياغة سياسة وطنية شاملة ومندمجة في مجال الصحة النفسية، تُشرك مختلف القطاعات الحكومية، من الصحة إلى التعليم والشباب والتضامن، مع إدماج خريجي شُعب علم النفس ضمن فرق الطب العقلي، وتوفير مراكز علاج نهارية، وتوسيع خدمات الطب النفسي إلى المستشفيات الجهوية والمستوصفات الحضرية.
كما شددت على ضرورة إدماج الأخصائيين النفسيين في المؤسسات التعليمية، مشيرة إلى أن “مرحلة المراهقة تعتبر الأكثر هشاشة نفسيًا، وأن وجود مختص نفسي بالمدارس سيساهم في الوقاية من اضطرابات محتملة، وضمان استقرار المسار الدراسي والمهني للتلاميذ”.
وأكدت الأخصائية النفسية على أن الأمراض العقلية لا تزال خارج أولويات السياسة الصحية بالمغرب، وهو ما يتطلب مراجعة جذرية للسياسات العمومية في هذا المجال، خاصة في ظل ما شهده المغرب مؤخرًا من وقائع مؤسفة أثارت قلق الرأي العام، وأكدت الحاجة إلى إجراءات عاجلة تحفظ الاستقرار الاجتماعي والنفسي للمواطنين.
المقاربة الأمنية غير كافية
من جانبه، حذّر إدريس السدراوي، رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، من تفاقم تحديات الصحة النفسية وتنامي ظاهرة الإدمان بالمغرب، في ظل ما وصفه بـ”الخصاص المهول” في عدد الأطباء النفسيين وضعف البنيات العلاجية، مشددًا على أن المقاربة الأمنية وحدها غير كافية، وأن الأمر يتطلب سياسة وطنية شاملة ذات بعد حقوقي.
وسجّل السدراوي، بقلق بالغ، أن عدد الأطباء النفسيين بالمغرب لا يتجاوز طبيبًا واحدًا لكل 100 ألف نسمة، وهو رقم “صادم” بالنظر إلى الحاجيات المتزايدة، في ظل ارتفاع حالات الاضطرابات النفسية، خاصة في أوساط الشباب، وتفاقم آفة الإدمان على المخدرات والمؤثرات العقلية.
وقال إن تجاهل هذا الملف “يمثل إخلالًا صريحًا بالتزامات الدولة في حماية حقوق الإنسان، ويُعرض أرواح المواطنين للخطر”، داعيًا إلى فتح نقاش وطني شفاف حول واقع الصحة النفسية والإدمان، بمشاركة مختلف الفاعلين، من مؤسسات رسمية، مجتمع مدني، وخبراء، بهدف التوصل إلى حلول مستدامة تحفظ كرامة الإنسان وتضمن أمن المجتمع.
ولفت الحقوقي إلى ضرورة إشراك المجتمع المدني في تتبع أوضاع الصحة النفسية ورصد الانتهاكات المحتملة التي يتعرض لها المرضى والمدمنون، مع وضع آليات قانونية بديلة للإيداع الجنائي، تتيح للقضاة إحالة الحالات المرتبطة بالاضطرابات النفسية على وحدات للعلاج بدل السجون.
وخلص السدراوي إلى أن الصحة النفسية أصبحت قنبلة موقوتة تهدد الاستقرار المجتمعي، كما تجلّى في عدد من الحوادث المؤلمة، آخرها الجريمة المروعة التي شهدتها مدينة ابن أحمد، حيث راح ضحيتها مواطنة بريئة، في واقعة تعكس خطورة ترك المرضى النفسيين دون رعاية أو علاج.